ترجمة: عربي بوست
لعشرين عاماً عاشت هالة كاشور مع زوجها في مرجٍ ريفيٍّ يمتد عبر حيٍّ فلسطينيٍ بالقدس الشرقية كانت تصفه بـ»الجنة».
يقع المرعى الجذاب الذي تسميه إسرائيل «غابة السلام» في قلب منطقة نزاعٍ طويلٍ بين حكومة المدينة وأهلها من الفلسطينيين، وهو الخلاف الذي اشتعل مؤخراً صباح يومٍ ربيعيٍ استيقظت فيه هالة ذات السبعة والأربعين عاماً مفزوعةً على صوت بلدوزراتٍ تهدم بيت جيرانها، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Washington Post الأمريكية.
يواجه بضعٌ وستون منزلاً في الحي المعشوشب الذي يسميه قاطنوه الخمسمئة «وادي ياصول» خطر الهدم على أيدي السلطات الإسرائيلية.
المحكمة العليا الإسرائيلية تنهي آخر أمل لهم
وقد رفضت المحكمة العليا الإسرائيلية في وقتٍ مبكرٍ من شهر أبريل/نيسان الماضي أن تستمع إلى دعوى السكان المعارضة لأمر الهدم، متحججةً بأنَّ تلك البيوت قد بُنيت دون استخراج التراخيص اللازمة على مساحاتٍ صنفتها البلدية كأراضٍ خضراء.
وتقول هالة، التي تزعم أنَّها بنت أول بيتٍ في الحي من الحجارة وكانت تحيطه شجيرات الورد على أرضٍ تعود ملكيتها لعائلتها منذ خمسين عاماً: «ندعو الله ألا يكون بيتنا هو التالي».
لا يعد هدم مبانٍ غير مرخصةٍ مملوكةٍ لفلسطينيين في القدس الشرقية أمراً غريباً. إذ تزعم البلدية أنَّها تتخذ إجراءاتٍ صارمةً تجاه انتهاكات تقسيم المناطق.
ويقول الفلسطينيون إنَّ الحصول على ترخيصٍ للبناء شبه مستحيلٍ، وأنَّ إسرائيل تقوض باستمرارٍ قدرتهم على البناء على أراضٍ يطالبون بها عاصمةً لدولتهم المستقبلية.
ليس مجرد حيٍّ فلسطينيٍ بالقدس الشرقية يتعرض للخطر.. إنه نموذج فج للعنصرية
لكنَّ هدم مباني غابة السلام جذب انتباهاً خاصاً؛ بسبب الإنشاءات المتسارعة التي تنفذها منظمةٌ قوميةٌ يهوديةٌ في نفس المتنزه.
فبدعمٍ من وزارة السياحة الإسرائيلية، تقيم منظمة «مدينة داوود» منشآتٍ سكنيةً، وتنظم جولاتٍ سياحيةً بالدراجات عبر الغابة، وتضع خططاً للعديد من أنشطة الجذب السياحية، بما في ذلك مركزاً للزوار، وما تصفه بأنَّه سيكون أكبر مسارٍ معلقٍ في البلاد. وتقول المؤسسة كذلك إنَّها استأجرت 4 بالمئة من إجمالي مساحة المتنزه من الحكومة.
ورغم أنَّ قوانين المدينة تحظر إقامة أية منشئاتٍ على المساحات المُصنفة كمتنزهاتٍ، فقد أكدت البلدية على أنَّها تعمل على تغيير القيود المفروضة على تقسيم المناطق، وترخص منشآت المنظمة بأثرٍ رجعيٍ وتسهل توسعها.
لن نطرد الفلسطينيين بطريقة وحشية
وقال مسؤولٌ في مكتب عمدة القدس طلب الحفاظ على سرية هويته؛ لأنَّه غير مسموحٍ له بالتحدث لوسائل الإعلام: «لم تتلق منظمة مدينة داوود موافقةً نهائيةً على كل شيءٍ، لكنَّ جهودها لبناء مساحةٍ عامةٍ بملحقاتٍ رياضيةٍ وسياحيةٍ تُقابَل باهتمامٍ وترحابٍ. نحن لسنا حريصين على طرد السكان الفلسطينيين بطريقةٍ وحشيةٍ، لكنَّنا تلقينا الضوء الأخضر من المحكمة العليا».
ويقول النشطاء والسكان الفلسطينيون إنَّ قضية غابة السلام تُلقي الضوء على سياسات إسرائيل التمييزية، التي تسببت في أزمة إسكانٍ في القدس الشرقية المكتظة بالسكان.
من جهةٍ أخرى يقول أفيف تاتارسكي، من منظمة «عير عميم» الإسرائيلية التي تدافع عن المساواة في القدس: «قسَّمت الحكومة تلك المنطقة بطريقةٍ صعبةٍ لمنع الفلسطينيين من إقامة المنشآت، ونحن نرى قيود تحديد المناطق تتغير الآن لتخدم الاستيطان اليهودي».
يضع رفض المحكمة العليا للقضية حداً للصراع القانوني الباهظ الكلفة الذي خاضه السكان الفلسطينيون لعقدٍ كاملٍ سعياً لاسترجاع بيوتهم، التي بُني الكثير منها منذ عقودٍ على أراضٍ توارثوها ضمن عائلاتهم، ورخصت بناءها السلطات الإسرائيلية.
وفي أعقاب القرار مباشرةً هُدمت منشآت تعود لعائلتين فلسطينيتين، وهُدم منزلان آخران يوم الثلاثاء الماضي. ويقول زياد كوار، محامي السكان الفلسطينيين، إنَّ قرارات الهدم الأخرى قد تدخل حيز التنفيذ في أي وقت.
إنه مجرد حيلة لإخراجهم من أراضي أجدادهم
ويرى كثيرون من السكان أمر منطقة المتنزه حيلةً تلجأ إليها الحكومة الإسرائيلية لتجبرهم على الخروج من القدس الشرقية، التي تزعم إسرائيل أنها جزء لا يتجزأ من عاصمتها.
ويقول ناصر برقان، البالغ من العمر 42 عاماً، والذي هُدم منزل ابن عمه هذا الشهر: «هم لا يُريدون منحنا تراخيص بناء، هذه خلاصة الموضوع».
كانت إسرائيل قد احتلت القدس الشرقية من الأردن في حرب عام 1967 وضمتها، في خطوةٍ لم تحظ باعترافٍ دوليٍ. منذ ذلك الوقت عملت إسرائيل على زيادة المستوطنين اليهود هناك؛ عبر بناء أحياء باتت تضم الآن أكثر من 200 ألف يهوديٍ.
لأننا نبحث عن أنقاض مملكة داوود
وتقع غابة السلام في بلدة سلوان الفلسطينية، التي لطالما كانت غايةً للمستوطنات اليهودية؛ لقربها من بعض أقدس المواقع الدينية في العالم، والتي تقع داخل المدينة القديمة المسوّرة.
وتُدير منظمة «مدينة داوود» مواقع أثريةً وسياحيةً رائجةً في بلدة سلوان، وهي مواقع يصفها علماء الآثار بأنَّها مركز الحضارة اليهودية القديمة. وتقع هذه المواقع عند ما يظنه الكثيرون أنقاض عاصمة مملكة الملك النبي داوود عليه السلام القديمة، التي يرجع عمرها لآلاف السنوات.
ويقول دورون سبيلمان، نائب رئيس المنظمة، إنَّ غابة السلام «حوَّلت ما كان يوماً مسرح جريمةٍ مهجوراً» إلى مكانٍ يستخدمه العامة بحرية. وأضاف: «نحن واثقون من أنَّه سيتحول بدوره إلى معلمٍ سياحيٍ كبير».
المنظمة تتبرأ من هدم المنازل
لم يُخطَّط لمشروع المنظمة لأن يقوم على أنقاض المنازل، بل وتقول المنظمة إنَّ قرارات هدم المدينة كان مخططاً لها قبل أمدٍ طويلٍ من بدء عملها في المنطقة. وتعتبر الشكاوى المتعلقة بنشاطاتها في غابة السلام «ذات دوافع سياسيةٍ تماماً».
لكنَّ الانتقادات تقول إن قرارات الهدم من جهةٍ والسماح بمشروع المنظمة من جهةٍ أخرى تبين ازدواجية المعايير التي تعامل بها المدينة اليهود والفلسطينيين. وتلقت المنظمة نقداً حاداً لمساعدتها عائلاتٍ من اليهود على الاستقرار في أحياءٍ يقطنها عربٌ، ما يزيد من الارتياب حيال كون مشروعها السياحي يرمي إلى إذابة الحدود بين القدس الشرقية والغربية، وإذابة الأمل في إقامة دولةٍ فلسطينيةٍ مستقلة كذلك.
وسلوكيات ترامب تشجع على طرد الفلسطينيين
ويبدو اليوم حلم الدولتين أبعد من أي وقتٍ مضى، بعدما وعد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي أُعيد انتخابه مجدداً، خلال حملته الانتخابية بضم مستوطنات الضفة الغربية. ويستعد لتكوين ائتلافٍ حاكمٍ مع أحزابٍ يمينيةٍ مناهضةٍ للسيادة الفلسطينية.
وتأتي إعادة انتخابه بعد عامٍ من اعتراف إدارة ترامب بالقدس عاصمةً لإسرائيل، ونقلها السفارة الأمريكية إلى المدينة. ورغم أن ترامب قال إنَّ خطوته تلك لا تقرر مصير المدينة النهائي، رآها الفلسطينيون وغيرهم اعترافاً بحق إسرائيل بالمطالبة بالسيطرة على المدينة بالكامل، بما في ذلك الجزء الشرقي منها.
وبتوفير إدارة ترامب دعماً غير مسبوقٍ لإسرائيل، تنمو مخاوف في القدس من أنَّ الحكومة قد تزيد من ضغطها على سكانها الفلسطينيين.
ووسط حديقة ورودها، وبين أطفال جيرانها من عائلة برقان النازحين حديثاً، تقف هالة وتقول: «ماذا بعد؟ ماذا سنفعل؟ ليس لدي أي مكانٍ آخر».