كريس بارانيوك- بي بي سي
توصلت دراسة أجريت مؤخرا على 289 نوعا من الثدييات إلى أدلة على أن ثلث الثدييات تقريبا يقتل صغاره، وهو الأمر الذي قد يكون صادما للكثيرين بعدما اتضح أن هذا الأمر أكثر شيوعا مما كنا نعتقد.
وفي بعض الأحيان تقتل الحيوانات صغارها، وفي أحيان أخرى تقتل صغار حيوانات أخرى من نفس المجموعة.
ونشرت سارة هردي، متخصصة في علم الإنسان والثدييات، في وقت مبكر من مسيرتها المهنية بحثا عن قتل الصغار لدى قرود اللانغور، وهي فصيلة من القرود المنتشرة في قارة آسيا.
ورغم أنه لا يمكن أن نتخيل كيف تقدم أم على قتل رضيعها، سواء من البشر أو من الحيوانات، فإن الحقيقة هي أن هذه الظاهرة منتشرة بالفعل، لكن ما هي الأسباب وراء ذلك؟
تقول هردي، الذي أثار بحثها جدلا كبيرا في السبعينيات من القرن الماضي، إنها لا تزال "تشعر بالرعب" في بعض الأحيان عند العودة للحديث عن هذا الموضوع.
وتضرب هردي مثلا بالقرد الأمريكي الصغير (النسناس) الذي يعيش على الأشجار في أمريكا الجنوبية. وفي الوقت الذي ينظر فيه البشر إلى فترة حمل الأنثى على أنها الفترة التي تعمل خلالها هرمونات المرأة على تهيئتها للتجاوب بصورة إيجابية مع الأطفال وتزيد من احتمال ارتباطها الوثيق بأطفالها، فإن الأمر يختلف بشكل كبير مع هذا النوع من القردة.
تقول هردي: "تكون النسانيس أكثر رغبة في القتل عندما تكون في فترة الحمل وتتهيأ لتضع مولودها".
ووصفت دراسة أجريت عام 2007 كيف تعرضت أنثى نسناس تبلغ من العمر شهرا واحدا للقتل، وكذلك قتل ابنة الأنثى ذات المكانة الأبرز في المجموعة، على يد الأنثى الثانية في المكانة داخل تلك المجموعة، والتي ارتكبت هذه الجريمة عندما كانت في فترة الحمل.
وكان من الواضح أن هذه الأنثى قد أقدمت على هذه الخطوة من أجل تأمين مستقبل أفضل لصغارها.
إنها سياسة تتعلق بالأجيال في مملكة الحيوان، ولننظر مثلا إلى الملكة سيرسي في مسلسل "لعبة العروش"، والتي تحرص على إقصاء أبناء خصمها، ند ستارك، لكي تحكم سيطرة عائلتها على السلطة.
وتقول هردي إن النظام الذي يُعرف في مملكة الحيوانات بـ "المربين المتعاونين"، والذي يفرض على الآباء والأمهات المساعدة في تربية أبناء أعضاء آخرين في نفس المجموعة، قد يؤدي أحيانا إلى خيارات مثيرة للقلق.
فإذا لم يشعر آباء وأمهات تلك الحيوانات بأن الصغار لن يحظوا بالرعاية الكافية، فربما يقدموا على قتلهم أملاً في توفير ظروف رعاية وحضانة أفضل في المستقبل.
وتقول إليز هوشار، من جامعة مونبيلييه الفرنسية: "يمكن للإناث أن تكون بنفس كفاءة الذكور، إذ يدخلن في منافسة قوية للوصول إلى الموارد التي يحتجنها لتربية أبنائهن".
ونشرت هوشار وديتير لوكاس، من جامعة كامبريدج، بحثا في الآونة الأخيرة عن قتل الثدييات لصغارها. ورغم أن البحث لا يزال بحاجة إلى مزيد من التدقيق، فإنه يساعد في توثيق انتشار ظاهرة قتل الثدييات لصغارها، فمن بين 289 نوعا من أنواع الثدييات، توصل البحث إلى أن 30 في المئة منها قد شهدت حالات لقتل الصغار.
وتعمد إناث الحيوانات إلى القتل في أي وقت تدرك فيه أن هناك فوائد واضحة للقيام بذلك. وقد وجدت هوشار ولوكاس أمثلة على ذلك في دراسات أجريت على حيوانات الليمور والفقمة وأسد البحر والدببة والقطط والخفافيش والفئران والسناجب، وأنواع أخرى من الثدييات. ومن الواضح أن قتل الصغار ليس مقتصرا على مجموعة أو على بيئة بعينها.
وهناك ثلاثة عوامل حاسمة تؤثر على مدى احتمال إقدام الأنثى على قتل الصغار، وهي:
•العيش في بيئة قاسية
•الجهد الكبير المطلوب من الأم أن تبذله لتربية الصغار
•المنافسة الشديدة على الموارد مع الأفراد الآخرين
فعندما يصل الضغط إلى حد لا يمكن تحمله، يرجح أن تقدم الأمهات على قتل الصغار.
وتساءلت هردي عن سبب عدم تطرق هذه الدراسة إلى البشر أيضا. وتشير هردي، التي درست أيضا قتل الصغار لدى البشر، إلى أن الأمهات في مجتمعنا يعتمدن على مستوى عال من الدعم الاجتماعي أثناء المراحل الأولى من حياة أطفالهن. وإذا لم يتوفر ذلك الدعم، فمن المرجح أن تهمل الأمهات أطفالهن، وقد يصل الأمر إلى درجة القتل.
ويبدو أن قتل الصغار عادة سيئة لكنها مرتبطة بمسألة التطور في الأجناس، سواء تعلق الأمر بتوفر الدعم الاجتماعي أو إمكانية الحصول على الطعام الكافي في بيئة قاسية وصعبة.
وكرد فعل تلقائي كما يبدو، ربما تعمد الأمهات أحياناً إلى قتل صغارهن، أو صغار آخرين في المجموعة، وذلك بهدف تربية صغارهن في ظروف ملائمة.
صحيح أن نظرية "البقاء للأصلح" صعبة وقاسية، لكنها لا تبقى دون تطبيق أو ممارسة أثناء فترة الأمومة، بغض النظر عن مفهومنا الثقافي الرقيق للأمومة.
وعلى صعيد الطبيعة، يبدو أن الأمهات على وعي كبير وعميق بالضغوط التي تنطوي عليها عملية الاختيار، فإذا كان يتعين على الأم قتل صغير أحد جيرانها بهدف تحسين حظوظ صغيرها هي في الحياة، فلا مشكلة في ذلك.
ولحسن الحظ، فإنه من المستبعد أن يؤيد غالبية البشر هذا الموقف الإجرامي بينهم. لكن يتعين علينا بكل تأكيد أن ندرك أن قتل الصغار ليس ظاهرة نادرة، لكنها منتشرة بقوة بين العديد من أنواع الحيوانات، وبطريقة طبيعية تماما.