غربة البُن

الدراما اليمنية..

كيف خطفت "غربة البن" اهتمام اليمنيين في الداخل والخارج!

كمال السلامي- المصدر أونلاين

بالرغم من الظروف الاستثنائية التي تعيشها اليمن منذ قرابة أربعة أعوام، واشتداد وطأتها في عامها الرابع، إلا أن ذلك لم يمنع الدراما اليمنية من أن تصنع البسمة على وجوه اليمنيين، وأن تصنع لها مساحة في تفكير ووعي الناس.

 

فبالرغم من شحة الإمكانات، وكثرة الصعوبات التي واجهت فرق العمل في أهم الأعمال الدرامية والبرامجية، إلا أنها نجحت في تحقيق أهدافها، وخلقت جمهوراً لها، منقسماً ما بين معجب، وناقد يبحث عن مزيد من الإتقان، والحرفية

 

.وفي هذا العام، حاولت القنوات اليمنية التنافس في تقديم مسلسلات وبرامج سياسية متنوعة بعضها مرتبط بالأوضاع الحالية، والبعض الآخر سلّط الضوء على قضايا اجتماعية أخرى، لكن قلة قليلة من تلك البرامج والمسلسلات حققت شهرة كبيرة، ويمكن وصفها بأنها "شعبية"، كونها نالت شهرة واسعة، وأصبحت حديث اليمنيين في الداخل والخارج.

 

وكما أن تلك المسلسلات والأعمال الدرامية والبرامجية مثلت مساحة لليمنيين في الداخل لاستعادة البهجة التي فُقدت منذ عدة سنوات بسبب الحرب، فإنها أيضا منحت المقيمين في المهجر، إطلالة على وطنهم الذي مزقته الحرب.

 

وحسب الصحفي والناشط "غمدان اليوسفي"، فإن المقيم في المهجر "يحاول لملمة أشتات الوطن المبعثر في شاشته، يتنقل بين القنوات في محاولة لإشباع أشواقه بالصور المخفية عن الشاشات منذ سنوات عدا صور الدم".

 

غربة البن
 

 

يأتي مسلسل "غربة البن" على رأس قائمة أكثر المسلسلات الدرامية اليمنية مشاهدة هذا العام، وبالرغم من جوانب القصور والملاحظات الفنية البسيطة، إلا أنه بالإجمال نال استحسان شريحة واسعة من المجتمع، وهذا ما يتضح من خلال الشعبية الجارفة التي حققها، والمتابعة المنقطعة النظير سواء على شاشة فضائية "يمن شباب"، أو على حساباتها في مواقع التواصل الاجتماعي، حيث حقق المسلسل على موقع القناة على "يوتيوب"، عشرات الملايين من المشاهدات.

 

وتعليقاً على ذلك، يقول الصحفي غمدان اليوسفي، المقيم في "هولندا" لـ"المصدر أونلاين"، إنه من غير المنطقي التحدث عن عمل تلفزيوني في حضرة "غربة البن"، معتقداً أن هذا المسلسل يمثل فاصل بين الدراما اليمنية، ما قبل غربة البن وما بعده".

 

يعلّل "اليوسفي" هذا الاعتقاد، بعدة أسباب، منها أن هذا المسلسل "كان عبارة عن دراما توثيقية للتغريبة اليمنية التي عاشها ربما كل يمني، حالة الهجرة الدائمة على مر التاريخ والتي أصبحت عادة، ومنذ زمن لا أحد ينتبه لما يتركه المهاجر وراءه، تلك المرأة العظيمة في كل بيت".

 

كما لفت غمدان اليوسفي في تصريحه لـ"المصدر أونلاين"، إلى أن مسلسل "غربة بن"، أنصف المرأة اليمنية العظيمة التي تحتمل كل صنوف القساوة لأجل حبيبها الغائب، كما أن المتابعين خلال رمضان شاهدوا أشياء القرية خلال حقبة الثمانينيات من القرن الماضي من بطانيات و(ثلاجة) الشاي والأوراق النقدية القديمة وكريم الشعر والعطر وغيرها.

 

وأضاف "اليوسفي" متحدثاً عن "غربة البن": "جهد غير طبيعي توفير تلك الأشياء، إضافة إلى التصوير في ريف طبيعي وما يصاحبه من معاناة وعراقيل، وكذلك الأداء المبهر لفنانين مثل حسن الجماعي وغيره، طبعاً بعد إبهار صلاح وقحطان وشروق وسالي".وبين أن الأجمل في المسلسل هو "تلك الخاتمة غير المحبطة للمسلسل والتي أعادت الأمل للمشاهد، وخلقت صورة رمزية رائعة بأن الأجيال مهما تعبت وانتظرت إلا أنها هي من ترث الأرض وتعمرها".

 

الصحفي ومستشار وزير الإعلام اليمني مختار الرحبي قال على حسابه بموقع "تويتر"، إن مسلسل "غربة البن" الذي بثته قناة "يمن شباب"، مسلسل رائع يحكي قصة أقرب ما تكون للواقع ويعيش تفاصيلها كثير من اليمنيين.

 

ووجه "الرحبي"، تحية لفريق العمل الذي بذل جهوداً كبيرة حتى خرج العمل بهذه الصورة الإبداعية، وعلى رأسهم الفنان صلاح الوافي وحسن الجماعي وسالي حمادة وكافة أفراد المسلسل.

 

الصحفي نبيل عبدالرب، المسؤول الإعلامي بمجلس النواب، قال إن مسلسل "غربة البن" كان ممتعاً، واعتبر أن ما قدمه طاقم "غربة البن"، هو ثمرة فن يمني عارك الظروف وأعاد إلى بيوت اليمنيين نكهة القهوة اليمنية الممتدة الجذور في البلدة الطيبة.

 

وأضاف في منشور على حسابه بموقع "فيسبوك": "معكم، سننتظر يوماً يعود البن من غربته ليظلل أرض سبأ بسلام وطمأنينة، لن تستطيع طوارئ الزمن البخس، لا الزعفران ولا أبوال الإبل، أن تقتلع البن من هوية أعماق هذه التربة".

 

من جانبه قال الإعلامي خليل القاهري عن مسلسل "غربة بن"، إنه جسد قصة آلاف الأمهات بل ربما ملايين ممن احترقت قلوبهن ولا تزال في ظل غربة الآباء جيلا بعد جيل.وأضاف "القاهري" في منشور على حسابه بموقع "فيسبوك" نشره في 15 مايو الجاري، أنه بالرغم من وجود هفوات في الجانب الفني، إلا أنه يجب الإشارة إلى الفكرة العامة لمسلسل "غربة بن"، والتي قال إنها تنطلق من واقع شعب يغترب أبناؤه جيلاً بعد جيل منذ الصغر بحثا عن حياة كريمة لم تتح في البلد من حيث الواقع الاقتصادي البائس.وأشار إلى أن قصة المسلسل مستقاة من قصيدة للشاعر "سلطان الصريمي"، التي قالها بعد أن قدمت إليه زوجة مسعود تشكو اغتراب زوجها الذي فاق احتمالها، فكتب قصيدة "مسعود هجر"، معتمدا خطابا ولهجة شعبية واضحة، وهو ما جعل القصيدة تنتشر حينها انتشار النار في الهشيم، ليغنيها لاحقا الفنان الكبير "عبدالباسط عبسي".

 

وقال "القاهري": "في العموم المسلسل يتضمن حكاية مهمة ولعله جدير بالمتابعة بدلاً عن تلك الأعمال الدرامية التي تلجأ إلى حكايات منفصلة يسودها التهريج"، مبينا أن ما يؤخد عل مسلسل "غربة بن" المبالغة في بعض التصرفات، كالمبالغة من الماكياج وأدوات الزينة واستعراض الشعر لدى أمهات يرمزن لحقبة ماضية ريفي، إضافة إلى أن ما يؤخذ على المسلسل عدم إشارته إلى أن القصة مستقاة من العمل الفني لقصيدة الشاعر الصريمي "مسعود هجر".

 

مع ورور

 

وجاء في المرتبة الثانية من حيث عدد المشاهدات، مسلسل "مع ورور حكاية أنور الوردان" الذي تبثه قناة "السعيدة"، وهو عبارة عن مسلسل درامي كوميدي، شارك فيه عدد من نجوم الدرام اليمنية.وحقق مسلسل "مع ورور"، مشاهدات عالية، جاءت بالمرتبة الثانية على قناة "السعيدة" في موقع "يوتيوب"، كما حظي المسلسل بتقييمات إيجابية فيما يتعلق بالجوانب الفنية، إضافة إلى الحبكة الدرامية التي لها علاقة بالظلم، وعواقبه الوخيمة.

 

مسلسل "مع ورور" حاول أيضا إبراز جمال الريف اليمني، من خلال تصوير المشاهد في مناطق ريفية جميلة وهو ذات الأسلوب الذي اعتمده طاقم عمل "غربة البن".وتعليقا على هذا المسلسل يقول الكاتب الصحفي "غمدان اليوسفي"، إنه لمس في "مع ورور" جهداً كبيراً، منتقداً قناة السعيدة التي قال إنها تبث أعمالها بدقة ضعيفة ومشوشة إلى درجة مزعجة على موقع "يوتيوب"، معرباً عن أمنيته بأن يشاهد هذا المسلسل بدقة أفضل.

 

غاغة


يأتي في المرتبة الثالثة من حيث عدد المتابعين والمشاهدات في الشاشة اليمنية، مسلسل "غاغة" في موسمه الرابع، الذي يقدمه الفنان الكوميدي "محمد الأضرعي"، وتدور حلقاته حول مواضيع متنوعة، لكنها على صلة وثيقة بالصراع الذي تشهده اليمني، بخلاف مسلسلي "مع ورور" على قناة السعيدة و "غربة البن" على قناة يمن شباب، ومسلسلات أخرى يأتي ذكرها.

 

ويمكن أدراج مسلسل "غاغة" ضمن باقة الكوميديا السياسية الساخرة، كونه يسلط الضوء على الممارسات السياسية والاجتماعية للحوثيين منذ انقلابهم على السلطة في اليمن.

 

وحظي "غاغة" بمشاهدة كبيرة سواء على شاشة "قناة سهيل" الفضائية، أو على حسابات القناة في مواقع التواصل وتحديدا موقع "يوتيوب"، محققا ملايين المشاهدات، فضلاً عن إشادة بمضمون الحلقات وبعدها هذا العام عن التركيز على البعد الطائفي، ونقد الممارسات والجرائم الحوثية.

 

تاتش


ومن المسلسلات التي نالت الإعجاب هذا العام أيضا، مسلسل "تاتش"، الذي يؤدي البطولة فيه الفنان "علي السعداني"، وتبثه قناة "سهيل" الفضائية.يناقش "مسلسل تاتش" كل يوم سلوك من سلوكيات المليشيات الحوثية، وجرائمها الاجتماعية والعسكرية والاقتصادية والثقافية وأيضا الدينية بحق اليمنيين.

 

كما أنه يحاول إسقاط القناع عن حقيقة هذه الجماعة من خلال معالجة درامية طريفة وهادفة، وبالرغم من قلة الإمكانات وكثرة العراقيل ألا أن المسلسل حققت متابعة واسعة على مواقع التواصل وخصوصا يوتيوب، إضافة إلى متابعة على شاشة قناة سهيل الفضائية.

 

منافسة

 

ودخلت خط المنافسة الدرامية هذا العام قناة "المهرة" الوليدة، بمسلسل "دار ما دار" الذي يقوم بدور البطولة فيه الفنان "محمد قحطان" وآخرين، وقد نال المسلسل استحسان وإعجاب المتابعين، فضلا عن الجودة الفنية بفضل الإمكانات التي تمتلكها القناة، إلى جانب مسلسل آخر يحمل اسم "عسل صافي".وإلى جانب هذه المسلسلات والأعمال الدرامية، هناك عدد آخر، لكنه أقل متابعة، تنوع ما بين كوميدي، واجتماعي، أبرزها مسلسل "حالتي حالة" على قناة "يمن شباب"، ومسلسل "الشطارة في امعمارة"، والذي هو عبارة عن كوميديا تهامية، وكذا مسلسل "على أيش"، وهو دراما عدنية أيضا، وكلاهما بثتهما قناة "السعيدة".

 

دراما حربيةوبالنسبة لإعلام الطرف الآخر، "الحوثيين"، فلم يكن هناك موقع مهم للمسلسلات الدرامية في خارطة القنوات المملوكة لهم، سواء في الفضائية اليمنية بنسختها الحوثية، أو في قنوات المسيرة أو لحظة أو الهوية، وبالنظر إلى ذلك فإنه ليس هناك سوى مسلسل واحد في الفضائية اليمنية يحمل اسم "غربلة".وهذا المسلسل ما هو إلا تكريس درامي لفكر الجماعة وتوجهاتها الطائفية، أي أنه مادة درامية موجهة، تندرج ضمن الإعلام الحربي، وبقالب باهت يفتقر للحرفية الفنية والدرامية أيضا.هذا الحال، مع بضعة أعمال درامية وبرامجية، قدمتها تلك القنوات.



البرامج الساخرة والترفيهية 

 

لم تكن الأعمال الدرامية هي الوحيدة التي ميزت رمضان اليمنيين هذا العام، بل هناك باقة من البرامج السياسية الساخرة، التي غاصت في عمق الحالة اليمنية الراهنة، وحاولت الكشف عن مكامن الخلل والعلل فيها، وبالتأكيد كان على رأس تلك البرامج "عاكس خط" في موسمه الحالي، والذي نال شعبية كبيرة، نظرا لتناوله مواضيع حساسة.

 

وحظي "عاكس خط" الذي يقدمه الإعلامي "محمد الربع" بشعبية كبيرة سواء على شاشة "يمن شباب"، أو على حسابات القناة على مواقع التواصل الاجتماعي، وخصوصا "اليوتيوب"، حيث حصد ملايين المشاهدات.وأثار "عاكس خط"، الجدل أكثر من مرة، منها على سبيل المثال، الحلقة التي انتقد خلالها الرئيس هادي، فضلا عن تسليطه الضوء على الوضع في الجنوب، والكثير من ممارسات وأساليب الحوثيين في التغرير باليمنيين، وتسفيه العقول، وإذكاء نار الفرقة والطائفية والعبث بالأمن الفكري والثقافي وكذا التلاعب بمشاعر اليمنيين.

 

وعن هذا المسلسل يقول الكاتب والناشط "غمدان اليوسفي": "أنا من المتعصبين دوماً لمحمد الربع لأنه يتعب على مادته بشكل غير اعتيادي.

 

وأكد "اليوسفي" في حديثه لـ"المصدر أونلاين"، أن برنامج "عاكس خط"، ما يزال هو الأول على قائمة النقاد الساخرين ولن ينافسه أحد خلال هذا العقد على الأقل.

 

ولفت إلى أن هناك أعمال جميلة درامية وبرامجية جميلة هذا العام، إلا أنه كونه مهاجر ليس لديه الوقت الكافي لمشاهدتها، فالليل – حسب قوله – في بلد المهجر الذي هو فيه، خمس ساعات أو أقل.