مدثر النور أحمد- عربي بوست
خلال الأسبوع الماضي، أعلنت جوجل أنها ستتوقف عن العمل مع شركة هواوي الصينية، المصنعة للهواتف الذكية. وبعد إعلان جوجل عن حظر هواوي حذت شركات أخرى حذوَها بطريقة أو بأخرى، بما في ذلك Qualcomm وIntel وMicrosoft وحتى Arm.
في واقع الأمر، إن الحرب التجارية الأمريكية الصينية كانت مرشحة للتصاعد بصورة كبيرة، بالنظر للمواقف المتشدِّدة لدى الطرفين، خاصة الطرف الأمريكي، الذي رأى في حظر الشركة النشطة جداً في مجال تقنية اتصالات الجيل الخامس مسألة أمن قومي، وذلك لسمعة الشركة الصينية المرتبطة بالحزب الحاكم في دولة الصين.
ولكن هل سيؤثر هذا الحظر على نظام التشغيل أندرويد ككل؟ في حقيقة الأمر قد ينظر كثير من الناس إلى حظر هواوي هذا، ويقولون: «أنا لا أمتلك هاتفاً من هواوي في الأصل، ولا أخطط أبداً لشراء واحد، لذلك هذا الحظر لا يؤثر عليّ».
ولكن الحقيقة المرة هي أن حظر هواوي هذا يؤثر علينا جميعاً، وإذا استمر فإن الآثار الجانبية السلبية يمكن أن تُسبب بعض الأضرار الجسيمة لعالم أندرويد.
مَن الرابح بعد هذا الحظر؟
عندما أعلنت جوجل عن حظر هواوي كان من السهل الاعتقاد بأن هواوي وليس جوجل هي التي وقعت مشكلة خطيرة، فإن جوجل لا تجني أموالاً كبيرة من الصين -على الأقل بشكل مباشر- نظراً لأن منتجات جوجل غير موجودة أساساً في البلاد.
ومع ذلك، تمتلك جوجل الكثيرَ من الأموال المستثمَرة في الصين، بما في ذلك منشأة بحثية لتقنية الواقع الافتراضي، أعلنت عنها في نهاية عام 2017. ويعتبر مشروع Dragonfly أحد المشاريع الطموحة لجوجل في عودة محرك بحثها للصين مجدداً.
لكن بعد هذا الحظر لهواوي، يمكنك الرهان على أن جوجل لن تكون موضع ترحيب كبير في الصين، مما سيؤدي بلا شك إلى وضع خططها المالية في دوامة الرهانات غير المتوقعة.
ولدى كل من Intel وQualcomm وBroadcom وMicrosoft وغيرها من المؤسسات الأمريكية موارد مالية مرتبطة بشركة هواوي بطريقة ما، وبالتالي فإن حظر هواوي يعني أن التدفق النقدي قد يتعرض للاختناق، وهو ما سيؤثر على الجميع.
هل يمكن أن يظهر منافس جديد لأندرويد؟
منذ فترة طويلة والأخبار تقول إن الشركة بالفعل تمتلك «Plan B» فيما يتعلق بنظام التشغيل أندرويد، وتشير الشائعات إلى أن نظام التشغيل الذي يحمل علامة هواوي يشغل تطبيقات أندرويد، ومن المتوقع أن يُطلق في وقت مبكر من هذا العام.
ولكن هل سيكون نظام التشغيل الجديد هذا جيداً؟ ربما لا، على الأقل في البداية. فإذا أخذنا في الاعتبار أن نظام أندرويد يتمتع بتاريخ تشغيل مباشر لمدة عشر سنوات على شركة هواوي، وبالتالي ربما لا يكون نظام تشغيل خارقاً منذ الوهلة الأولى، وإذا كنت بحاجة إلى دليل على مدى احتمال أن يكون نظام التشغيل الخاص بشركة هواوي سيئاً للغاية، فما عليك سوى النظر إلى حقيقة أننا لم نره من قبل، فقد اعتمدت هواوي على نظام أندرويد لسنوات، لأنه، بصراحة، من المحتمل أن يكون أفضل نظام تشغيل للهواتف المحمولة متوفر في الساحة حتى الآن.
لذلك إذا تطوَّرت الأمور وتم حظر هواوي بالكامل من الاعتماد على نظام التشغيل أندرويد، فلن يكون أمام الشركة أي خيار سوى الدخول في نظام التشغيل الخاص بها، ولكن هواوي لن تتوقف عن صنع الهواتف الذكية.
وبالتأكيد لن يحدث هذا بين عشية وضحاها، ولكن نظام التشغيل من هواوي سيكون في النهاية تهديداً لهيمنة نظام أندرويد. حتى لو كان تهديداً اسمياً في البداية، فسوف ينمو هذا التهديد بسبب القوة الصناعية لشركة هواوي جنباً إلى جنب مع دعم الصين نفسها. هذا شيء لا يمكنك نسيانه، فخلاصة الأمر: ترتبط هواوي والصين ارتباطاً وثيقاً، إلى حدِّ أنَّ المعركة مع أحدهما دائماً هي أيضاً معركة مع الآخر.
هل يمكنك أن تتخيل كيف سيكون الحال لو كان هناك نظام تشغيل للهاتف المحمول مدعوم من الدولة، يتم دفعه إلى حوالي 1.4 مليار مواطن في الصين؟ هذا جزء كبير من سكان العالم، الذين لم يعودوا يستخدمون أندرويد الآن. حتى لو كان نظام التشغيل خارقاً فسيكون الأمر مسألة وقت فقط، قبل أن يكون منافساً ثابتاً لنظام أندرويد.
قد يقول البعض إن المنافسة في عالم أنظمة تشغيل الهواتف المحمولة مرحب بها؛ لأنها ستدفع نظام أندرويد إلى أن يكون أفضل بكثير. ولكن لا تنس أن هناك العديد من أنظمة التشغيل قد ظهرت على مدار العشرين عاماً الماضية، نعم لم تنافس أندرويد بشكل جدي، ولكن أثبتت أن توقع ظهور منافس لأندرويد يمكن أن يحدث بشكل كبير، أنا لا أقول بأي حال من الأحوال إن نظام تشغيل هواوي هذا سوف يقتل نظام أندرويد، أنا فقط أشير إلى أن نظام تشغيل هواوي المتوقع، من المرجح ألا يكون من نوع المنافسة التي تجعل نظام أندرويد أفضل.
هواوي أكبر من أن تفشل
فكّر مرة أخرى فيما قلته سابقاً حول كيفية ارتباط كل من هواوي والصين، بحيث تكون قابلة للتبادل تقريباً. هذا، بطبيعة الحال، أحد الأسباب الرئيسية التي جعلت الولايات المتحدة وشركاتها تحظر التعامل مع الشركة الصينية في المقام الأول.
تعتبر هواوي بالفعل ثاني أكبر منتج للهواتف الذكية في العالم، كما أنها بالفعل أكبر شركة اتصالات في العالم، عندما تجمع بين هذا النوع من النسب والدعم المخلص من الحكومة الصينية إلى الأبد، يكون لديك تعريف واضح لمقولة: «أكبر من أن تفشل».
من المؤكد أن حظر هواوي هذا سيكون بداية لشيء يشبه الحرب الباردة، لقد رأت الصين بالفعل الولايات المتحدة كعدو، ربما ليس عدواً في الحرب ولكن هي بالتأكيد تهديد، هذا قد يدفع هذه الديناميكية إلى أبعد من ذلك.
ستُحارب الصين بأسنانها وأظافرها للدفاع عن هواوي، هذا أمر مؤكد. هل ستفعل الحكومة الأمريكية الشيءَ نفسه عندما يتعلق الأمر بشركات مثل جوجل أو كوالكوم؟ بالتأكيد لا، على الأقل ليس في نفس المستوى. إن حظر هواوي هنا يتعلق بالحكومة الأمريكية مقابل الصين، وهذا يضع الشركات الأمريكية في موقف مخيف للغاية في الوسط. إذا كنت لا تعتقد أن هذا سيؤثر على عالم أندرويد فعليك بمراجعة حساباتك، حتى لا تتفاجأ مستقبلاً.
هل يستحق الأمر كلَّ هذا التصعيد؟!
من السهل جداً وجود آراء متضاربة حول شركة هواوي، أعتقد أن الشركة تصنع بعض الهواتف الذكية الاستثنائية حقاً، لكننا نعلم أيضاً أن لديها تاريخاً من بعض الممارسات التجارية المشبوهة بشكل لا يُصدَّق. ربما تحاول ألا تنفق أموالك على الشركات التي تتمتع بسمعة أخلاقية سيئة، لكن بعض منتجاتها مغرية إلى حدٍّ ما، عليك الاعتراف بذلك.
ومع أخذ ذلك في الاعتبار، ربما تكون موافقاً ولو جزئياً على حظر هواوي؛ لأن هذا يشبه إلى حدٍّ ما وقوف الولايات المتحدة وقولها لبقية العالم: «أنا ضد التعدي على خصوصية الآخرين، ولذلك يجب حظر الشركات التي تفعل ذلك، وأنتم أيضاً عليكم فعل الأمر نفسه».
ولكن من ناحية أخرى، فإن الولايات المتحدة وشركاتها، بما فيها جوجل، ليس لديها تاريخ نظيف أو سمعة برّاقة فيما يتعلق بالتعدي على خصوصية الآخرين، لذلك ليس من الصعب رؤية بعض النفاق في حظر شركة هواوي على الأعمال التي تتجاهلها الولايات المتحدة عندما ترتكبها هي.
فإذا كان الموقف الأخلاقي لحظر هواوي هذا غامضاً في أحسن الأحوال، فإن السؤال يصبح فيما إذا كان الأمر يستحق ذلك أم لا، يجب أن ننتظر ونرى كيف تتعامل هواوي مع هذا الحظر لمعرفة إجابة هذا السؤال.