احتجاجات السودان

القصة وراء غضب السودانيات.. لم يخرجن ضد حكم البشير فقط، بل مطالبهن أكبر من ذلك بكثير

ترجمة: عربي بوست

كانت النساء السودانيات جزءاً مهماً مما يحصل في السودان ، فبعد ثلاثين عاماً من الحكم الديكتاتوري، خرج عمر حسن البشير من السُلطة، وكان ذلك أبرز إنجازٍ حقَّقته أكبر حركة احتجاجاتٍ شهدتها السودان.

لكن في شوارع الخرطوم المزدحمة، يطرأ تغييرٌ آخر ربما يكون أكثر دواماً: النساء، اللاتي حرمهنّ البشير من حرياتٍ ممنوحة للرجال، يطالبن بالمساواة بحسب واشنطن بوست.

بدايةً من المنصَّات المقامَة في مركز الاعتصام المهول بالخرطوم وحتى أمام أكشاك الشاي المتناثرة في محيطه، خاطبت النساء الحكومة العسكرية الجديدة ومنظِّمي الاحتجاجات، وجميعهم تقريباً رجال، قائلات: «لن تهمِّشونا».

طغى صوت قائدة الاحتجاج حليمة إسحاق، المعظَّم بفعل نظام تكبيرٍ للصوت، على همهمة الحشود الأسبوع الماضي.

حليمة لاجئةٌ من دارفور، حيث يُتَّهم البشير بتدبير إبادةٍ جماعية وجرائم اغتصابٍ جماعي منذ أكثر من عشر سنوات.

هي قديرةٌ بالخطابة، لا تهاب التحدُّث عن أفكارٍ قد يجدها بعض الحاضرين متطرفة.

قالت حليمة في مقابلةٍ صحفية سبقت إلقاءها خطاباً آخر: «لن نملك حريتنا إلَّا عندما نكون جزءاً أساسياً من الحكومة الجديدة، لا أن نُمنَح مناصب ناعمة لا تشارك في اتخاذ القرارات». تمهَّل الرجال السائرون وسط الاعتصام ليتفكَّروا في كلماتها.

قالت: «يجب أن تُلغَى القوانين التي تحدُّ حرية النساء»

وفقاً لعديدٍ من المحللين السياسيين، فإنَّه تحت رئاسة البشير، خُصِّص ربع عدد المقاعد البرلمانية للنساء، وكُن هؤلاء عادةً بديلاتٍ عن أزواجهن لا أكثر.

وتوجِب القوانين في السودان على المرأة أن تحصُل على موافقة رجل من أقربائها حتى تتزوج وتفرض قيوداً على ما يمكنها ارتداؤه.

كان تأويل البشير للشريعة الإسلامية أكثر تساهلاً من السعودية مثلاً، حيث سُمِح مؤخراً فقط للنساء بالقيادة وحدهن.

لكنَّ المجتمع السوداني محافظ بشدة، وبالإضافة للقوانين التمييزية ضدَّ النساء، فإنَّ الأدوار الاجتماعية ذات السُلطة مثل منصب قاضٍ أو وزير محظورة تماماً على النساء.

قال محمد يوسف المصطفى، زعيم تجمُّع المهنيين السودانيين، وهو الكيان الذي قاد الاحتجاجات الأخيرة، إنَّه يأمل أن تشجِّع الحكومة المدنية الجديدة مساواة المرأة.

وقال المصطفى: «تضمَّنَت أيديولوجية النظام الأسبق معارضةً شرسة لحقوق المرأة. كذلك كان فرض مشاركة المرأة في المجلس التشريعي بنسبة 25% حركةً للزينة لا أكثر. نحن نرى الأمر بشكلٍ مختلف، إذ إنَّ النساء حاضرات في كل مستوى من هيكل مجتمعنا. بالنسبة لنا تُبنَى أهلية القيادة على أساس الجدارة وحدها».

تعدُّ بعض النساء دَعم المصطفى تحسناً للأفضل؛ إذ تحدَّث هوَ وغيره من قادة الاحتجاجات الذكور عن زيادة تمثيل النساء في البرلمان إلى 40%. لكن نسبة 40% ليست مساواةً هي الأخرى.

وقالت تهاني عباس، وهي محامية تعمل لدى منظمةٍ تُدعى «لا لقهر النساء»: «نهدُف ونطمح للوصول لنسبة 50%. نريد مشاركةً عادلة ومتساوية الفُرَص بناءً على المؤهلات».

لهذه الأسباب هن حاضرات بالاحتجاج

ومع أنَّ النساء حاضراتٌ في كل مكانٍ بالاحتجاجات، فإنَّ اجتماعات قادة الاحتجاجات بالمجلس العسكري يحضرها في الغالب رجال ويُعلِنها رجال ولا تخاطب مطالب النساء صراحةً.

أُسقِط البشير هذا الشهر، أبريل/نيسان، بفِعل حلفائه العسكريين السابقين الذين يشغلون الآن مكانه في مركز مدينة الخرطوم. سارت المفاوضات المطالبة بتشكيل حكومةٍ مدنية ببطء، ووصفها البعض بأنها عملة «مماطلة».

تطالب منظمة المصطفى بأن تُسلَّم السلطة التنفيذية للمدنيين على مدار فترةٍ انتقالية ممتدَّة حتى يمكن إجراء انتخاباتٍ في البلاد. يسعى المجلس العسكري بدوره لإرساء حكومةٍ هجينة بين العسكرية والمدنية. وتعهَّد المحتجون أن يظلُّوا معتصمين في وسط مدينة الخرطوم حتى تتحقَّق مطالبهم.

شهدت السودان موجاتٍ احتجاجية من قبل لكن لم يكن أي منها بقوَّة الحركة المستمرة في التضخُّم هنا والآن. وبينما قد لا تفوق النساء أقرانهم الرجال عدداً في الاعتصام الحالي، إلَّا أنَّهن يهتفن بنفس الصخب ويعرفن كل كلمات أغاني المظاهرات المدوية من مكبِّرات الصوت. النساء يصنعن اللافتات، ويرسمن على وجوه المتظاهرين، ويجلبن بناتهنَّ إلى وسط الأحداث.

كثيرٌ من هؤلاء النساء، مثل عوضية كوكو، حضرن كل احتجاجٍ ضدَّ البشير منذ أن اعتلى السلطة عام 1989، وسُجِنَّ لمشاركتهنَّ فيها. ترأس عوضية الآن اتحاداً لبائعي الشاي بين أعضائه 26 ألف امرأة.

وقالت عوضية: «تعرَّضت للمضايقة والاحتجاز كثيراً من قبل جهاز الأمن السوداني».

وقالت عوضية: «زُجَّ بي في السجن لأنِّي ساعدت النساء».

وكذلك قالت إنَّها تعرَّضت لمضايقةٍ منتظمة من قبل الشرطة لارتدائها ملابس تخالف اللباس المحافظ الذي توجبه قوانين «النظام العام». وأضافت: «في اللحظة الحالية، لحظة السودان الجديد، نريد لكُّل ما يتبع العهد الماضي أن يُمحَى. الغرامات والرسوم، وقوانين النظام العام، والسجون السرية».

تمثِّل حليمة، القادمة من منطقة دارفور، وعوضية، القادمة من إقليم جبال النوبة، كفاحاً أشمل للمساواة العرقية والإثنية في السودان.

استغلَّ البشير الانقسامات الداخلية السودانية لتصبح وسيلةً لاستمراره في السلطة، إذ حرَّض الميليشيات الإقليمية ضدَّ بعضها البعض لكن حرص دوماً على أن تكون له اليد العليا في النزاع. تدمَّرت المناطق التي أتت منها حليمة وعوضية تحت وطأة النزاعات، ويظلَّ الملايين بلا مأوى على إثرها حتى اليوم.

ثورتها ليست كأي ثورة

رحَّب متظاهرو العاصمية بالنازحين إثر الحملات الشرسة التي شنَّها جيش البشير على مواطنهم، وتتخلَّل خُطَب الاعتصام دعواتٍ للوحدة. يردِّد أحد أكثر الشعارات رواجاً: «كلنا دارفور».

لم يترك الإنفاق العسكري لحكومة البشير إلَّا مجالاً محدوداً لتطوير البنية التحتية للصحة والتعليم، واضعاً المزيد من الضغط على النساء، اللاتي يُنظَر لهنُّ عادةً على أنَّهن حاملات مسؤولية تربية الأطفال وحدهن. وقالت سارة أبوه، وهي عضوةٌ سابقة بالبرلمان السوداني وتعمل الآن أستاذة بجامعة الخرطوم، إنَّ التمييز الإثني، والطبقي، والجنسي يؤثِّر مجمَّعاً على نساءٍ مثل حليمة وعوضية.

وقالت سارة، التي تقدِّم كذلك برنامجاً حوارياً تلفزيونياً عن قضايا المرأة: «ليس الأمر وكأنَّ النساء أصبحن فاعلات سياسياً فجأةً في السودان. لكنَّ هذا نظامٌ أبوي تُقمَع فيه النساء بكل الوسائل، ويخشى الرجال بدورهم تغيُّر هذا الوضع. لكن ماذا كانوا يتوقَّعون؟ كان يجب أن تكون ثورة».