من كان يمكنه أن يتخيل أن أكثر من 10 ملايين أمريكي يطالبون رئيسهم بالتنحي عن الحكم؟ وأن تصبح لافتات «ترامب لابد أن يرحل» واقعاً فعلياً وليست مجرد كوميكس ينشرها بعض الشباب ساخراً عبر حساباتهم الشخصية على فيسبوك، لكن بما وأنه قد حدث بالفعل، فهل هذا جائز دستورياً في الولايات المتحدة؟ وإذا كان ذلك غير ممكن دستورياً؟ فهل يؤثر ذلك على فرص إعادة انتخاب أكثر رئيس إثارة للجدل في تاريخ أمريكا والعالم لفترة ثانية؟
ماذا حدث؟
نبدأ من الحدث وهو قيام برلمانيين ديمقراطيين ومنظمات تقدمية الخميس 9 مايوأيار 2019 في واشنطن بتقديم عرائض وقعها في المجموع أكثر من عشرة ملايين شخص يطلبون من الكونغرس إطلاق إجراءات عزل الرئيس الجمهوري دونالد ترامب.
وعرض النائبان رشيدة طليب وآل غرين وممثلو عدد من المنظمات بينها «موف أون» و»ويمنز مارش»، أمام مبنى الكونغرس مفتاح «يو إس بي» يتضمن هذه العرائض.
وأمام لوحة كتب عليها «ترامب يجب أن يرحل»، قال غرين «لدينا بين أيدينا عشرة ملايين سبب لأن نكون هنا اليوم».
من جهتها، صرحت رشيدة طليب التي تدعو إلى إقالة ترامب منذ أشهر «في مواجهة هذه الحقبة، هذه الحقبة القاتمة لبلدنا، حان الوقت، من وجهة نظري، للكفاح».
وغردت طليب الجمعة 10 مايوأيار 2019 قائلة: «الحركات تحدث بأفعال مثل هذه حيث ملايين الناس يعبرون عن رأيهم ويطالبون ممثليهم بأن يخوضوا المعركة من أجلهم، لقد مر 839 يوماً منذ أن أقسم المواطن رقم 1 اليمين (في إشارة إلى ترامب»، وفي كل يوم منها قام بمخالفة الدستور!
أزمة دستورية أمريكية؟
الأمور وصلت إلى طريق مسدود تقريباً بين ترامب وإدارته وبين الكونغرس، خصوصاً بعد تقرير المحقق الخاص روبرت مولر الذي رأى فيه ترامب ونائبه العام ويليام بار براءة تامة من تهمتي التواطؤ مع روسيا وعرقلة العدالة فيما يراه غالبية أعضاء الكونغرس إدانة تامة خصوصاً في تهمة عرقلة العدالة وقرر مجلس النواب ذو الأغلبية الديمقراطية مواصلة التحقيقات وتم إصدار استدعاءات للشهادة لكن ترامب أصدر أوامره لمساعديه بعدم الاستجابة لتلك الاستدعاءات.
هذا الأمر دفع رئيسة مجلس النواب الأمريكي الديموقراطية نانسي بيلوسي أن تعلن أنّ الولايات المتّحدة تمرّ بـ»أزمة دستورية» بسبب رفض ترامب التعاون مع التحقيقات العديدة التي تجريها لجان في الكونغرس بمجلسيه ولا سيّما بشأن التدخّل الروسي في الانتخابات الرئاسية.
وقالت بيلوسي في تغريدة على تويتر إنّ «قرار ترامب وإدارته تجاهل قسم اليمين الذي أدّوه تسبّب بأزمة دستورية. إنّه لأمر مروّع أن تكون الإدارة عقبة أمام حماية انتخاباتنا وحصول الشعب الأمريكي على الحقيقة».
وتمثل تصريحات بيلوسي تحولاً في موقفها حيث أنها كانت ترفض السير في إجراءات عزل ترامب، لكنها تركت الباب مفتوحاً على كل الاحتمالات، حيث ألمحت إلى أنّ الكونغرس قد يكون في صدد إعداد إجراءات أخرى للتعامل مع قضية عرقلة التحقيقات التي يقوم بها، بحسب وكالة الأنباء الفرنسية أ ف ب.
ويظل الضغط الشعبي متواصلاً من خلال جمع التوقيعات على عريضة تطالب بعزل ترامب لا يزال كتواصل من جانب جماعات حقوقية ومدنية تقدمية ترفض سياسات ترامب وتصفها بالخطرة.
معركة سياسية مع الديمقراطيين؟
ترامب من جهته يصور ما يحدث على أنه هجوم سياسي من جانب الديمقراطيين يهدف إلى إضعاف موقفه في انتخابات 2020، فهو يرى أن الديمقراطيين هم من يطالبون بالكشف عن سجلاته الضريبية وأنهم من يطالبون المحقق روبرت مولر بالإدلاء بشهادته أمام الشعب كما يطالبون بشهادة محامي البيت الأبيض السابق دونالد ماكجان، وأن الديمقراطيين هم من يعقدون الجلسات ويجرون التحقيقات ويصدرون طلبات الاستدعاء للشهادة وغرضهم الوحيد هو اضطهاد ومحاكمة ترامب.
لكن الصورة مختلفة بالطبع من الجانب الآخر، وقد عبر عن ذلك إيوجين روبنسون الكاتب السياسي في صحيفة واشنطن بوست بقوله: «يحاول الرئيس بأسلوبه الساخر أن يصور الأمر كله على أنه ألاعيب سياسية بحتة، ولكنه مخطئ فهي ليست لعبة، حيث أن دولة أجنبية تدخلت بشكل سافر وشرير في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2016 وتم عقد عشرات الاجتماعات المريبة بين مسؤولي حملة ترامب ومواطنين روس ذوي علاقات وثيقة بالكرملين ثم كذبوا بشأن عقد تلك الاجتماعات ثم حاول ترامب جاهداً من خلال منصبه كرئيس أن يعرقل التحقيقات في ذلك كله».
وأكد الكاتب أن المعركة الدائرة في واشنطن ليست بين البيت الأبيض والديمقراطيين رغم ادعاءات ترامب، لكنها بين مسؤول تنفيذي مغرور وفاقد للسيطرة وبين ممثلي الشعب المنتخبين في الكونغرس الذين أقسموا على حماية ما هو أبعد من السياسة.