تشهد جزيرة سقطرى اليمنية تصعيدا جديا مع وصول قوات موالية للإمارات، بعد أسبوع على تصريح محافظ الجزيرة رمزي محروس بأن سلطاته لن تسمح بوجود أحزمة أمنية أو تشكيلات مسلحة خارجة عن أجهزة الدولة.
خطوة وصفها مراقبون بأنها تحدٍّ إماراتي للحكومة وسلطات الجزيرة وسكانها الذين عهدوا إلى العيش في ظل أوضاع هادئة ومسالمة، بعيدا عن حمى الحرب التي عصفت باليمن منذ مطلع العام 2015.
ووفق مصدر في السلطة المحلية أفاد الجزيرة نت، فإن نحو 300 جندي من قوات "الحزام الأمني" وصلوا الجزيرة وهم يرتدون لباسا مدنيا، واستقبلتهم قيادات في "الانتقالي الجنوبي" الموالي للإمارات.
وقال إن الجنود -ومعظمهم من الشباب وصغار السن- وصلوا على متن سفينة إماراتية، وكانوا قد تلقوا تدريبات على يد ضباط إماراتيين في عدن الخاضعة -هي الأخرى- لسيطرة أبو ظبي.
استفزاز وتفكك
وتستعد الإمارات لفرض تلك القوات في الجزيرة ضمن مساعيها -حسب مراقبين- للسيطرة عليها بصورة تامة، على غرار الوجود العسكري لقوات الحزام الأمني في عدن، والنخبة في كل من حضرموت وشبوة.
وشهدت سقطرى في مايو/أيار 2018 توترا غير مسبوق إثر إرسال الإمارات قوة عسكرية إليها، وحينها أعربت الحكومة عن رفضها لتلك الخطوة. وأثار الحادث استفزاز السكان بعد أن وجدوا جزيرتهم مهددة بقوات عسكرية أجنبية.
وتبدو الأحداث مشابهة أيضا لما حدث العام الماضي، فرغم كون الجنود غير مسلحين فإنهم أثاروا الريبة والخوف لدى سكان أرخبيل الجزيرة الذين يصل تعدادهم إلى 150 ألف نسمة.
ويقول عبد الله بدأهن -وهو ناشط سياسي وأحد سكان سقطرى- إنه يرفض انتشار قوات الحزام الأمني وكل التشكيلات العسكرية التي تعمل خارج إطار الحكومة الشرعية ومؤسساتها العسكرية والأمنية.
ويضيف عبد الله للجزيرة نت "نرفض تلك المساعي التي تبذلها الإمارات عبر المجلس الانتقالي الموالي لها، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن نسمح به كمواطنين، وسنقوم بواجبنا تجاه وطننا وسلامته وحفظ أمنه، وبكل الوسائل".
ويصف وصول قوات الحزام بأنها محاولة استفزاز جديدة من الإماراتيين، بعد أن تم طردهم من الجزيرة منتصف مايو/أيار 2018، مضيفا أن "عودة الإمارات إلى الجزيرة بأدوات محلية وجنود من أبناء الجزيرة هذه المرة، يمثّل خطرا أشد لأنه سيُحدث شرخا مجتمعيا ومواجهات، لكننا نحمّل المسؤولية الكاملة للرئيس عبد ربه منصور هادي".
احتقان عسكري
وبقدر ما يثير وصول القوات الموالية للإمارات استفزازا للسكان، تظل الجزيرة على صفيح ساخن، بالنظر إلى الوضع المحتقن والرفض الصريح للسلطات المحلية لانتشار أي قوات في الجزيرة، حسب مراقبين.
ويقول مصدر في إدارة الأمن بسقطرى -حضر اجتماع اللجنة الأمنية التي رأسها المحافظ محروس قبل أيام- بأن الوضع قد ينفجر إلى مواجهات بين السلطات المحلية والإماراتيين، في ظل الدعم الذي تقدمه القوات السعودية للأولى هناك.
ويضيف المصدر -الذي فضّل عدم كشف هويته- إن قائد القوات السعودية الذي حضر الاجتماع هدد بكل وضوح قائد قوات الأمن الخاصة المحسوب على المجلس الانتقالي، وقال له "لو فتحت معسكرا للحزام الأمني في معسكر قواتك، سوف أطوّقكم بالدبابات وأرميكم في السجن".
وأشار إلى أن توترا تصاعد بين السعوديين والإماراتيين في ظل السباق للسيطرة على سقطرى، وإطاحة المحافظ خلال الأيام الماضية بقيادات مقربة من الإمارات، بعد أن نشب خلاف بينه وبين المندوب الإماراتي خلفان المرزوعي.
ووفق المصدر، فإن جنود الحزام الأمني توجهوا إلى منازلهم فور وصولهم، ومع ذلك فإن تحذيرات السلطة المحلية ما تزال قائمة بمنع انتشار لأي قوات خارجة عن سيطرة الحكومة اليمنية.
هل تنجح هذه المرة؟
يبدو أن الإمارات عاقدة العزم هذه المرة على وضع يدها على الجزيرة بصورة أشمل، حسب مستشار وزير الإعلام مختار الرحبي، لكنه تمنى في حديثه للجزيرة نت "ألا يحدث ذلك".
ويضيف أن ما تقوم به أبو ظبي في سقطرى هو انتقام من الحكومة على طرد الأخيرة القوات الإماراتية العام الماضي، وإن الإمارات تريد القول إنها عادت إلى سقطرى عبر أدوات محلية للعبث وإقلاق الأمن.
ويرى الباحث السياسي ورئيس مركز "ساس" للدراسات الإستراتيجية عدنان هاشم إن الإمارات قد تصطدم مع السعودية في ظل الصراع بين الطرفين منذ عام، وإن ذلك قد يتطور إلى مواجهات مسلحة.
ويقول هاشم للجزيرة نت "تعتمد الإمارات على أدوات محلية في صراعها مع الرياض، بينما تحاول الرياض المسيطرة على السلطة المحلية إبقاء الصراع سياسيا على الأقل حتى الآن، لكن دفع الإمارات بقوة عسكرية مثل الحزام الأمني يمثّل تصعيدا لهذا الصراع".
ويوضح أن ذلك التطور من قبل الإمارات سيكون محكوما عليه بالفشل "لأن أبو ظبي دولة طارئة ولا تملك مقومات الدولة الاستعمارية المهيمنة، والمال وحده لا يبقي الاحتلال مستمرا بقدر ما يفكك المجتمع المحلي".
المصدر : الجزيرة