الرئيس الأمريكي دونالد ترامب/ رويترز

ترامب يضغط على إيران مالياً للحدِّ من نفوذِها.. لكن استراتيجيته معها تفتقر لعنصرين رئيسيين، ولهذا محكوم عليها بالفشل

كان التوجه الأكثر ثباتاً في سياسة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الخارجية، منذ تولي الرئيس دونالد ترامب منصبه عام 2017، هو موقفه الصارم تجاه إيران، فأنهى صفقة إيران النووية، ووَضَعَ محلَّها استراتيجية مخالفة للرئيس السابق باراك أوباما تجاه إيران.

ترامب يركز على تحييد نفوذ إيران من خلال الضغط المالي عليها

العنصر الأساسي الأول في هذه الاستراتيجية «يركز على تحييد نفوذ الحكومة الإيرانية المزعزع للاستقرار وتقييد عدوانها». ففي خطاب يوضح الاستراتيجية الأمريكية الجديدة بشأن إيران، أوضح وزير الخارجية مايك بومبيو، أن النظام الإيراني قد استخدم الأموال التي جناها من الصفقة النووية لإشعال «الحروب بالوكالة في جميع أنحاء الشرق الأوسط».

وصرَّح بومبيو أن الولايات المتحدة سوف تمارس «ضغوطاً مالية غير مسبوقة على النظام الإيراني».

لكن هذه الاستراتيجية ليست كافية للحد من نفوذ إيران في المنطقة

وعلى الرغم من أن الضغط المالي ضروري لإحباط قدرة إيران العسكرية، فإنه ليس في حدِّ ذاته استراتيجية فعالة لدحر إيران من العراق وسوريا واليمن ولبنان، بحسب مجلة The National Interest الأمريكية.

فأنشطة إيران اليوم تتجاوز الدعم المالي الخفي لبعض الجماعات السرية. فإيران راسخة بالفعل في العراق وسوريا، وتخوض حرباً بالوكالة في اليمن، وتسلح وتدرب الميليشيات الشيعية في لبنان وأجزاء أخرى من المنطقة.

ولكي تتعامل واشنطن بفاعلية مع النفوذ الإيراني عليها أن تهتم بهذين العاملين

وترى المجلة الأمريكية أنه لا يمكن التعامل مع تهديد إيران المتطور بمعزل عن عاملين مهمين: طبيعة التفكير الأيديو-جيولوجي لإيران، والسياق الأمني الإقليمي الذي تتوسع فيه، ولفهم السلوك التوسعي الإيراني يجب على المرء أولاً فهم الأساس المنطقي الإيراني للتوسع.

فمنذ الثورة عام 1979، اعتقد النظام الإيراني أن تصدير ثورته السياسية الدينية ضروري لبقائه. ووفقاً لحساباته، تأتي أهمية النمو الاقتصادي والازدهار الوطني تاليةً لأهمية التوسع الأيديولوجي. وبالتالي، فمن المضلل افتراض أن النظام الإيراني سوف يستجيب للعقوبات الاقتصادية بطريقة عقلانية.

كما أن حقيقة أنَّ إيران تمكَّنت من توسيع نفوذها وبناء برنامج نووي، على الرغم من العقوبات الاقتصادية المفروضة منذ عام 1979، يدل على أولوياتها الرئيسية، وكذلك سلوكها بموجب هذه العقوبات.

إيران تحرَّكت في المنطقة نتيجة عوامل إقليمية استغلَّتها وتوسَّعت في بعض البلدان العربية

على الرغم من الإصرار الأيديولوجي، جاء الكثير من التوسع الإيراني نتيجةً لعوامل إقليمية أكثر من جاذبية أيديولوجيا النظام الإيراني.

استغلَّت إيران ديناميكيتين متداخلتين في المنطقة: الديناميكيات الداخلية للدول الفاشلة، وديناميكيات تنافس القوى العظمى وتدخلها في المنطقة.

فبالإضافة إلى النمو على حساب الديناميكيات الداخلية والدولية، استغلَّت إيران البيئات الفوضوية التي أوجدتها هذه الديناميكيات لتعبئة الميليشيات المحلية والعابرة للحدود في الدول المستهدفة.

فمثلاً الغزو الأمريكي للعراق كان فرصةً لإيران إضافة للسياسة الطائفية التي اتبعتها واشنطن هناك

أتاح الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، فرصة لإيران لتتغلغل داخل عدوها اللدود منذ أمد طويل. واستخدم النظام الإيراني الاحتلال الأمريكي أداةً للتوسع في العراق، وغطاءً أيديولوجياً يدعم تدخله.

كما أن السياسة الطائفية الأمريكية في العراق مكَّنت إيران من إقامة علاقات طائفية قوية، لا مع الحكومات الشيعية العراقية وحدها، بل والأخطر من ذلك، علاقاتها مع شبكة من الميليشيات، حارب كثير منها القوات الأمريكية، وما زالت تشكل تهديداً كبيراً على العراق والمنطقة بأسرها.

وعلى الرغم من العقوبات الأمريكية والوجود العسكري في العراق، فإن لإيران تأثيراً سياسياً واقتصادياً وأيديولوجياً كبيراً على البلاد. ووصف مسؤول إيراني رفيع المستوى العراق بأنه «قناة أخرى لإيران، لتجاوز العقوبات الأمريكية الجائرة».

الربيع العربي وجدت فيه إيران أيضاً فرصة للتغلغل في دول أخرى

عام 2011، قدَّم الربيع العربي لإيران فرصةً جديدة للتوسع في دول أخرى. كانت كل الديناميكيات التي سمحت لإيران بالتوسع في العراق موجودة في سوريا: تدخلات القوى الكبرى، وحكومة ضعيفة، وبيئة فوضوية مواتية نتجت عن الحرب الأهلية السورية متعددة الأطراف.

وعلى عكس عملياتها في العراق، فقد دعمت العمليات الإيرانية في سوريا من قبل قوة كبرى: روسيا. بينما ركزت روسيا على الجانب التقليدي للصراع، استخدمت إيران نفوذها الأيديولوجي لدعوة المقاتلين الشيعة من جميع أنحاء العالم لحماية المواقع الدينية الشيعية في سوريا.

وما ساعد طهران في خطتها في المنطقة هو تقاعس أمريكا في سوريا

هذا النوع من التعبئة ساعد إيران على إنشاء شبكة من الميليشيات المتعصبة، التي ستشكل البيئة الأيديولوجية والأمنية في سوريا لسنوات قادمة. كما أن تقاعس الولايات المتحدة في سوريا لم يشجع الميليشيات المدعومة من إيران في سوريا فحسب، بل شجع أيضاً وكلاءها في أجزاء أخرى من المنطقة، مثل الحوثيين في اليمن.

بالدعم الإيراني، أصبح الحوثيون أول ميليشيا في المنطقة تمتلك صواريخ بالستية تهدد المنطقة بأسرها. إثر تمرد الحوثيين ضد الحكومة اليمنية المنتخبة عام 2015، دعمت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية لاستعادة النظام في اليمن.

لكن الولايات المتحدة تتراجع تدريجياً عن دعمها للتحالف العربي. في مارس/آذار 2019، في تحدٍّ للرئيس ترامب، صوَّت مجلس الشيوخ الأمريكي لإنهاء الدعم الأمريكي المهم للتحالف، من خلال إيقاف التزود بالوقود الجوي لطائرات التحالف.

انتقد الوزير بومبيو التصويت قائلاً إن «الطريق لتخفيف معاناة الشعب اليمني ليس لإطالة أمد الصراع من خلال إعاقة شركائنا في القتال، ولكن من خلال منح التحالف الذي تقوده السعودية الدعم اللازم لهزيمة المتمردين الذين تدعمهم إيران وضمان سلام عادل».

 ومحصلة لذلك وصل التدخل الإيراني في المنطقة إلى مستوى غير مسبوق

ولا يُقوِّض سحب الدعم الأمريكي في اليمن استراتيجية ترامب تجاه إيران فحسب، بل يُعرِّض المصالح الأمريكية الحيوية في المنطقة للخطر.

وصل التدخل الإيراني المزعزع للاستقرار في المنطقة اليوم إلى مستوى غير مسبوق. من أجل ردعها، هناك حاجة إلى استراتيجية متعددة الجوانب تتجاوز الضغوط المالية.

نجحت أمريكا في الحدِّ من برنامج الصواريخ البالستية الإيرانية، لكنها فشلت في دحر نفوذها في المنطقة

وترى المجلة الأمريكية أن إدارة ترامب نجحت في كبح برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية ودعمها للمنظمات التي تعتبرها واشنطن إرهابية. لكن لدحر النفوذ الإيراني المزعزع للاستقرار، يجب أن تكون استراتيجية ترامب تجاه إيران جزءاً ثابتاً من استراتيجية أمريكية شاملة، لا تجاه إيران فحسب، بل والأهم من ذلك تجاه الدول المستهدفة.

حتى الآن، تقوم السياسات الأمريكية في العراق وسوريا واليمن على تقويض استراتيجيتها تجاه إيران. كما أن فكَّ ارتباط وتقليل دور الولايات المتحدة في المنطقة في هذه المرحلة لن يسهم إلا في نمو الظروف التي زادت من التوسع الجيوسياسي الإيراني في المقام الأول.