انفجار سعوان

"مذبحة سعوان" تعود للواجهة.. ميليشيا الحوثي وجهًا لوجه مع ذوي الضحايا

لم يدم- طويلًا- كذب الحوثيين وتزييفهم الحقائق ومحاولاتهم خداع العالم والتنصل من مسؤوليتهم عن "انفجار سعوان"؛ إذ سرعان ما كشفت تحقيقات دولية جانبًا من الحقيقة المخفية قسريًا حول المشهد الذي أرعب السكان وخلف أضرارًا بشرية ومادية كبيرة.

وفي ظهيرة يوم الأحد 7 أبريل/ نيسان 2019، هزّت انفجارات عنيفة ومتتالية منطقة سعوان بالعاصمة صنعاء، وأدَّت إلى مقتل وجرح العشرات من المدنيين غالبيتهم من الأطفال، وألحقت أضرارًا بالمنازل والأعيان المدنية المحيطة.

وقال شهود عيان- حينها- إن الانفجارات كانت مهولة ولم يسبق لها مثيل، وأنها أثارت الرعب والهلع في أوساط السكان، واضطر كثير من طلاب وطالبات المدارس للقفز من نوافذ الطوابق العلوية، بينما قتل بعضهم جراء التدافع في السلالم.

طمس الجريمة

وقال مصدر حقوقي، إن ميليشيا الحوثي باشرت منذ اللحظات الأولى للجريمة طمس معالمها، وإخفاء الآثار التي تدل على الأسباب الحقيقية للانفجار، وقامت بوضع حواجز أمنية مشددة، ومنعت الوصول إلى موقع الحدث مهما كانت الأسباب.

وأضاف إن الميليشيا عملت لنحو 7 أيام على تنظيف مكان الانفجار، والبحث عن المواد المتطايرة من الموقع إلى المناطق الأخرى والقيام بإخفائها، وجعلت سكان المنطقة قيد الإقامة الجبرية؛ حوفًا من تسرب أي تصريحات أو معلومات تشير إلى الحقيقة.

وذكر المصدر الذي فضل عدم الكشف عن هويته، أن "الميليشيا نفّذت حملة أمنية واسعة لملاحقة واعتقال الشهود الذين حضروا بداية الأمر ووثقوا ما حصل، وقامت بحبسهم ومصادرة هواتفهم".. مشيرًا إلى أن "هذه الإجراءات تزامنت مع حملة إعلامية اتهمت فيها طيران التحالف بقصف المكان، وأجبرت ذوي الضحايا على تسجيل شهادات تؤكد هذه الرواية.

استثمار الجريمة

وقال أحد ساكن منطقة سعوان، إن الحوثيين لم يكتفوا بطمس معالم الجريمة وإخفاء تفاصيلها عن الرأي العام، بل تفننوا في خداع العالم بانتقاء وعرض مشاهد الضحايا وآلام ذويهم، وتقديمها للرأي العام على أنها نتيجة قصف طيران التحالف، وبالتالي طالبت العالم بالضغط على التحالف والقوات الحكومية بوقف العمليات العسكرية والقبول بها كأمر واقع".

وأضاف المواطن الذي فضّل عدم الكشف عن هويته، أن الحوثيين نجحوا في إقناع غالبية الشارع اليمني والرأي العام العالمي بروايتهم للحادثة، ومحاولة تحميل التحالف المسؤولية عنها، بالرغم من نفي التحالف قيامه بأي غارات في المنطقة ذلك اليوم".

فضيحة

وفي 7 مايو 2019، أصدرت منظمة سام للحقوق والحريات، تقريرًا يتضمن تحقيقًا أجرته في واقعة الانفجار، وبعدها بيومين أصدرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" ومنظمة مواطنة المحلية تقريرًا مشتركًا حول ذات الانفجار، وأجمعت التحقيقات على أن ميليشيا الحوثي هي المسؤولة عن الانفجار وعن سقوط الضحايا.

وقالت منظمة "سام" إنه بحسب تقييم خبير عسكري عمل في مجال التصنيع العسكري في القوات المسلحة اليمنية "يعتقد أن الانفجار لم يكن بفعل صاروخ جوي أو ضرب طيران، بل نتيجة فعل داخلي من الورشة نفسها، وأن مدى الضرر الذي خلَّفه الانفجار وصل إلى مسافة 5 كم، وأنه ناتج عن مواد شديدة الانفجار؛ ربما كانت تستخدم لتصنيع رؤوس صاروخية تستخدم في العمليات العسكرية".

وقال تقرير «هيومن رايتس ووتش» إن الانفجار الهائل في حي سعوان السكني، أدَّى إلى مقتل 15 طفلًا على الأقل، وإصابة أكثر من 100 طفل وبالغ.. لافتًا إلى أن عدد القتلى الفعلي قد يكون أعلى". وأشارت منظمة "سام "إلى أن الانفجار تسبب بصدمات نفسية شديدة لفئات الأطفال، وخاصة في المدارس المحيطة بمربع الانفجار، وأيضا للمدنيين القريبين من موقع الحادث، إضافة إلى الأضرار الجسيمة والمتوسطة في محلات تجارية ومساكن عدة تبلغ أكثر من 200 مسكن ومحل تجاري حسب إحصائيات أعلنت من قبل السلطات.

وأوردت التحقيقات الدولية شهادات لضحايا وشهود عيان وتحليلات خبراء، أكدت في مجملها أن الانفجارات ناجمة عن أسباب داخلية، محملة الحوثيين مسؤولية الجريمة والأضرار البشرية والمادية، وضمان عدم تكرارها في المستقبل.

صدمة إضافية

وبالإضافة إلى الصدمة النفسية التي خلفتها الانفجارات، أحدثت هذه التحقيقات صدمة إضافية لدى سكّان منطقة سعوان، أهالي الضحايا خصوصًا، بسبب التضليل الذي مارسه الحوثيون ضدهم، وأساليبهم في قتل الأبرياء واستثمار دمائهم.

وقالت الأستاذة هدى راجح، إنها كانت متيقنة أن الانفجار ليس بسبب طيران التحالف، لكنها غير قادرة على تفسير سلوك الميليشيا وتعاملها مع الجريمة الإنسانية، متسائلة: كيف لهم أن يكذبوا بهذه الطريقة أمام العالم أجمع دون أن يرف لهم جفن؟ كيف لهم أن يقتلوا الأبرياء ويمشوا في جنازاتهم؟!".

وأضافت هدى، وهي أحد سكان منطقة سعوان، أنها غير قادرة على تخيل شعور ذوي الضحايا بعد أن انكشف لهم أن الذي مثل بالأمس دور الصديق المتباكي، أصبح اليوم هو المجرم الذي سفك دماء أبنائهم وذويهم، واستثمرها لخدمة أجنداته السياسية والعسكرية بطريقة قذرة.

وقالت راجح، إن هذه النتائج تعيد إلى الأذهان مذابح سابقة سفكت فيها دماء العشرات من الأطفال الأبرياء، بدءًا بحافلة ضحيان ومرورًا بمجزرة سوق السمك في الحديدة، ومسالخ الطفولة في تعز، وكل هذه تضع ميليشيا الحوثي وجهًا لوجه أمام ذوي الضحايا وأولياء الدم، كيف ستبرر لهم جرائمها وكذبها؟ وهل ستواصل استخدام المدنيين دروعًا بشرية لتحقيق طموحاتها في الحكم، وأمام مرأى ومسمع العالم أجمع؟