ينتظر عشاق الرصد حدوث الظواهر الفلكية، خاصة النادرة منها للاستمتاع بمشاهدها المذهلة، ومن بين الظواهر المحببة للراصدين ظاهرة كسوف الشمس.
يعد الكسوف الشمسي ظاهرة أكثر ندرة من خسوف القمر، كما تشترك معه كونها تحدث في مساحة محدودة.
فما هو تعريف كسوف الشمس، وكيف يحدث؟
كسوف الشمس هو اختفاء ضوء الشمس نتيجة وجود القمر الجديد (المحاق) بين الشمس والأرض، ما يحجب أشعة الشمس، ويلقي بظلاله على أجزاء من الأرض. ولكن لا يحدث الكسوف في مطلع كل شهر قمري، بسبب ميل مدار القمر حول الأرض على المستوى الكسوفي بزاوية 5 درجات، فلا تكون الشمس والقمر والأرض على استقامة واحدة.
ظل القمر ليس كبيراً بما يكفي لإغراق الكوكب بأكمله، لذلك يقتصر الظل دائماً على منطقة معينة. فلا يمكن رؤية الكسوف الشمسي إلا من داخل المنطقة على الأرض حيث يسقط ظل القمر، وكلما اقتربت من مركز مسار الظل، كان شكل الكسوف أكبر.
تتغير هذه المنطقة أثناء الكسوف لأن القمر والأرض يتحركان باستمرار، تدور الأرض باستمرار حول محورها كما تدور حول الشمس، ويدور القمر حول الأرض. هذا هو السبب في أنه عند حدوث كسوف شمسي سيبدو وكأن الكسوف ينتقل من مكان إلى آخر.
هل هناك أنواع لكسوف الشمس؟
نعم، هناك 4 أنواع من كسوف الشمس:
– الكسوف الجزئي للشمس، عندما يحجب القمر قرص الشمس جزئياً فقط، ويتكون شبه ظل القمر على سطح الأرض.
– كسوف الشمس الحلقي، ويحدث عندما لا يكون قرص القمر كبيراً بما يكفي لتغطية كامل قرص الشمس، وتبقى حواف الشمس الخارجية مرئية لتشكل حلقة من النار في السماء. يحدث الكسوف الحلقي للشمس عندما يكون القمر بالقرب من الأوج (أبعد نقطة له عن الأرض).
– الكسوف الكلي للشمس، ويحدث عندما يغطي القمر الشمس بالكامل، ولا يمكن أن يحدث إلا عندما يكون القمر بالقرب من الحضيض (أقرب نقطة في مساره حول الأرض). يمكنك فقط رؤية الكسوف الكلي للشمس إذا كنت في المسار حيث يلقي القمر ظله.
– كسوف شمسي هجين، وهو النوع الأكثر ندرة. ويحدث عندما يتغير الكسوف نفسه من كسوف حلقي إلى كسوف كلي للشمس، أو العكس، على طول مسار الكسوف.
أساطير قديمة عن كسوف الشمس
علمنا للتوّ أن هناك تفسيراً علمياً لظاهرة كسوف الشمس، ولكن قديماً تسبب كسوف الشمس في إثارة الخوف والفضول، كما ارتبط بالخرافات والأساطير عبر التاريخ. فقد حاولت الثقافات القديمة فهم سبب اختفاء الشمس لفترة قصيرة من السماء، ولذا نسجت الأساطير.
وهنا نستعرض عدداً من تلك الأساطير والخرافات التي ارتبطت بظاهرة كسوف الشمس قديماً.
حينما تغضب الآلهة تدير الشمس ظهرها للبشر
في كثير من الثقافات، كان كسوف الشمس يعني أن الآلهة كانت غاضبة جداً من البشر، وعلى وشك إلحاق العقاب بهم. في كثير من الأحيان، كان هذا يعني أنه من أجل استرضائها، كان عليك قتل شخص ما.
في ترانسيلفانيا (إحدى أقاليم رومانيا)، اعتقد الناس أن الكسوف كان بسبب أن الشمس أدارت ظهرها لخطايا البشرية، ما تسبب في سقوط ندى سام.
كما نظرت الإنكا إلى الكسوف على أنه إشارة إلى أن إله الشمس إينتي كان غاضباً، ويطلب الاسترضاء من القرابين.
وبالنسبة إلى قبيلة Tewa الأمريكية الأصلية، فإن الكسوف يعني أن الشمس الغاضبة كانت تغادر السماء لتذهب لزيارة منزلها في العالم الآخر.
اعتقد الإغريق أن الكسوف يعني أن الآلهة كانت على وشك إنزال العقوبة على الملك، لذلك في الأيام التي سبقت الكسوف، كانوا يختارون السجناء أو الفلاحين ليقفوا مثل الملك على أمل أن يحصلوا على عقوبة الكسوف والملك الحقيقي يخلص منها، وبمجرد انتهاء الكسوف، يتم إعدام الملك البديل.
رأس الشيطان يبتلع الشمس
يعتبر الكسوف في الأساطير الهندوسية أمراً مشؤوماً، فالشمس، التي تُعبد كقوة حياة رئيسية في الكون، تختفي أثناء الكسوف الشمسي، ما يجعلها فألاً لحدوث كل الأشياء الشريرة.
وتحكي الأسطورة الهندوسية عن الشيطان Svarbhanu الذي أراد أن يتمتع بالخلود الأبدي مثل الآلهة، ولذا أراد أن يسرق إكسير الحياة، فتنكر ودخل إلى مأدبة الآلهة للحصول على الإكسير.
تمكّن الشيطان من سرقة جرعة من إكسير الحياة، ولكن تمكن أحد الآلهة من رؤيته فقطع رأسه الذي سُمي روحو Rahu على الفور. فمات جسد الشيطان الذي أطلق عليه كيتو Ketu، بينما ظل رأسه خالداً.
وكما تقول الأسطورة، فمنذ ذلك الوقت، يطارد الرأس آلهة الشمس القمر محاولاً أكلها، وعندما يبتلع الشمس يحدث كسوف للشمس، وعندما يبتلع القمر يحدث خسوف القمر. ولأن جسد الشيطان مقطوعاً، تسقط الشمس أو القمر مرة أخرى من خلف الرأس لتظهر من جديد في السماء.
لم تقتصر فكرة ابتلاع الشيطان للشمس على الفلكلور الهندوسي فقط، ففي الصين القديمة، كان يُعتقد أن كسوف الشمس ينتج نتيجة ابتلاع التنين لقرص الشمس، أما في الثقافة الفيتنامية فكان الضفدع العملاق هو من يبتلعها، وفي سيبيريا مصاص دماء.
الضوضاء تخيف الذئاب والتنانين
يعتقد الفايكنغ أن كسوف الشمس وخسوف القمر مرتبطان بالذئبين سكول وهاتي اللذين يريدان التهامهما. فالذئب سكول يطارد الشمس، بينما يطارد هاتي القمر، وعند اقترابهما من أجل ذلك يحدث الكسوف أو الخسوف.
وعندما يكتشف سكان الأرض ما يحدث، فعليهم إنقاذ الشمس أو القمر من خلال إصدار أكبر قدر ممكن من الضوضاء لتخويف الذئاب.
كذلك في الصين القديمة، كان هتاف الناس، وقرعهم الطبول، وإطلاق المدافع هي الوسيلة لإخافة التنين الذي يبتلع الشمس وفقاً لاعتقادهم كما ذكرنا. كما كان هذا الكسوف فألاً سيئاً بالنسبة للحاكم، ويجب على الفلكيين آنذاك التنبؤ بموعد حدوثه كي يستعد الناس لتخويف التنين.
ومن المفارقات التي كشفها أحد السجلات القديمة، أنه حينما فشل عالما فلك من التنبؤ بالكسوف قُطع رأسيهما، لأنهما لم يمنحا الناس الفرصة للاستعداد.
الشمس والقمر مجرد زوجين في بعض الثقافات
لم يُنظر إلى الكسوف دائماً على أنه كارثة كونية، ففي بعض الأحيان كانوا يقصدون فقط أن الشمس والقمر مجرد زوجين يعملان على حل مشكلاتهما.
بالنسبة إلى قبائل التلينجيت في أمريكا الشمالية، وكذلك بعض الثقافات الأسترالية للسكان الأصليين، فإن الكسوف يعني أن الشمس والقمر ينجبان المزيد من الأطفال وهم من النجوم والكواكب التي تكون واضحة في ظلام الكسوف.
بالنسبة لشعب باتاماليبا في توغو وبنين في إفريقيا، فإن الكسوف يعني أن الشمس والقمر كانا يتشاجران مع بعضهما البعض. لذلك لتشجيعهم على التوصل إلى السلام، فإن الناس سوف يتعاملون مع الكسوف باعتباره فرصة لحل نزاعاتهم.