بعد عامين من اجتلاب آلاف الأبقار المُدِرَّة للحليب من أجل التغلب على الحظر التجاري، أصبحت شركة «بلدنا» القطرية لإنتاج الألبان تصدِّر لأول مرة إلى الخارج.
وقطر هي أكبر مُصدِّر للغاز الطبيعي المسال في العالم، لكنها تستورد كل شيء تقريباً. وتخضع الدولة الثرية صغيرة المساحة للمقاطعة في التجارة والنقل من قِبل السعودية وحلفائها منذ يونيو/حزيران 2017، وهو ما اضطرها إلى إعادة تنظيم اقتصاد كان يعتمد بشكل كبير على دول الخليج الأخرى.
وتتهم السعودية والإمارات والبحرين ومصر قطر بدعم الجماعات الإرهابية. وتنفي الدوحة الاتهام، وتقول إن المقاطعة التي أغلقت حدودها البرية وعطلت طرق الشحن محاولة للتعدي على سيادتها وطمعاً في ثرواتها.
وتسلَّمت «بلدنا» أول أبقارها بعد شهر واحد من المقاطعة، وأقامت مزرعة ألبان ضخمة. وتقول إنها توفر الآن أكثر من نصف الحليب الطازج في قطر، بل تصدّر إلى أفغانستان واليمن وعُمان، وقريباً جداً إلى ليبيا.
افتتحت قطر ميناء بقيمة 7.4 مليار دولار، صُمِّم ليصبح مركزاً للنقل الإقليمي
وبعد فترة وجيزة من المقاطعة، طوَّرت الدوحة طرقاً جديدة للتجارة، لتحل محل الشركاء الخليجيين السابقين. وفي أواخر عام 2017، افتتحت ميناء بقيمة 7.4 مليار دولار، صُمم ليصبح مركزاً للنقل الإقليمي.
وفي أبريل/نيسان 2019، أطلقت «بلدنا» خطاً لإنتاج عصائر الفاكهة. وفي محلات التجزئة القطرية، توجد علامات تجارية مثل «مزرعتي»، التي افتتحت أكبر مشروع لإنتاج الدواجن بالبلاد في يناير/كانون الثاني 2019، جنباً إلى جنب مع معروضات «مَزارع قطر» من الفواكه والخضراوات المحلية.
وقال الشيخ فالح بن ناصر آل ثاني، وكيل الوزارة المساعد لشؤون الزراعة والثروة السمكية في وزارة البلدية والبيئة، إن إنتاج الخضراوات ارتفع بنسبة تقارب 20 في المئة منذ منتصف عام 2017 إلى نحو 66 ألف طن سنوياً، ومن المتوقع أن يرتفع بمقدار 20 إلى 40 ألف طن في العام المقبل، مع بدء الإنتاج في مزارع جديدة.
تتمتع قطر الآن بالاكتفاء الذاتي في الألبان والدواجن الطازجة
وتتمتع قطر الآن بالاكتفاء الذاتي في الألبان والدواجن الطازجة. وقبل عام 2017، كانت تنتج فقط نحو 20 في المئة من احتياجاتها من الألبان، و10 في المئة من احتياجاتها من الدواجن.
وقالت صبا الفضالة، مديرة العلاقات العامة والاتصال بشركة بلدنا للصناعات الغذائية، إن قطر بعد المقاطعة في يونيو/حزيران 2017، ليست مثل قطر قبلها.
وأضافت: «أكيد يعني، الشركات الثانية ما توصل لما بعد الاكتفاء الذاتي، لما بعد السوق المحلي إلا بعد فترة طويلة. لكن الحمد لله في بلدنا حققناها في فترة وزمن قياسي».
ومضت قائلة: «طبعاً، (بلدنا) واحد من الإنجازات الكبيرة اللي تم إنجازها بعد الحصار الجائر على قطر. الحمد لله، مصدر فخر لنا إحنا كقطريين وكمقيمين على هذه الأرض، إن في فترة قياسية -الحمد لله- ما عدنا بحاجة لحد، وصار عندنا الاكتفاء الذاتي. فـ (بلدنا) تعتبر صرحاً من صروح قطر ولله الحمد، ودليلاً كبيراً على أن هذا الحصار كان نعمة وليس نقمة».
تعيش 20 ألف بقرة في حظائر واسعة مكيفة
ويتجول أطفال المدارس في صالات حلب الأبقار بمزرعة «بلدنا»، حيث تعيش 20 ألف بقرة في حظائر واسعة مكيفة. ويتعلم الزائرون كيف أن اجتلاب الأبقار أثمر استعادة إمدادات الحليب التي كانت تُنقل إلى البلاد بالشاحنات قبل أن تغلق السعودية الحدود.
ويقول دبلوماسيون ومحللون إن قطر التي يبلغ عدد سكانها أكثر من 320 ألف نسمة ولديها صندوق سيادي بقيمة 320 مليار دولار، بوضع جيد في مواجهة الحظر.
وفي الأشهر الأولى من الأزمة، قامت قطر بتصفية ما يقرب من 3 مليارات دولار من استثماراتها في أدوات الخزانة الأمريكية، وأنفقت أكثر من 40 مليار دولار من الاحتياطيات الأجنبية، لدعم عملتها وبنوكها.
واستقر الاقتصاد منذ ذلك الحين، حيث نما بنسبة 2.2 في المئة على أساس سنوي في الربع الثالث من عام 2018. وجرى تجديد موارد البنوك القطرية بالودائع الأجنبية التي حلت محل كثير من الأموال السعودية والإماراتية المنسحبة.
واستلزم تحقيق هدف قطر، المتمثل في زيادة الاكتفاء الذاتي من الغذاء، إطلاق الزراعة على نطاق تجاري في واحدة من أشد المناطق الصحراوية قسوة في العالم.
ويقول ناصر الخلف، العضو المنتدب لشركة أجريكو، وهي شركة للمنتجات الزراعية والصُّوَب الزراعية، إن نشاطه التجاري ازدهر منذ أن صمم نظاماً للحفاظ على برودة الخضراوات والفواكه بشكل يتيح لها النمو على مدار العام.
وفي صوبة مصنوعة من البوليكربون، يجري تبريد صفوف من البندورة (الطماطم) إلى ما دون 28 درجة مئوية، في حين تصل درجة الحرارة في الخارج إلى 40 درجة مئوية.
وقال خلف إن النظام سمح له بمضاعفة الإنتاج لأكثر من ثلاثة أضعاف من الفاكهة والخضراوات، وصولاً إلى أكثر من 15 طناً في اليوم.
وأضاف أن الصُّوَب الزراعية تجتذب المستثمرين الذين يتطلعون إلى الزراعة للمرة الأولى، بإغراء من زيادة الدعم للطاقة والأسمدة والبذور منذ عام 2018.
ويقول مسؤولون ودبلوماسيون قطريون إنه لا يوجد ما يشير إلى تراجع حدَّة الخلاف الخليجي، الذي عزز التأييد الداخلي لحاكم البلاد الأمير تميم بن حمد آل ثاني.