بعد أن فجرت مجموعة من الإرهابيين متفجرات في فنادق وكنائس في سريلانكا يوم الأحد 21 أبريل/نيسان 2019، ارتفع عدد القتلى في الهجمات بسرعة.
في غضون أيام قليلة، استقر المسؤولون على حصيلة قدرها 359 قتيلاً، مما جعل التفجيرات واحدة من أكثر الحوادث الإرهابية دموية منذ حادث 11 سبتمبر/أيلول 2001 بالولايات المتحدة.
لكن يوم الخميس 25 أبريل/نيسان 2019، تراجع مسؤولو الصحة في سريلانكا عن ذلك، قائلين إن العدد قد يكون أقل بمقدار الثلث تقريباً عن العدد السابق. وقالوا إن عدد القتلى الأكثر دقة قد يكون أقرب إلى 250، بحسب صحيفة Washington Post الأمريكية.
قد يكون هناك سبب مروع لهذا للتغيير الدرامي في حصيلة القتلى.
نظراً لأن المسعفين الطبيين كانوا أول من يصل إلى الضحايا في حالات الطوارئ الواسعة النطاق، فقد تعاون علماء الأنثروبولوجيا الشرعيون وغيرهم من المتخصصين معهم لتقييم الرفات البشري للضحايا. ويحاول علماء الأنثروبولوجيا التخفيف من مخاطر الإفراط في حساب الموتى، ولكن يمكن أن تحدث أخطاء.
وقال فيكتور ويدن، أخصائي الطب الشرعي وأستاذ بجامعة جورج واشنطن، إن إحدى الخطوات الأولى التي يجب أن يتخذوها هي وضع علامات بشكل منهجي على أي رفات يعُثر عليه، بحسب الصحيفة الأمريكية.
ما السبب؟
وقال ويدن إن العثور على ثلاثة أصابع سبابة يمنى، على سبيل المثال، قد يشير إلى مقتل ثلاثة أشخاص. ولكن إذا جرى العثور على الأصابع اليسرى أيضاً، فمن الممكن أن هذه الأصابع تنتمي إلى نفس الأفراد أصحاب الأصابع اليمنى. بالمثل، يشير العثور على ساقين وجذع في البداية إلى ثلاث جثث وقد يتحول إلى جثة واحدة فقط. هذا النوع من الأخطاء يمكن أن يؤدي إلى تضخيم عدد القتلى بسهولة.
واعتماداً على نوع الهجوم، فإن تجزئة الرفات البشري يمكن أن تجعل عملية الجمع والعد أكثر تعقيداً.
وقال ويدن «قد يكون لديك مئات القطع من رفات شخص واحد وهذا يجعل من الصعب التعرف على هوية القتلى ومن الصعب معرفة ما يجري جمعه من مكان موتهم. فماذا عن شيء كبير مثل إصبعك، وماذا عن حشيشة عليها دم؟ إنه موقف صعب، حيث لا تعرف من أين تبدأ وأين تتوقف».
صعوبة تحديد هوية الضحايا
وقال جو هيفنر، عالم أنثروبولوجيا الطب الشرعي المعتمد والذي يدرس في جامعة ولاية ميشيغان وساعد في العمل في أعقاب هجمات 11 سبتمبر/أيلول، لصحيفة Washington Post إن تحديد هوية الضحايا دائماً ما يكون أمراً ثانوياً بالنسبة لتأمين مكان الجريمة. لقد كان من الصعب تحديد هوية الضحايا في سريلانكا هذا الأسبوع، حيث توجد تهديدات أمنية مستمرة واستمر المسؤولون في العثور على متفجرات بعد تنفيذ الهجمات الأولية، بحسب الصحيفة الأمريكية.
قال هيفنر إنه عندما ترتفع حصيلة القتلى ثم تنخفض مرة أخرى، فعادةً ما يكون ذلك نتيجة للإهمال. وقال: «أظن أنه لو وقع مثل هذا الحادث في الولايات المتحدة، فإن نظم الفحص الطبي الشرعية المحلية ستكفي بالكاد للتعامل معه. فهناك عدد قليل جداً من أنظمة الفحص الطبي التي يمكنها التعامل مع هذا الحادث الكبير».
قال هيفنر: «في الحالات التي تكون فيها الأجسام مجزأة، يستخدم علماء الأنثروبولوجيا الشرعيون مقاربات مختلفة «للحصول على أكبر قدر ممكن من المعلومات». في كثير من الأحيان، يمكن للمتخصصين أن ينظروا إلى جزء من العظم يصل طوله إلى سنتيمتر واحد ويكونوا قادرين على تحديد هوية صاحب العظم وأي جانب من الجسم جاء منه ذلك العظم، وذلك باستخدام ما وصفه هيفنر بأنه «قالب عقلي» جرى تطويره على مدار سنوات من الدراسة والممارسة.
ويبحث العلماء أيضاً عن أدلة يمكن أن تقدم مزيداً من المعلومات حول الضحية، مثل عمر الفرد، وجنسه، وكذلك طوله المقدر وأصله. وقال هيفنر: «هذا ما يستطيع عالم الأنثروبولوجيا الشرعي أن يتوصل إليه، وهذا كله يضيق الاحتمالات حول تحديد هوية صاحب العظم».
تكرار عد الضحايا
ولكن في حالة الفوضى مثل أعقاب الهجوم الإرهابي، قد يكون هناك محققون مختلفون يضيفون أرقاماً لعدد الضحايا دون أن يدركوا أنهم يكررون عمل زملائهم. وقال هيفنر إن ازدواجية الأعداد تكون أكثر شيوعاً في السيناريوهات عندما تكون العظام مجزأة إلى عدة أجزاء. وقال: «القرب من المتفجرات ونوعها هما العاملان اللذين يحددان نوع تشرذم جسم الإنسان الذي تراه»، بحسب الصحيفة الأمريكية.
وهذا يمكن أن يكون معقداً لأن عملية تحديد الهوية تصبح شخصية، حيث يبلغ الآلاف من الأشخاص عن أحبائهم. في حالات الأزمات، مثل تحطم الطائرة، حيث يوجد بيان بأسماء جميع الركاب، من السهل معرفة من الذي قُتل. عندما استجاب هيفنر لفحص الرفات البشري الناجم عن تحطم طائرة 11 سبتمبر/أيلول في ولاية بنسلفانيا، على سبيل المثال، كان يعرف تماماً ما كان يبحث عنه: كان هناك 44 شخصاً على متن رحلة الطيران United Airlines رقم 93، بمن فيهم الرجال الأربعة الذين اختطفوا الطائرة.
كيف تعرف أسماء الضحايا؟
ولكن في سريلانكا، وقعت الهجمات في أماكن مفتوحة، وخلال فترة الأعياد وفي الفنادق.
في حالة عدم وجود بيان بالأسماء، سيحاول المسؤولون غالباً إنشاء بيان بالأسماء من خلال إنشاء مراكز اتصال تتيح للأفراد الإبلاغ عن بيانات أفراد أسرهم أو أصدقائهم المفقودين. لكن هذا يتطلب أيضاً عمالاً مدربين تدريباً جيداً يطرحون أسئلة محددة لتجنب تكرار الأرقام في نظامهم أثناء تعقب المفقودين، بحسب الصحيفة الأمريكية.
وفي سريلانكا، أغلقت السلطات تطبيقات فيسبوك وواتساب في أعقاب الهجمات، الأمر الذي جعل من الصعب على الأشخاص الذين نجوا من الحادث طمأنة ذويهم أنهم بخير -أو صعب قيام الأقارب المعنيين بإرسال تفاصيل حول المفقودين.
يعد حساب الموتى معقداً في أعقاب أي حالة طوارئ واسعة النطاق، ومن المحتمل أن تحدث أخطاء. وقال ويدن «في حالة سريلانكا، من الواضح أن الفوضى تعد سبباً لهذه الأخطاء».
وقال: «أشك في أن الإهمال يعد سبباً لهذه الأخطاء، لكن ربما لم يكونوا مستعدين لكارثة مثل هذه».
كان من الصعب عليهم التعامل مع ذلك الأمر.