الرئيس الأمريكي دونالد ترامب/ رويترز

«يَأكُل ويُنكِر».. المنفعة الأمريكية من السعودية أكبر ادعاءات ترامب المُضلّلة

في تجمُّعٍ انتخابي حاشد بمدينة غرين باي في ولاية ويسكونسن الأمريكية يوم السبت الماضي 27 أبريل/نيسان، وجَّه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انتقاداتٍ لاذعة للمملكة العربية السعودية، التي تعد حليفاً مهماً لأمريكا في الشرق الأوسط، قائلاً إنَّ الصفقات الثنائية بينها وبين الولايات المتحدة «لا تعود بنفعٍ كافٍ على بلاده».

وقال إنه مع أنَّ المملكة دفعت 450 مليار دولار للولايات المتحدة في صفقاتٍ مشتركة بينهما، فإنَّ واشنطن ما زالت «تقدم دعماً مالياً» للجيش السعودي. وأضاف ترامب في التجمُّع أنَّه اشتكى للملك السعودي سلمان من ذلك في مكالمةٍ هاتفية.

وذكر ترامب أنَّه قال للملك -مستخدماً لفظاً بذيئاً- إنَّ الولايات المتحدة تخسر أموالاً طائلة بسبب دعم المملكة العربية السعودية، «وأنتم لديكم الكثير من المال».

تقول صحيفة The New York Times الأمريكية، من المستبعد تماماً أن تكون المكالمة قد جرت كما وصفها ترامب، ولكن على أي حال، يبدو أن الرئيس الأمريكي أساء وصف العلاقة بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية.

إذ تحقَّقت صحيفة The New York Times من ادِّعاءات ترامب، واستعرضت أبرز مظاهر الصفقات الثنائية بين البلدين كما يلي:  

الدعم العسكري

تستند العلاقة بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية منذ فترةٍ طويلة إلى معادلة بسيطة: الولايات المتحدة تشتري النفط السعودي، والمملكة العربية السعودية تشتري الأسلحة الأمريكية، مع تصُّور أنَّ أمريكا ستساعد في حماية المملكة في حالة تعرضها لهجوم أجنبي.

وفي أثناء زيارة ترامب إلى المملكة العربية السعودية في مايو/أيار من عام 2017، التي كانت أول زيارة خارجية يُجريها منذ توليه الرئاسة، قال إنَّه أبرم صفقة أسلحة بقيمة 110 مليارات دولار مع المملكة.

لكنَّ بروس ريدل، المحلل السابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية الذي يعمل الآن في معهد بروكنجز، كتب تحليلاً يقول في إنَّ ذلك غير صحيح.

 ترامب خلال استعراضه صفقات السلاح المباعة لولي العهد السعودي محمد بن سلمان/ رويترز
 
ترامب خلال استعراضه صفقات السلاح المباعة لولي العهد السعودي محمد بن سلمان/ رويترز

إذ قال ريدل إنَّ الصفقة المزعومة كانت في الواقع مجرَّد مجموعة من خطابات النيِّات غير الملزمة بشأن أعمالٍ مستقبلية وصفقاتٍ سابقة بدأت في عهد إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، عندما اشترت المملكة أسلحةً بقيمة 112 مليار دولار.

وبعد حوالي عامين من تصريح ترامب، لم تتم سوى صفقة سلاح واحدة جديدة. إذ منحت وزارة الدفاع الأمريكية شركة لوكهيد مارتن الأمريكية في الشهر الجاري أبريل/نيسان عقداً بقيمة 2.4 مليار دولار لتكنولوجيا الدفاع الصاروخي. ومن المتوقع أن تدفع الحكومة السعودية 1.5 مليار دولار من إجمالي المبلغ، حسب ما ذكرت وكالة Reuters.  

ومن جانبها تواصل الحكومة السعودية دفع أموالٍ للولايات المتحدة مقابل الحصول على الذخائر وخدمات الصيانة وتدريب قواتها بموجب عقودٍ سابقة.

وبالنسبة للإعانات، تتلقى المملكة حوالي 10 آلاف دولار سنوياً في صورة مساعدات عسكرية أمريكية، وفقاً لتقرير صادر عن دائرة أبحاث الكونغرس. وجديرٌ بالذكر أنَّ تلقِّي هذه المساعدات يؤهِّل المملكة للحصول على تخفيضٍ مالي على التدريب الأمريكي، الذي تدفع المملكة أموالاً مقابله كذلك.

العلاقات المالية

لدى المملكة العربية السعودية علاقات اقتصادية قوية مع الولايات المتحدة، وتعد أكبر شريكٍ تجاري لواشنطن في الشرق الأوسط.

وتمتلك المملكة ثاني أكبر الاحتياطيات النفطية المؤكدة في العالم بعد فنزويلا، وتُعَد أكبر مُصدِّر للنفط، مما يجعلها طرفاً فاعلاً رئيسياً في أسواق الطاقة العالمية.

الملك سلمان خلال استقباله ترامب في السعودية 2017/ رويترز
 
الملك سلمان خلال استقباله ترامب في السعودية 2017/ رويترز

وبالرغم من قوة التجارة بين البلدين، ليست هناك معلومات متاحة للجمهور تدعم ادِّعاء ترامب بأنَّ السعودية دفعت 450 مليار دولار للولايات المتحدة في صفقاتٍ ثنائية. ومن جانبه لم يوضح البيت الأبيض كيف وصل ترامب إلى هذا الرقم.

بلغ إجمالي الصادرات من السلع والخدمات الأمريكية إلى المملكة العربية السعودية في العام الماضي 2018 حوالي 22.3 مليار دولار، وفقاً لبياناتٍ صادرة من مكتب التحليل الاقتصادي. لينخفض بذلك عن قيمته في عام 2017 التي بلغت 25.4 مليار دولار.

وعلى المدى الطويل، من المحتمل أن يؤدي ارتفاع إنتاج النفط الأمريكي إلى تقويض أسس العلاقة التجارية مع المملكة العربية السعودية. فكلما زاد إنتاج الولايات المتحدة من النفط، قل ما تحتاج إلى شرائه من المملكة العربية السعودية. والمملكة تنتج كمياتٍ قليلة باستثناء تلك التي تريد الولايات المتحدة شراءها.

التعاون الأمني والدبلوماسي

تحصل الولايات المتحدة على منافع أخرى من علاقتها القوية مع المملكة. فالمملكة العربية السعودية، بفضل نفوذها في العالم الإسلامي بصفتها حاميةً لأقدس الأماكن الإسلامية -بما في ذلك مكة المكرمة- غالباً ما تكون «شريكاً دبلوماسياً قَيِّماً».

إذ تتعاون أجهزة الاستخبارات في البلدين تعاوناً وثيقاً، وتتبادل المعلومات عن الجماعات الإرهابية مثل تنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية (داعش)، وغيرها من التهديدات.

وكذلك تشارك المملكة العربية السعودية كثيراً في المبادرات الأمريكية في الشرق الأوسط، مثل التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم داعش. ففي شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قدَّمت المملكة 100 مليون دولار للولايات المتحدة «للمساعدة في استقرار مناطق سورية تحرَّرت من داعش».

ولكن حتى في التعاون الأمني​​، عادةً ما تتحمَّل المملكة التكاليف. إذ يعمل مستشارون أمريكيون في مناصب مهمة متعلقة بالأمن والصناعة والطاقة والأمن السيبراني داخل الحكومة السعودية نظير رواتب يتحمَّلها السعوديون، وفقاً لدائرة أبحاث الكونغرس.

وذكرت الدائرة في بيانٍ لها: «ما زال الجزء الأعظم من تمويل الدعم التدريبي والأمني الأمريكي ​​للمملكة العربية السعودية يأتي من المبيعات العسكرية الأجنبية وغيرها من العقود».