يقول فيل ميريل، رئيس برنامج مكافحة الفئران في مقاطعة ألبرتا بكندا: "لولا الفئران لكنت عاطلا عن العمل. لا أنكر أنني لا أحب الفئران ولا أكرهها، لكنني أقدرها. فهذه الكائنات الصغيرة ماهرة في التكيف مع مختلف البيئات".
وتتميز الفئران النرويجية، التي تعرف باسم الفئران البنية، بأنها سريعة التناسل وتضع أعدادا كبيرة من الصغار في المرة الواحدة. وتأكل هذه الفئران كل شيء تقريبا، من النفايات المنزلية إلى اللحم المتعفن والحبوب، وتعيش حيث يعيش البشر. فضلا عن أنها قادرة على مضغ المعدن، وتسبح لمسافات طويلة، وتتحمل السقوط من ارتفاعات تصل إلى 50 قدم، وقد تتسرب إلى منزلك من المرحاض.
ويقال إن موطنها الأصلي شمالي الصين، ومنه انتشرت إلى كل قارات العالم، باستثناء القارة القطبية الجنوبية. وفي الوقت الذي تتضاءل فيه أعداد الكثير من الحيوانات، فإن الفئران تتكاثر وتنتشر، وخاصة في المدن. وتعد الفئران من الأنواع الغازية الأكثر قدرة على الانتشار خارج مواطنها. وبمجرد ما تغزو منطقة ما، فإنها تؤذي الحياة البرية وتتلف الممتلكات وتلوث الأطعمة وتنقل الأمراض.
وتنفق الولايات المتحدة 19 مليار دولار سنويا على مكافحة الفئران، أي سدس ما تنفقه سنويا تقريبا على مكافحة الكائنات الغازية. وفي مومباي تتسبب الفئران في معظم حرائق المركبات.
ولا توجد مدينة في العالم تخلو من الفئران، باستثناء مقاطعة ألبرتا، التي تضم مدينتي كالغاري وإدمونتون، ويبلغ عدد سكانها 4.3 مليون نسمة. وتعد مقاطعة ألبرتا هي المكان الوحيد في العالم الذي يضم هذا العدد الكبير من السكان في الريف والمدن ولا يعاني من مشكلة تكاثر الفئران.
لا تدعه يفلت منك
يقول ميريل: "بدأنا خطوات مكافحة الفئران قبل أن تصل إلى حدودنا الشرقية في عام 1950، وعزمنا على طردها. ثم أخذنا نفتش في جميع المزارع بمحاذاة الحدود عن الفئران وقتلناها كلها بالسم. ولا نسمح بدخول أي منها على الإطلاق".
ولعبت الخصائص الجغرافية دورا في إبعاد الفئران عن المقاطعة، إذ لا تتحمل الفئران البرد القارس في الشمال ولا تعيش في الجبال الوعرة في الغرب، أما في الحدود الجنوبية فتكثر الجبال ويندر السكان مما يعوق انتشار الفئران.
ولا يبقى إلا الحدود الغربية التي اتخذت فيها إجراءات صارمة للوقاية من الفئران. وقد وصلت الفئران إلى إقليم ساسكاتشوان في العشرينيات من القرن الماضي. ويقول ميريل إن الحكومة في إقليم ساسكاتشوان المجاور لم تكن حينذاك مستعدة لغزو الفئران، لكن عندما وصلت إلى حدود ألبرتا، (بعدها بثلاثين عاما) كانت لدينا وزارة للصحة والزراعة بالفعل.
وفي عام 1950، أُدرجت الفئران ضمن الآفات، وأصبح القضاء عليها إجباريا. واستُخدم السم للقضاء على الفئران التي تصل إلى ألبرتا وعولجت المباني التي تؤويها. وكُثفت إجراءات الرقابة والتفتيش في إحدى المناطق بمحاذاة الحدود مع إقليم ساسكاتشوان، وأطلق عليها منطقة مكافحة الفئران، وعُين فريق لمكافحة الآفات والتأكد من خلو المنطقة من الفئران.
ودشنت الحكومة حملة توعية لمساعدة السكان في التمييز بين الفئران النرويجية والقوارض التي تستوطن المنطقة، ونشرت آلاف اللافتات التي تضمنت شعارات حماسية لحث الناس على قتل الفئران مثل "اقتل الفئران حيث وجدتها، فهي تهدد الصحة والمنازل والصناعة". وكان بعضها يشجع المزارعين على الحفاظ على نظافة مزارعهم لئلا يعرضوا جيرانهم للخطر.
البحث في مكبات القمامة
وفي الخمسينيات من القرن الماضي، كان عدد البلاغات عن وجود فئران في منطقة مكافحة الفئران، يتجاوز 500 بلاغ سنويا، ووصل عدد البلاغات في السبعينيات إلى نحو 50 حالة سنويا، وفي عام 2003، أعلن القضاء تماما على الفئران في المنطقة.
واليوم يفتش مسؤولو مكافحة الآفات عن الفئران في المنطقة بانتظام، ويتعاملون مع حالات تفشي الفئران بلا هوادة، ويعاينون المزارع الملاصقة للحدود مرتين سنويا. ويقول ميريل إن الأدوات الحديثة، مثل مخازن الغلال المعدنية، تمنع الفئران من الوصول إلى طعامها.
وتحث الحكومة المزارعين على وضع طُعوم للوقاية من الفئران يضاف إليها عقار وارفارين، المضاد لتجلط الدم. ويقول ميريل إن وارفارين أقل تأثيرا على الحياة البرية مقارنة بسائر السموم، لأنه يستقر في جسم الفأر لفترة أقصر، ومن ثم لن تتناول الطيور الضارية التي تلتهم الفئران الكمية الكافية من السم التي قد تؤثر عليها.
وفي اليوم الذي التقيت فيه ميريل، كان قد تلقى بلاغا من رجل ذكر أنه اصطاد فأرا غرب منطقة مكافحة الفئران، بعد أن عثر عليه في مرآب يتقاسمه مع جاره، ودخل الفأر إلى المرآب عن طريق سيارته. ويقول ميريل إن هذا الأمر معتاد ويحدث كل شهرين تقريبا، وينصح بوضع مصيدة إضافية للتأكد من عدم وجود فأر آخر، فقد لا تأتي الفئران فرادى.
وفي بعض الأحيان، يضطر ميريل إلى التفتيش عن آثار الفئران، حتى لو كان في مكب النفايات، كما حدث في عام 2012. ويقول ميريل: "عثرنا على 21 فأرا موزعين على مزارع مختلفة داخل مدينة مديسين هات وحولها، وكنا متأكدين أن هذه الفئران تكاثرت في مكان ما، لكننا لم نجده. وزرنا مكب النفايات ست مرات. وفي النهاية تمكن فريق مكافحة الآفات من العثور على المكان الموبوء بالفئران ليلا."
وسرعان ما انتشر الخبر وتصدر عناوين الصحف المحلية، وتساءلت الصحف الأجنبية عن مدى صدق مزاعم نجاح مقاطعة ألبرتا في القضاء تماما على الفئران. وبعد شهرين تمكن عمال مكافحة الآفات من القضاء على الفئران وإتلاف عشها.
ويقول ميريل إن عدد الفئران التي عثروا عليها كان 300 على الأقل، ويقال إن مصدر هذه الفئران كان العشب الذي ترك في آلات نُقلت إلى ألبرتا لغرض إعادة تدوير نفايات المزارع.
حصر التكاليف
يعمل ميريل في مجال مكافحة الآفات منذ عام 1970، ويقول إن بعض التغيرات جعلت وظيفته أكثر سهولة، منها تحديث المباني في المزارع ونشاط مكافحة الفئران في ساسكاتشيوان، حيث انخفضت معدلات ظهور الفئران.
وبينما لا تتعدى تكلفة برنامج مكافحة الفئران 500,000 دولار كندي سنويا، فإن مجلس أبحاث ألبرتا قدر الخسائر المترتبة على انتشار الفئران سنويا، في عام 2004، بنحو 42.5 مليون دولار كندي سنويا.
وهذه المبالغ قدرت على أساس دراسة أمريكية افترضت أن كل فأر يستهلك أو يتلف حبوبا أو غيرها من المواد التي تقدر قيمتها بنحو 15 دولارا أمريكيا سنويا، وتشمل الخسائر الحرائق الناتجة عن قرض الأسلاك، والأغذية الملوثة والخسائر ذات الصلة بالأمراض.
ويقول لاري روي الذي شارك في كتابة التقرير: "لا شك أن البرنامج وفر على الحكومة ملايين الدولارات التي كانت ستهدر في مكافحة الفئران سنويا".
الاحتذاء بنموذج ألبرتا
تتضمن أغلب مشروعات مكافحة الفئران القضاء على جميع الفئران التي انتشرت وتكاثرت في الجزر، بدلا من منعها من الوصول إليها. وتختلف أيضا دوافع هذه المشروعات عن الدافع وراء مشروع ألبرتا، الذي كان اقتصاديا إلى حد كبير.
ويقول توني مارتن، الذي قاد مشروع القضاء على الفئران في جزيرة جورجيا الجنوبية الواقعة جنوب المحيط الأطلسي: "تعتمد الكثير من مشروعات القضاء على الفئران على تقدير الخسائر في مقابل المزايا، لكن في معظم الحالات، تهدف هذه المشروعات إلى الحفاظ على الحياة البرية التي تستوطن المكان وليس بدافع اقتصادي".
وأُلقيت في جورجيا الجنوبية الطعوم المسممة من الطائرات في إطار مشروع للقضاء على الفئران امتد لثماني سنوات وبلغت تكلفته 10 مليون جنيه إسترليني. واعتمد هذا المشروع على أموال التبرعات.
ويرى مارتن أن مشروع ألبرتا حقق إنجازا منقطع النظير، لأنه نجح في الحفاظ على هذه المنطقة الشاسعة خالية تماما من الفئران.
ويشيد مارتن بحماسة السكان، ويرى أنها أهم عوامل نجاح المشروعات. وقد تثبط المعارضة عزيمة الناس وتؤدي إلى توقف المشروعات. ويشير مارتن إلى جزيرة لورد هاو بأستراليا، حيث لم تبدأ مشروعات القضاء على الفئران إلا مؤخرا بعد 20 عاما من المعارضة، وكذلك الحال في نيوزيلندا، التي أعلنت عن مشروع طموح للتخلص من القوارض القادمة من الخارج بحلول عام 2050 من أجل حماية التنوع الحيوي على أراضيها، لكن الفكرة لاقت معارضة كبيرة.
ويقول ميريل إن دعم السكان ضروري لنجاح المشروع. ويضيف: "يبلِغ الناس عن الفئران فور دخولها حدائقهم"، لكن لا يزال هناك القليل من المعارضين لحظر تربية الفئران، وينادي بعض مربي الثعابين بتجميد الفئران. أما عن سائر السكان فهم سعداء بالتخلص من الفئران.
ويقول ميريل: "يرى محبو الحيوانات أننا نزعج الفئران، وأظن أن هذا حقيقي، لكن لدينا أسباب تبرر ذلك، فنحن نحب الفئران التي تستوطن أراضينا، مثل فئران المسك وفئران الغابات، فإذا استطاعت هذه الفئران أن تعيش في الطبيعة بعيدا عن البشر، فلن نقترب منها. أما إذا كانت تأكل طعامنا ونفاياتنا وتغزو منازلنا، فنحن لا نريدها".