Getty

تعرف على البلدة التي تنمو فيها "النقود" على الأشجار

في مايو/أيار 2016، دخل جون ساسفاي، الذي كان قد انتقل مع عائلته إلى بلدة سكاغواي في ألاسكا قبل عام، إلى حانة وطلب لترين تقريبا من جعة براعم التنوب الذهبية، لكنه بدلا من أن يدفع مالا، أخرج في المقابل جوالا به أربعة أرطال من براعم شجرة التنوب.

إذ تستخدم براعم شجرة التنوب، التي تنمو على أطراف أغصان شجرة التنوب الصنوبرية، في بلدة سكاغواي كعملة بديلة للنقود.

وأسس هذه البلدة النائية التي يناهز عدد سكانها ألف نسمة، الباحثون عن الذهب الذين توافدوا بالآلاف على منطقة كلوندايك شمال غربي كندا في أواخر القرن التاسع عشر للتنقيب عن الذهب أثناء ما عرف بـ "حمى الذهب". لكن الكنوز اليوم أصبحت تقتطف من الغابات ولا ينقب عنها في المناجم.

وبينما لا يحصل سكان البلدة على المال مقابل براعم أشجار التنوب التي يجمعونها من الغابات سوى من حانة "سكاغواي بروينغ كو"، فإنهم يقايضونها في المعتاد بسلع أخرى كالمواد الغذائية أو الحطب أو القهوة.

وكان أفراد قبيلة تلينغيت هم أول من استخدموا براعم التنوب في المقايضة في ألاسكا، وكانوا يضيفون هذه البراعم الغنية بفيتامين سي إلى أوراق الشاي قبل وصول المستكشفين البريطانيين بسنوات طويلة. وعندما زار القبطان جيمس كوك ألاسكا في أواخر السبعينيات من القرن الثامن عشر، صنع من براعم الشجرة بيرة لحماية البحارة من داء الاسقربوط الناجم عن نقص فيتامين سي.

ولا تصلح براعم أشجار التنوب للحصاد إلا لمدة أسبوع واحد أو أسبوعين سنويا في فصل الربيع. وتضاف براعم التنوب إلى المشروبات والبهارات والصلصات بسبب فوائدها الصحية، كما أصبحت أيضا عنصرا أساسيا في الكثير من الكريمات اليدوية والمرطبات والمراهم المسكنة للدغات الحشرات، نظرا لخصائصها المضادة للجراثيم.

أسس المنقبون عن الذهب بلدة سكاغواي أثناء ما يعرف بـ مصدر الصورةDESIGN PICS INC/ALAMY
Image captionأسس المنقبون عن الذهب بلدة سكاغواي أثناء ما يعرف بـ "حمى الذهب" في أواخر القرن التاسع عشر

وفي أحد الأسواق المحلية التي نظمتها حانة "ريد أونيون صالون"، التقيت أنماري هاسكامب، صاحبة شركة "غلاسيال ناتشورالز"، للمنتجات الطبيعية المصنوعة يدويا، مثل الشموع والصابون والزيوت التي تحضرها بنفسها من النباتات التي تنمو في المنطقة، وأرتني منتجاتها التي صنعتها من براعم أشجار التنوب، مثل زيوت ترطيب للذقن وبهارات الطهي.

وتقول هاسكامب، إن اقتصاد ألاسكا لا يعتمد على الزراعة، وقد تكون براعم التنوب هي المحصول الوحيد الذي يجمعه السكان لجني الأرباح. وفي ذروة موسم السياحة الصيفي، تستقبل سكاغواي نحو عشرة آلاف زائر يوميا، يأتي معظمهم خصيصا لتذوق المنتجات المصنوعة من براعم أشجار التنوب، مثل البيرة والمثلجات المصنوعة من براعم أشجار التنوب.

وتقول هاسكامب: "إن براعم أشجار التنوب أصبحت بمثابة عملة بديلة، أقطفها من الشجر مجانا بطرق آمنة للحفاظ عليها، وأحولها إلى منتجات غذائية ذات قيمة مضافة".

وتعزو هاسكامب شعبية منتجات براعم التنوب إلى زيادة الترويج للأطعمة المحلية والسلع المصنوعة من ثمار النباتات البرية التي تنمو في سكاغواي. وقد يكون تخزين براعم التنوب مربحا في الأوقات التي تشتد فيها الحاجة إليها، ولا سيما في الشتاء.

براعم التنوب غنية بفيتامين سي، كما تضاف إلى الكثير من الكريمات اليدوية والمرطبات والمراهم التي تخفف لدغات الحشرات، لكونها مضاد طبيعي للجراثيممصدر الصورةROSS KENNETH URKEN
Image captionبراعم التنوب غنية بفيتامين سي، كما تضاف إلى الكثير من الكريمات اليدوية والمرطبات والمراهم التي تخفف لدغات الحشرات، لكونها مضاد طبيعي للجراثيم

وفي الطاولة المجاورة لهاسكامب، كانت تقف إيميلي غريس ويليز، صاحبة "ميدن ألاسكا هيربالز"، وكانت تبيع منتجات مصنوعة من براعم أشجار التنوب مثل كريمات لليدين وعسل صنعته بنفسها لعلاج أطفالها من احتقان الزور. وتقول ويليز: "إن الثمار التي تنمو في البرية ولا يملكها أحد، كالنقود التي تنمو على الأشجار".

وتقول ميندي ميلر، التي عاشت طيلة حياتها في سكاغواي، إن الإقبال زاد كثيرا في السنوات الأخيرة على هذه البراعم. ولاحظت ميلر أن الكثيرين يطلبونها على صفحة للمبادلة على موقع فيسبوك، يعرض فيها سكان سكاغواي مقتنياتهم للبيع أو المقايضة بسلع أخرى.

ويقول أوريون هانسون، عضو في مجلس النواب بولاية ألاسكا، إنه قايض الأسبوع الماضي أخشاب التنوب مع صياد مقابل 10 أسماك سالمون. ويضيف أن هذا النوع من التبادل والاقتصاد القائم على أشجار التنوب يعكس مدى ترابط المجتمع في البلدة.

ويقول هانسون: "أسس هذه البلدة المنقبون عن الذهب الذين يتمتعون بروح المغامرة، وفضلوا البقاء في هذا الوادي الضيق لأنهم شعروا أنهم يرتبطون به. وهذا الارتباط لا يزال موجودا بين أفراد المجتمع".

تستخدم أنماري هاسكامب صاحبة شركة مصدر الصورةROSS KENNETH URKEN
Image captionتستخدم أنماري هاسكامب صاحبة شركة "غلاسيال ناتشورالز"، براعم أشجار التنوب في تصنيع منتجاتها يدويا، مثل زيت ترطيب الذقن وبهارات الطعام

وفي ربيع عام 2007، كانت حانة "سكاغواي بريونغ كو"، تستعد لتصنيع أول بيرة من براعم التنوب، وعندما احتاج العاملون لمساعدة السكان في قطف البراعم، بدأت الحانة في قبول براعم أشجار التنوب كوسيلة للسداد.

وظلت الحانة تدفع أربعة دولارات أو نصف لتر من البيرة مقابل رطل من براعم التنوب حتى عام 2016، حين اكتشف صاحب الحانة أن القانون لا يجيز منح البيرة كتعويض للبائع. ومنذ عام 2017، أصبحت الحانة تدفع خمسة دولارات مقابل الرطل من البراعم.

ويقول تريفور كليفورد، خبير تخمير البيرة بحانة "سكاغواي بريونغ كو"، إن جمع البراعم لا يسهم في بناء المجتمع فحسب، بل يدعم العمال الموسميين أيضا لدى قدومهم إلى البلدة. إذ يتحمس هؤلاء العمال لجمع بعض المال من براعم هذه الأشجار لتعينهم على سداد نفقات المعيشة.

ويشبه كليفورد الأموال التي يحصلون عليها من جمع الثمار بأرباح صندوق ألاسكا الدائم التي توزع سنويا على كل ساكن يقيم في ألاسكا لأكثر من عام، وتبلغ حصة كل ساكن نحو 2,000 دولار.

ويحق لجميع السكان جمع البراعم للاستخدام التجاري من الأراضي التابعة للبلدية، أما متنزه "كلوندايك غولد راش" التاريخي الوطني فلا يحق للسكان أن يجمعوا منه البراعم إلا للاستخدام الشخصي فقط..

يجمع سكان بلدة سكاغواي وزوارها براعم أغصان شجر التنوب من الغابة المجاورة للبلدة ويبيعون الرطل منها لحانة مصدر الصورةMAGEBROKER/ALAMY
Image captionيجمع سكان بلدة سكاغواي وزوارها براعم أغصان شجر التنوب من الغابة المجاورة للبلدة ويبيعون الرطل منها لحانة "سكاغواي بريونغ كو" مقابل خمسة دولارات

لكن عندما حاولت أن أبحث بنفسي عن البراعم بين أشجار الأراضي التابعة لبلدية سكاغواي، عدت منها خالي الوفاض.

وفي طريقي إلى المطار، تحدثت إلى سي دينيس، أحد السكان الأصليين من قبيلة تلينغيت ويبلغ من العمر 71 عاما، وقال: "إن كل شيء في هذه البلدة تغير الآن، ففي الماضي، كنت أجمع كل طعامي من الغابات".

وينصح دينيس الباحثين عن البراعم بالصبر، لأن جمع كمية معقولة منها من الغابة قد يستغرق ساعات. كما نصحهم بأن يتجنبوا البراعم التي لم تنضج تماما أو التي فات آوان نضجها وفقدت التركيز المناسب للسكر، وأن يحرصوا على عدم قطف الكثير من البراعم من شجرة واحدة.

وينبه إلى أن نظام جمع براعم التنوب أصبح جزءا لا يتجزأ من ثقافة البلدة، ويجب الحفاظ عليه للأجيال المقبلة.

ويقول دينيس: "إن جدي وجدتي ربياني علي أن أحافظ على الأرض حتى تستفيد منها الأجيال القادمة".