«مصيرك سيكون كالإسكندر الأكبر وجنكيز خان»، هكذا حذَّر وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من مغبة تهديد إيران، في إشارة إلى تغلُّب الإيرانيين على أعدائهم على مر التاريخ.
وقال وزير الخارجية الإيراني إن ترامب يريد أن يحقق ما فشل في إنجازه الإسكندر المقدوني وجنكيز خان، وهو تدمير إيران.
تهديد إيران يستفز ظريف
وكتب ظريف، على حسابه بموقع تويتر، أنه يجب على الإدارة الأمريكية احترام مواطنيه، مؤكداً أن الإيرانيين «بقوا واقفين آلاف السنين، في حين رحل كل المعتدين. الإرهاب الاقتصادي والتبجحات عن الإبادة لن يقضيا على إيران».
وتابع الوزير موجِّهاً حديثه إلى الرئيس الأمريكي، قائلاً: «لا تهدِّدوا إيرانيّاً أبداً. جرِّبوا الاحترام».
وتأتي التصريحات رداً على الرسالة الأخيرة التي نشرها ترامب ضد إيران، ليل الأحد 19 مايو/أيار 2019، على تويتر، والتي كتب فيها: «إذا أرادت إيران خوض حرب، فستكون تلك نهايتها. لا تهدِّدوا الولايات المتحدة مجدداً».
وتشهد العلاقات الأمريكية الإيرانية توتراً كبيراً منذ قرار ترامب قبل عام، الانسحاب من الاتفاق النووي الدولي المبرم عام 2015، والذي يهدف إلى الحد من البرنامج النووي الإيراني مقابل رفع العقوبات المفروضة على طهران، ومنذ إعادة فرض العقوبات الاقتصادية الأمريكية على إيران في نوفمبر/تشرين الثاني 2018.
وتصاعد التوتر مؤخراً بين البلدين، حيث نشرت الولايات المتحدة حاملة طائرات وقاذفات «بي-52» بالخليج الأسبوع الماضي، مشيرة إلى «تهديدات» محتملة من قِبل إيران.
ما العلاقة بين الأمريكان والمغول؟ صدّام حسين تحدَّث عنهم قبل حرب 2003
تعيد مقولة ظريف إلى الأذهان ما قاله الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين قبل الغزو الأمريكي للعراق، إذ قال إن الأمريكيين سيُدحرون على أسوار بغداد كما دُحر المغول.
والمفارقة أن المغول لم يُدحروا على أسوار بغداد، بل إن غزو المغول للعراق وبغداد عاصمة العباسيين في ذلك الوقت يعدُّ أسوأ فصل بتاريخ العراق وفي تاريخ العالم الإسلامي، ويُعتقد أن العراق لم يبرأ من تأثيرات التدمير الذي لحِق به جراء الغزو المغولي إلا في العصر الحديث.
فهل أخطأ وزير الخارجية الإيراني في الاستشهاد بالإسكندر الأكبر وجنكيز خان، لتخويف ترامب كما فعل صدام.
وما حكاية الإسكندر الأكبر وجنكيز خان مع إيران أو بلاد فارس.
قصة الإمبراطورية الفارسية التي نشأت بسبب خلافات العراقيين والمصريين
كانت أشور ومصر وبابل هي أول إمبراطوريات في التاريخ والقوى المهيمنة تاريخياً وسياسياً على الشرق الأوسط قروناً طويلة.
ولكن كان لإمبراطورية أشور، التي نشأت في شمال العراق، تفوُّق خاص بالمجال العسكري، وكانت الإمبراطوريةَ الأكبر في الشرق قروناً، وهيمنت في ذروة قوتها على مناطق تشمل كلاً أو أجزاء من مصر وإيران وتركيا وبلاد الشام وأرمينيا وجورجيا وأجزاء من الجزيرة العربية وشمال السودان، إضافة إلى العراق بطبيعة الحال.
واجهت أشور ثورة من أتباعها، فتحالفت مع مصر، في حين تحالفت بابل أقوى خصومها، مع قوة جديدة بالشرق الأوسط، منها الشعوب الإيرانية التي كانت في البداية مجرد تابع للإمبراطورية الأشورية.
انتهت الحرب التي تحالفت فيها كثير من القوى الشرق الأوسطية آنذاك ضد الإمبراطورية الأشورية المتحالفة مع مصر، بهزيمة الأشوريين وظهور قوة جديدة في الشرق.
إنها الإمبراطورية الفارسية، التي أصبحت قوة عظمى مهيمنة على الشرق الأوسط بعد أن قضت على منافِسيها الآخرين في إيران، ثم أنهت استقلال الحضارات القديمة بالعراق ومصر والشام.
كان الفرس أحد الشعوب الإيرانية البدوية التي جاءت من آسيا الوسطى إلى إيران، واكتسبوا من جيرانهم في العراق وغيرها من حضارات الشرق القديمة، لكن أصبحوا سادة لهذه الحضارات، ولم يكتفوا بذلك.
فبعد أن سيطرت الإمبراطورية الفارسية على الشرق الأوسط، تحولت بنظرها إلى بلاد الإغريق، ونجحت في السيطرة على أجزاء من أوروبا، وتحولت إلى العدو الأول لبلاد الإغريق الصاعدة.
الرجل الذي أسر ابنة آخر ملوك الفرس وتزوجها
كان الإغريق مفتَّتين في مواجهة الإمبراطورية الفارسية الضخمة، التي لم تعتمد فقط على موارد وجنود إيران، بل مستعمراتها التي كانت يوماً دولاً عريقة مثل العراق ومصر.
إلى أن جاء الإسكندر المقدوني، ليوحِّد الإغريق ويهزم جيوش الفرس الجرارة هزيمة غير مسبوقة في تاريخهم، ويتزوج ابنة داريوس الثالث آخر ملوك الإمبراطورية الأخمينية.
ثم سيطر الإغريق على إيران، وأسس أحد قوَّاد الإسكندر الدولة السلوقية، التي كانت دولة إغريقية حكمت إيران وأجزاء كبيرة من الشرق الأوسط ما يقرب من قرنين، على غرار الدولة البطلمية في مصر.
لذا من حق المرء أن يتساءل عن حكمة الاستشهاد بالإسكندر من قِبل ظريف، في حين أن الواقع هو أن الإسكندر صاحب أول هزيمة تاريخية قضت على الإمبراطورية الفارسية، بل إن انتصار الإسكندر على جيوش الإمبراطورية الفارسية الأكبر حجماً من جيوشه أكبر مآثره العسكرية.
ما فعله جنكيز خان مع الإيرانيين ظلت آثاره موجودة إلى القرن العشرين
أما الاستشهاد الثاني الذي لجأ إليه وزير الخارجية الإيراني، فهو جنكيز خان.
ومن المعروف أن جنكيز خان هو مؤسس الإمبراطورية المغولية وواحد من أعظم وأشرس القادة في التاريخ، والإمبراطورية التي أسسها وأكملها نسلُه من بعده تعد واحدة من كبرى الإمبراطوريات في التاريخ، والأرجح أنها الأكبر من حيث نسبة السكان الذين حكمتهم.
إذ هيمن المغول على أرض تمتد من الصين شرقاً إلى نهرَي الفرات والدانوب غرباً.
ولكن المفارقة أن جنكيز خان الذي استشهد به ظريف، قد يكون القائد العسكري الذي ألحق أكبر ضرر بإيران وشعبها على مدار التاريخ.
فبين عامي 1219 إلى 1221م، غزت جيوش المغول الإمبراطورية الخوارزمية التي كانت تحكم إيران، ويُعتقد أن المغول قتلوا ما يصل إلى ثلاثة أرباع سكان الهضبة الإيرانية، وربما ما بين 10 و15 مليون شخص.
وقدَّر بعض المؤرخين أن سكان إيران لم يبلغوا مستويات ما قبل المغول مرة أخرى حتى منتصف القرن العشرين.
وقيل إن بعض قنوات الري في إيران التي تعود إلى آلاف السنين ودمرها المغول، لم يتم إصلاحها بعد ذلك، وهو ما أثر في حضارة البلاد قروناً.
وقد استمر المغول في حكم إيران فترة طويلة، ممثلين في دولة الإيلخانات وإن كان قد أسلموا وتأثروا بالحضارة الفارسية. وبعد نهاية دولة الإيلخانات حكم إيرانَ القائدُ الشهير تيمورلنك، الذي قدَّم نفسه باعتباره امتداداً لإرث جنكيز خان، علماً أنه يُعتقد أنه تركي، وإن كان قد قيل إنَّ نَسَبَه لجنكيز خان يأتي عن طريق أمه.
فهل يقصد ظريف أن الإسكندر الأكبر وجنكيز خان قد نجحا في غزو إيران، لكنهما ماتا وبقيت إيران؟ حتى لو كان الأمر كذلك فسيظل هذا التشبيه غير مناسب، ولا يدعو إلى التفاؤل بالنسبة للإيرانيين.
إذ أنه اختار إثنين من القادة اللذين تسببا في فقدان إيران استقلالها لقرون طويلة.