أثار مشروع قانون مَنح الجنسية المصرية للأجانب اهتمام وسائل الإعلام، وسط حديث عن أن منح الجنسية سيكون مقابل 10 آلاف دولار.
لكن مصادر مطلعة قالت لـ»عربي بوست» إن تفاصيل مشروع قانون الجنسية المصرية تشير إلى أن الأمر قد لا يقتصر على دفع هذا المبلغ فقط.
هناك عدة أمور يجب الالتفات إليها في هذه القضية
أولاً: أن هذا مشروع قانون وافقت عليه لجنة الدفاع والأمن القومي، ولكن مجلس النواب المصري لم يقره بعد، وإن كان يُفترض التصويت عليه في جلسة عامة، مع ملاحظة أن لجنة الدفاع والأمن القومي لجنة ذات طبيعة خاصة تجعلها الأكثر قرباً إلى الأجهزة الأمنية.
ثانياً: أن العشرة آلاف دولار المذكورة في التقارير التي تناولت المشروع، يبدو أنها ليست ثمن الجنسية، بل هي مبلغ يُدفع مع تقديم طلب التجنس فقط.
ثالثاً: أن مشروع القانون يُلغي ما يُعرف بالإقامة بوديعة، وهي فئة موجودة في القانون الحالي تسمح للأجانب بالبقاء في مصر فترة زمنية مقابل وديعة مالية تؤول إلى الدولة.
تفاصيل مشروع قانون منح الجنسية المصرية للأجانب
كانت لجنة الدفاع والأمن القومي في مجلس النواب المصري قد وافقت مساء الأحد 9 يونيو/حزيران 2019، على تعديلات قانونية تسمح بمنح الجنسية للأجانب مقابل الاستثمار، وذلك قبيل عرضها على الجلسة العامة للبرلمان لمناقشتها، والتصويت عليها.
ونقلت تقارير إعلامية عن رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي في البرلمان، كمال عامر، أن المادة الثانية من مشروع القانون حددت شروط منح الجنسية.
رئيس الوزراء هو الذي يمنح الجنسية.. وهذه هي الشروط الأساسية
ونصَّت المادة الثانية على أن من سلطة رئيس مجلس الوزراء منح الجنسية لكل أجنبي اشترى عقاراً مملوكاً للدولة أو لغيرها من الأشخاص الاعتبارية العامة، أو أنشأ مشروعاً استثمارياً، وفقاً لأحكام قانون الاستثمار، أو أودع مبلغاً بالعملة الأجنبية، وذلك على النحو الذي يصدر بتنظيمه قرار من رئيس مجلس الوزراء.
وسيتم تأسيس وحدة بمجلس الوزراء تفحص طلبات التجنس المُقدمة، تضم في عضويتها ممثلين عن وزارات الخارجية والداخلية والاستثمار والتعاون الدولي والجهات الأمنية المعنيَّة.
ونقلت مواقع إعلامية مصرية عن اللواء كمال عامر، قوله إن المشروع يهدف إلى منح الجنسية مقابل الاستثمار، وهو ما ينعكس على تحقيق التنمية الاقتصادية، ويحافظ على مقدرات الدولة، مع تحقيق الأمن القومي.
والآلاف الـ10 ليست ثمن الجنسية فقط، فهل تكون رسوماً مبدئية؟
وينص المشروع على تقديم طلب التجنس في مقر الوحدة أو على موقعها الإلكتروني، بعد سداد مبلغ 10 آلاف دولار أو ما يعادلها بالجنيه المصري، وتفحص الوحدة الطلب في موعدٍ أقصاه ثلاثة أشهر من تاريخ تقديمه، مع مراعاة اعتبارات الأمن القومي.
وفي حالة الموافقة المبدئية على طلب رئيس مجلس الوزراء، يُمنح طالب التجنس الإقامة المؤقتة في مصر مدة 6 أشهر، لاستكمال الإجراءات والبيانات المطلوبة.
ولم يحدد البرلماني المصري مصير الـ10 آلاف دولار فقط وهل ترد لصاحبها في حال رفض طلبه، وهل تضاف إليها مبالغ بعد الموافقة على منح الجنسية أم لا.
ولكن مصدراً مطلعاً قال لـ «عربي بوست»، إن هذا المبلغ قد يكون مبلغاً مبدئياً، يعقبه دفع أموال أخرى.
اللافت أن المادة الرابعة من المشروع تقضي بإلغاء المادة الـ10 المتعلقة بتعريف الأجانب ذوي الإقامة بوديعة.
وكان البرلمان المصري وافق، في يوليو/تموز 2018، على تعديلات قانونية تسمح بمنح الجنسية للأجانب الذين يقومون بإيداع وديعة نقدية بقيمة سبعة ملايين جنيه (392 ألف دولار) على الأقل، تؤول إلى خزانة الدولة بعد خمس سنوات.
هل هناك علاقة بين مشروع القانون والحملة ضد السوريين؟
واللافت أيضاً أن مشروع القانون تزامن مع جدل أُثير بعد بلاغ قدمه المحامي المصري سمير صبري إلى النائب العام، يطالبه باتخاذ الإجراءات القانونية للكشف عن مصادر أموال السوريين اللاجئين في مصر، بحسب ما ذكرته صحيفة «اليوم السابع» المصرية.
وأثارت الدعوى، التي رفعها صبري الذي يُنظر إليه على أنه مقرَّب من الأجهزة الأمنية، حملة تعاطف ومساندة كبيرة معهم على مواقع التواصل الاجتماعي.
وأشار صبري إلى أن إحصاءات -لم يذكر مصدرها ومن أجراها- قدَّرت «حجم استثمارات رجال الأعمال وأصحاب رؤوس الأموال السوريين، الذين انتقل معظمهم للإقامة في مصر بعد بدء الأزمة السورية، بـ23 مليار دولار، مستثمرٌ معظمها في عقارات وأراضٍ ومصانع ومطاعم ومحلات تجارية وغيرها».
وأبدى مخاوفه بشأن مصادر هذه الأموال، متسائلاً عما إذا كانت «كل هذه الأنشطة والأموال والمشروعات والمحلات والمقاهي والمصانع والمطاعم والعقارات خاضعة للرقابة المالية، والسؤال عن مصدرها، وكيفية دخولها الأراضي المصرية، وكيفية إعادة الأرباح وتصديرها مرة أخرى».
وبالنسبة لكثير من السوريين الأثرياء، فإن مثل هذا القانون قد يوفر لهم السبل للحصول على الجنسية المصرية والنأي بأنفسهم عن احتمالات الترحيل أو مشكلات الإقامة.
ولكن لم تُعرف بعدُ المحاذير الأمنية التي سيتحدد بناء عليها منح الجنسية.
غير أنه بصرف النظر عن الأحاديث المتكررة عن ثراء السوريين في مصر، فإن أغلبهم يشاركون المصريين الظروف المعيشية الصعبة.
إذ ذكرت وكالة رويترز، في أبريل/نيسان 2019، أنه وفقاً لبيانات غير منشورة، اطلعت عليها الوكالة ومستمدة من مسح أجرته المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وشمل أكثر من 100 ألف سوري- فإن أكثر من 77 بالمئة من الأسر السورية في مصر كانت تعاني الديون في 2017، ارتفاعاً من 73 بالمئة في عام 2016.
وتفيد إحصائيات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بأن عدد السوريين المقيمين بمصر والمسجلين لديها يبلغ 130 ألفاً، في حين تتحدث التقارير الحكومية المصرية عن أن عددهم يتراوح بين 250 ألفاً و300 ألف سوري.
ومنذ مساء الأحد 9 يونيو/حزيران 2019، ينتشر هاشتاغ (وسم) «السوريين منورين مصر»، ليتصدَّر مرتبة متقدمة في قائمة التغريدات الأكثر تداولاً بمصر.
وأعرب مصريون عن دعمهم للسوريين الذين يعيشون في بلدهم، مشيدين بالاستثمارات التي جلبوها وباندماجهم مع المجتمع المصري، وانتقدوا دعوى المحامي سمير صبري.
وكتب الفنان أحمد السعدني: «السوريين ليهم في مصر زي المصريين».