ترجمة: عربي بوست
على مرِّ سنوات، كانت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تكافح لتعزيز المهارات الرقمية للقوة العاملة في البلاد، ولإشراك المزيد من الشباب في السياسة.
ولكن في الأسبوع الماضي، أظهر شابٌ ألماني ذو شعر أزرق ومعروف باسم ريزو يصور مقاطع فيديو وينشرها على يوتيوب مدى عدم الاستقرار الذي يُمكن أن يُسببه المزيج الصحيح بين المهارة الرقمية والمشاركة السياسية للمؤسسة، وفق التقرير التفصيلي الذي نشرته صحيفة The New York Times الأمريكية.
ففي مقطع مدته 55 دقيقة، ومزوَّد بقائمة تضم 247 مرجعاً واستشهاداً بالأدب العلمي، هاجم ريزو حزب «الاتحاد المسيحي الديمقراطي» الحاكم الذي تنتمي إليه ميركل بسبب مجموعةٍ من الخطايا: وهي تزايد عدم المساواة الاجتماعية، والتلوث، والحرب، والرقابة على الإنترنت. وبدءاً من صباح يوم السبت قبل الماضي 18 مايو/أيار حتى وقت نشر هذا التقرير، بلغ عدد مشاهدات المقطع المنشور على يوتيوب أكثر من 11 مليون مرة، مما يجعله مقطع الفيديو غير الموسيقي الأكثر شعبية في ألمانيا في 6 أيام.
وأثار المقطع عاصفةً من النقاش في بلدٍ بدأ للتو تقبُّل التأثير الضخم الذي يمكن أن يحدثه الصحفيون والناشطون المستقلون عبر وسائل التواصل الاجتماعي في الخطاب العام. وأصبح المقطع كذلك يُشكِّل أزمة في العلاقات العامة للمحافظين الذين يسيطرون على مقاليد الحُكم قبل أيام فقط من توجُّه الألمان إلى صناديق الاقتراع اليوم الأحد 2 مايو/أيار للتصويت في انتخابات البرلمان الأوروبي.
إنَّه يقلب الترتيب المألوف للمعرفة رأساً على عقب
إذ قال أندرياس دورنر أستاذ الدراسات الإعلامية بجامعة فيليب في ماربورغ، متحدثاً عن المقطع: «إنَّه يقلب الترتيب المألوف للمعرفة رأساً على عقب؟ فما هي الحقائق وما هي الأكاذيب؟ وما أهم الآراء؟ إنَّه مُذهلٌ ومخيف في الوقت نفسه».
يُعد المقطع تجربةً تُدرَّس في المشاركة المدنية عبر الإنترنت. إذ يعرض الشاب المتحدث -الذي يرتدي قميصاً برتقالياً ثقيلاً بقلنسوة وقبعة بيسبول رمادية اللون ويقول إنَّه يبلغ من العمر 26 عاماً- هجومه تفصيلياً نقطةً بنقطة، وهو يجلس على مكتبٍ في غرفة عمله التي تضم قيثارات ولوحات مفاتيح موسيقية في الخلفية. وصحيحٌ أنَّ هويته وموطنه الحقيقيين غير معروفين، لكنَّه يقول إنه مُنتِج موسيقي يعمل عبر موقع يوتيوب.
ويستخدم المقطع لقطاتٍ ومؤثرات صوتية ورسوم بيانية سهلة المشاهدة، ويستعين بالكثير من المصطلحات العامية الإنجليزية بأسلوبٍ يتناسب مع ثقافة الشباب الألمان.
ماذا قال بالمقطع؟
يقول ريزو في بداية المقطع: «في هذا المقطع، سأعرض كيف يكذب ساسة حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، وكيف يفتقرون إلى الكفاءات الأساسية في وظائفهم، وكيف يصنعون سياسةً تتعارض مع رأي الخبراء، ويشاركون على ما يبدو في جرائم حرب مختلفة، وكيف يستخدمون الدعاية والأكاذيب ضد جيل الشباب، وكيف ازداد الأثرياء ثراءً والفقراء والآخرون فقراً بسبب سياساتهم في العقود الأخيرة. وسأوضِّح أنَّ ذلك الحزب يُدمِّر حالياً حياتنا ومستقبلنا، وفقاً لآلافٍ مؤلَّفة من العلماء الألمان».
ومع ارتفاع عدد المشاهدات المقطع، تغيَّرت ردود فعل الساسة الذين تعرَّض حزبهم للهجوم من التجاهل إلى الغضب.
إذ نشر الحزب يوم الخميس الماضي 23 مايو/أيار رسالةً مفتوحة تتناول كلِّ نقطةٍ من نقاط الهجوم الرئيسية التي ذكرها ريزو. ثم أعلن أنَّه صوَّر مقطعاً خاصاً رداً على ذلك الهجوم، بالاستعانة بأصغر عضو برلماني تابع له، وهو فيليب أمثور، لكنَّه قرر عدم نشره.
وقال دورنر: «هذه المحاسبة العامة للغاية تضع الأحزاب التقليدية في حالة الاستعداد الدفاعي من الدرجة الثالثة».
دعوة لإجراء مناظرة
لكنَّ بول زيمياك، رئيس اتحاد الشباب، الذي يُعد الجناح الشبابي لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، دعا ريزو عبر موقع تويتر إلى إجراء مناظرةٍ مباشرة وجهاً لوجه. وقال زيمياك لمجموعةٍ من الصحفيين الألمان: «نأخذ الأمر على محمل الجد، لا سيما وأنَّ الكثير من الشباب يشاهدون المقطع».
ومنذ ذلك الحين، ردَّ ساسةٌ شباب آخرون، من بينهم جينا بيهرندس المنتمية إلى حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي والمُنخرطة في الأنشطة السياسية بالعاصمة الألمانية برلين، وتيمو فولكن، أحد أعضاء الحزب الديمقراطي الاجتماعي في البرلمان الأوروبي، بتصوير مقاطع فيديو يردون فيها على الهجوم، ولكن لم يحصل أيٌّ منها على الاهتمام الذي حظي به المقطع الأول.
وقال دورنر في لقاءٍ صحفي إنَّ الانبهار الوطني بالفيديو يأتي من إدراك أنَّ هياكل السلطة في البلاد تتغيَّر بالفعل في الوقت الحالي.
تدفع الأسر الألمانية رسوم إعلام تبلغ حوالي 20 دولاراً شهرياً مباشرةً لشبكات البثِّ
إذ تدفع الأسر الألمانية رسوم إعلام تبلغ حوالي 20 دولاراً شهرياً مباشرةً لشبكات البثِّ العامة، سواء أكانوا يمتلكون جهاز تلفزيون أم لا. وفي المقابل، تعد هيئات البث العامة مصدراً موثوقاً لتكون حجراً أساسياً للصحافة الجيدة والترفيه القيِّم. لكنَّ الألمان يتجهون بصورةٍ متزايدة إلى الحصول على الأخبار والترفيه من مصادر غير تقليدية على الإنترنت.
إذ أظهر تحليلٌ حديث أجرته مؤسسة بازفيد الإخبارية أنه من بين المنشورات المئة الأكثر مُشاركةً على شبكات التواصل الاجتماعي عن انتخابات البرلمان الأوروبي في ألمانيا، هناك 49 منشوراً نشرها حزب «البديل من أجل ألمانيا» الشعبوي، و13 منشوراً نشرها حزب الحرية النمساوي اليميني المتطرف، الذي استقال زعيمه مؤخراً من منصب نائب المستشار النمساوي بسبب مقطع فيديو أثار تساؤلاتٍ حول علاقاته بروسيا.
فيما بلغ نصيب الشبكات الإذاعية الإخبارية التقليدية من المنشورات المائة الأكثر مشاركةً 7 منشورات. أمَّا منشورات حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، الذي يدير البلاد منذ 13 عاماً ويستعد للفوز بأكبر عددٍ من المقاعد يحصده أيّ حزبٍ ألماني في البرلمان الأوروبي، فلم تدخل قائمة المنشورات المئة حتى.
يهاجم الحزب مباشرةً
وصحيح أنَّ مقطع ريزو، الذي يحمل عنوان Die Zerstörung der CDU أو «دمار حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي»، يهاجم الحزب مباشرةً، لكنَّه لم يخجل من انتقاد الحزب الديمقراطي الاشتراكي، الذي يشارك في الائتلاف الحاكم منذ تسع سنوات من السنوات الـ13 الماضية. ووصف كذلك أعضاء حزب البديل من أجل ألمانيا بأنَّهم نازيون.
ولأنَّ المقطع يخاطب الشباب، الذين لم يصوتوا في الماضي، لم تتضح آثاره في أحدث استطلاعات الرأي، حيث ما زال الاتحاد المسيحي (الذي يتكون من حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي وحزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي الذي يخوض الانتخابات في ولاية بافاريا فقط) يتصدر قائمة الأحزاب الألمانية بحصوله على حوالي 27% من أصوات المشاركين في الاستطلاع.
من جانبها نشرت صحيفة Frankfurter Allgemeine Zeitung، وهي صحيفة يومية تميل إلى التيار المحافظ، مقالةَ رأيٍ تهاجم ريزو بعنوان «كل «إعجاب» يُمثِّل وصمة عار«. انتقدت فيما انتقدت بعض العشرات من المقالات الأخرى مُدوِّن الفيديو وأشاد البعض الآخر به، وبعضها حلَّل حججه واحدةً واحدة، على غرار الطريقة التي تتحقَّق بها وسائل الإعلام الإخبارية الأمريكية من صحة ادِّعاءات المرشحين للرئاسة الأمريكية.
وفي العاصفة التي أعقبت ذلك، التزم ريزو الصمت. وبعد ذلك في يوم الجمعة الماضي 24 مايو/أيار، أعَدَّ هو و90 شخصاً من صُناع الفيديوهات على يوتيوب -والعديد منهم يحظون بعددٍ كبير من المتابعين- مقطع فيديو يدعو المشاهدين إلى الخروج والتصويت، ولكن ليس للديمقراطيين المسيحيين ولا الديمقراطيين الاشتراكيين.