حنوني ومظفر

"حنوني ومظفر".. تعرف على قصة مُلْهمة لشابين بإحدى مدن اليمن الأثرية (صور)

كمال السلامي- المصدر أونلاين

في مدينة "حبابة"، ولدت قصة الشابين "حنوني ومظفر"، تلك القصة التي شذّت على قاعدة الإحباط والحزن التي باتت تخيم على اليمنيين منذ أربع سنوات، لترسم البسمة في شفاه الكثير، وتزرع الأمل في أن بذرة اليمن العظيم، لا تزال قابعة في عمق كل إنسان ولد على هذه الأرض.

 

بدأت هذه القصة، مع إصابة الشاب "حنوني علي حنوني"، بمرض الكبد، بعد فترة قصيرة من زواجه، ذلك الشاب الباسم الذي أحبه كل أبناء منطقته "حبابة"، التي يحلوا لأبناءها وصفها بالمدينة، نظرا لحجمها وتعداد سكانها، والتي تعتبر أيضا من المدن التاريخية القديمة.

 

سائت حالة "حنوني" البالغ من العمر ( 27 عاما)، وأصبح قاب قوسين أو أدنى من الموت، ولم يعد أمامه سوى حل واحد، بالنظر إلى الوضع الذي تعيشه اليمن حاليا، يبدو في حكم المستحيل، لكنه لم يكن كذلك، على الأقل في مدينة "حبابة" الواقعة قرب شبام وكوكبان بمحافظة عمران، شمال غرب العاصمة اليمنية صنعاء، وكان هذا الحل هو زراعة "كبد" لإنقاذ حياته.

 

لم يجزع "حنوني" أبداً، ولم يتخلَّ عن ابتسامته، وظلّ محتفظا بيقينه وثقته بالله، رغم أن التعقيدات التي كانت ماثلة أمامه، تجعل من مسألة زراعة الكبد شبه مستحيلة، أولاً نظرا للتكلفة المادية الضخمة، والتي تتجاوز "40 مليون ريال يمني" أي (72 ألف دولار تقريبا)، وثانيا، لصعوبة العثور على متبرع مناسب بالكبد، إلى جانب صعوبات التوجه للخارج في ظل حالة الحرب التي ألقت بضلالها على كل جوانب حياة اليمنيين، وجعلت من رحلة البحث عن العلاج في الخارج أشبه بخوض معركة بدون سلاح.

 

لم يكن "حنوني" يتنفس برئته، بل كان يتنفس برئة مدينة "حبابة" بأكملها، وكانت المدينة بأكملها تتنفس برئة "حنوني"، وتعيش أوجاعه وأحاسيسه، وتستجيب لتفاؤله وثقته، فلقد استنفرت المدينة نفسها، وأصبحت مهمة إنقاذ "حنوني"، مسألة تخص جميع سكان المدينة البالغين ( قرابة 13 ألف نسمة)، وصار الجميع يعمل كخلية نحل لتذليل الصعاب لكي يمنحوا "حنوني"، حياة جديدة، ولكي يحافظ هو على ابتسامته، وثقته التي لم تفارقة.

 

وسريعا، تولت مدينة "حبابة" عبر جمعيتها جمع المبلغ حتى أصبح جاهزا، وبقيت مهمة الحصول على متبرع مناسب، وذهب أبناء حبابة وخصوصا الشباب، إلى مركز الفحص الطبي طوابير، إلى أن وقع الاختيار على الشاب "مظفر المظفر"، الذي أبدى فرحة منقطعة النظير حينما علم أنه سيكون سببا في بقاء صديقه ورفيقه "حنوني" على قيد الحياة، وبعد أن توفر المال، والمتبرع، بدأت صعوبات الطريق والسفر إلى الخارج لإجراء العملية، والتي فعلا نجحت، وعاد على إثرها "حنوني" ورفيقه "مظفر" في رمضان الفائت، من الخارج إلى "حبابة" التي استقبلتهم بحشود غير مسبوقة، حيث خرج أبنائها قاطبة لاستقبالهما والتعبير عن سعادتهم البالغة بنجاح العملية، وبرؤية ثمار التضحية يانعة أمامهم.

 

ثقة بالله وامتنان

 

في حديثه لـ"المصدر أونلاين"، يسرد الشاب "حنوني علي حنوني"، الصعوبات التي واجهته منذ بداية مرضه، والتي كان أبرزها إيجاد المتبرع الملائم، وكذا توفير تكاليف إجراء العملية.

 

يقول "حنوني": "انزاح هم توفير المبلغ سريعا، بفضل الشيخ حسين ابن حسيني الحبابي، الذي قال لي بالحرف: لا تقلق يا حنوني، ستعمل العملية والجمعية ستتكفل بتكاليفها مهما كانت"، في إشارة إلى "جمعية الفجر" التي يرأسها الشيخ حسين الحبابي، وتضم جميع أبناء مدينة "حبابة".

 

وأشار "حنوني"، إلى أن أبناء حبابة جميعهم وعبر "جمعية الفجر"، وقفوا بجانبه من خلال التبرع بقرابة 40 مليون ريال، لإجراء العملية، كما أن الجمعية كانت المساهم الرئيس في توفير المبلغ.

 

وأضاف أن قيادة وأعضاء "جمعية الفجر" ظلوا على تواصل مستمر معه ومع رفاقه الذين ذهبوا للخارج لإجراء العملية طيلة الخمسة الأشهر، حتى وهم في غرفة العمليات كانت اتصالاتهم مع الأطباء والمستشفيات والمرافقين لا تتوقف.

 

يقول "حنوني" لـ"المصدر أونلاين" عن أبناء حبابه: "لن أنسي وقوفهم بجانبي بدعائهم بمساهمتهم بتشجيعهم باتصالاتهم بالدعاء لي بعد كل صلاه في كل مساجد المدينه وفي صلاة الجمعة، وفي الحقيقة أنا عاجز كليا عن التعبير عن مشاعري نحوهم".

 

وأكد "حنوني" أنه شفي تماما من مرض تليف الكبد، مشيرا إلى أن "كبده" كانت تتدهور حالتها كل يوم، حتى جرى استئصالها كليا، وزراعة كبد تبرع بها صديقه "مظفر"، وفعلا نجحت العملية.

 

لم يجد "حنوني"، كلمات لوصف امتنانه لصديقه "مظفر" الذي تبرع له من كبده، مؤكدا أن "مظفر أصبح جزءً منه"، مضيفا: "لا أستطيع حقا أن أصف أخي مظفر، فهو أخي الذي لم تلده أمي، وهو أغلى عندي من روحي، هو أخي الذي أعطاني كبده ولم يتردد ثانية واحدة، هو أخي بل أكثر من أخي، هو حنوني وأنا مظفر، ولن أستطيع أن أجازيه مهما فعلت".

 

كما أبدى "حنوني"، امتنانا كبيرا لأهله وعشريته وأبناء حبابة كلهم، وعلى رأسهم رئيس وأعضاء جمعية الفجر الاجتماعية الخيرية، التي كانت الداعم الرئيسي، وهي الجمعية التي تضم جميع أبناء مدينة حبابة.

 

يقول "حنوني"، إنه عاجز عن وصف شعوره، وأن الكلمات لا تسعفه لذلك، فهو كما قال، رجع إلى الحياة، بعد أن كان في عداد الموتى، مضيفا: "الحمد لله الذي أحيانا بعد أن أماتنا"، مؤكدا أن ثقته بالله وبأنه سيختار له الخير، هو ما جعله مبتسما في أشد الظروف التي مر بها، داعيا شباب اليمن إلى الاقتداء بحبابة وأبنائها.

 

سعادة رؤية ثمرة التضحية

 

أما الشاب "مظفر المظفر" ( 23عاما)، والذي تبرع بكبده لصديقه "حنوني"، فأظهر سعادة كبيرة، وهو يرى صديقه الذي شارف على الموت، وقد عاد مقبلا على الحياة، بفضل تضحيته.

يقول "مظفر"، لـ"المصدر أونلاين"، إنه وبعد نجاح العملية، يعتريه شعور لا يوصف من الراحة والطمأنينة الممزوجة بالفرح والسعادة.

 

ويسرد "مظفر"، بعضا من الصعبوات التي واجهتهم خلال رحلة إجراء العملية، إلى جانب ما ذكره صديقه "حنوني"، لافتا إلى أن أشد تلك الصعوبات كان الظروف التي تمر بها اليمن، والتي تسببت في إغلاق مطار صنعاء، مشيرا إلى أن رحلتهم إلى مطار سيئون بمحافظة حضرموت استغرقت 15 ساعة لمسافة 720 كيلو متر تقريبا مليئة بنقاط التفتيش الكثيرة، ناهيك عن صعوبات استخراج جوازات السفر بسبب التعقيدات التي أفرزتها الحرب.

 

الشاب "مظفر"، بدا ممتن جدا لأبناء مدينة "حبابة"، مؤكدا أنهم السند الحقيقي، ومنهم استمد هو و"حنوني"، القوة والشجاعة لإكمال الطريق حتى نجاح العملية والعودة سالمين إلى أرض الوطن.

يقول "مظفر" لـ"المصدر أونلاين": "نحن في مدينة حبابة نشئنا وتربينا منذ نعومة أظافرنا علي الحب والتعاون والتعاضد والمشاركه في كل أفراحنا وأتراحنا، ونشأنا ونحن نرى أبائنا وأجدادنا متعاونين مع بعضهم البعض في الزراعة والحصاد وفي أي مشاكل يتعرض لها أحد أبناء مدينتنا حبابة".

 

ويضيف أن الرغبة في الإيثار والحب والمودة التي تربا عليها هو وأقرانه هي التي دفعته للتبرع بكبده لـ"حنوني"، مشيرا إلى أنه جرى اختياره بعد إجراء الفحصوات اللازمة ليكون المتبرع، مؤكدا أن الكثير من أبناء حبابه ذهبوا لإجراء الفحصوات للتبرع إلا أن النتائج لم تتطابق.

 

يتحدث الشاب "مظفر" لـ"المصدر أونلاين"، عن دور أبناء حبابه في إجراء العملية لصديقه "حنوني"، لافتا إلى أن جمعية الفجر التابعة لأبناء المدينية، والتي يرأسها الشيخ الحبابي كانت هي المتكفل الرئيس بجمع التبرعات للعملية، كما جرت العادة أن تكون هي الجعة التي ترعى الأعمال الخيرية في المدينة، وتنسيق التعاون بين أبناءها.

 

وأشار إلى أن من مظاهر التعاون الأعراس الجماعية التي تتم برعاية الجمعية كل عام، حيث يتم إقامة أربعة وأحيانا خمسة أعراس، للعشرات من أبناء المدينة، إلى جانب أن 99 بالمائة – حسب قول "مظفر" من المشاريع التي يتم تنفيذها في مدينة "حبابة" تتم بتمويل من أبناء المدينة أنفسهم، بما في ذلك مشاريع المياه والكهرباء، ورصف الطرق والمجاري، كما تشرف جمعية الفجر التابعة لأبناء حبابة بإنشاء صالة أفراح ومناسبات تتسع لأكثر من 3 آلاف شخص.

 

وأعرب عن شكره لأبناء مدينته ولجمعية الفجر وهيئتها الإدارية وعلى رأسها الشيخ حسين ابن حسين الحبابي، داعيا أبناء اليمن إلى التكاتف والتماسك، وحينها ستنتهي كل الخلافات التي تسببت في هذه الحروب والنزاعات.

 

استقبال مهيب

 

وبعد نجاح العملية وعودة "حنوني ومظفر" إلى أرض الوطن، كان أبناء مدينتهم في انتظارهم بحشود منقطعة النظير، حيث عمّت الفرحة المدينة، وسار موكب الشابين بمئات السيارات لتعكس صورة جميلة للإنسان اليمني الطيب الذي يهب لنجدة أخيه، ويبتهج لخروجه من المحنة، ويسعى جاهدا لجعل السعادة والبهجة موسما ينعم به الجميع.

 

تجدر الإشارة إلى أن مدينة "حبابة" تقع في محافظة عمران وفق التقسيم الإداري، وتبعد عن العاصمة صنعاء، قرابة 45 كيلو إلى الشمال الغربي، ويبلغ عدد سكانها أكثر من 13 ألف نسمة، وهي مدينة قديمة يعود تاريخها إلى ما قبل الإسلاح، وتحتوي على العديد من المعالم الأثرية، أهمها السور القديم، وكذا المساجد القديمة والبرك الواسعة، والمباني الأثرية القديمة.