في الوقت الذي ترمي فيه قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، منذ أكثر من 70 يوما بكامل ثقلها للسيطرة على العاصمة الليبية طرابلس، تتلقى عدة ضربات خاطفة على خاصرتها الرخوة والهشة أمنيا في الجنوب.
فمنذ بداية هجوم طرابلس، في 4 أبريل/ نيسان الماضي، تعرضت قوات حفتر لعدة هجمات في الجنوب، شملت مدينة سبها (750 كلم جنوب طرابلس)، مركز إقليم فزان، وقاعداتها الجوية بتمنهنت (نحو 45 كلم شمال شرق سبها).
كما شهدت مدينة مرزق، أقرب مدينة كبيرة للحدود التشادية، اشتباكات دامية خلال أيام العيد (ما بين 4 و6 يونيو/حزيران الجاري)، فيما نزح 75 بالمئة من سكان بلدة غدوة، جنوب سبها، بعد تعرضها لعدة هجمات.
بينما جاءت فيضانات بلدة غات، في أقصى الجنوب الغربي على الحدود مع الجزائر، لتزيد الوضع بلة، بسبب العجز في مواجهة الكوارث الطبيعية ناهيك عن تردي الوضع الأمني.
وسيطرت قوات حفتر، على بلدات الجنوب الغربي في عملية عسكرية خلال فبراير/شباط ومارس/آذار 2019، لكنها تواجه هجمات لقوات حماية الجنوب التابعة لحكومة الوفاق، بقيادة علي كنة (من الطوارق)، وكتائب التبو، المدعومين من المعارضة التشادية المسلحة، وكذلك من تنظيم "داعش" الإرهابي، المتمركز في جبال الهروج، وسط الصحراء الليبية (محافظة الجفرة)، والذي وجد في الفوضى الأمنية بالجنوب فرصة لتكثيف هجمات في المنطقة.
وفي هذا الصدد، أشار أحمد المسماري، المتحدث باسم قوات حفتر، بمؤتمر صحفي، في 12 مايو/أيار الماضي، إلى أن "داعش، تحرك خلال الفترة الماضية في الصحراء، في الجنوب الغربي، وتحديدا في مدينة سبها، بمنطقة غدوة و(بلدة) أم الأرانب، بالإضافة إلى مدينة مرزق و(بلدة) وادي عتبة (شمال غرب سبها)".
وبالنظر إلى اشتداد الضربات على قوات حفتر في الجنوب، اضطرت إلى سحب كتيبة خالد بن الوليد، التي يقودها الشيخ السلفي يوسف التباوي، من جبهات القتال في طرابلس، للتوجه إلى مرزق، في أقصى الجنوب لصد الهجوم الذي شنته كتائب التبو المدعومة من المعارضة التشادية على المدينة، والذي خلف مقتل 20 شخصا على الأقل خلال ثلاثة أيام من الاشتباكات في شوارع المدينة، التي أخذت طابعا قبليا وانتقاميا.
ومن الطبيعي أن يكون أي سحب لقوات من جبهة القتال تأثير على سير المعركة في طرابلس، خاصة على صعيد معنويات القوات المهاجمة، وإعادة توزيع الرجال والسلاح على محاور القتال، لسد فراغ أي قوة منسحبة.
فأول هجوم تعرضت له قوات حفتر، منذ هجومها على طرابلس، كان في 18 أبريل، عندما سيطرة قوة حماية الجنوب، التابعة لحكومة الوفاق، على قاعدة تمنهنت الجوية، واستولت على 15 آلية وذخيرة كانت متوجهة إلى جبهات القتال في طرابلس، قبل أن تنسحب منها.
وفي 4 مايو، هاجم مسلحون من "داعش"، سجن ومركز تدريب عسكري في سبها، للكتيبة 160 التابعة لحفتر، وقتلت 10 جنود، وأطلقت سراح 200 سجين من بينهم عناصر من التنظيم الإرهابي.
وبعد 5 أيام من ذلك الهجوم، هاجم "داعش"، بلدة غدوة، وقتل 3 أشخاص، وأحرق المجلس البلدي للمدينة، وعددا من المنازل.
وفي نفس اليوم أعلنت قوة حماية الجنوب، سيطرتها على قلعة سبها (جنوب المدينة التي تحمل نفس الاسم)، وطردها لعناصر داعش من "غدوة"، في ظل غياب لقوات حفتر، التي أعلنت قبل نحو شهرين من ذلك سيطرتها على المنطقة، تعرضت خلالها لثلاث هجمات على الأقل من "داعش"، مما دفع 75 بالمئة من سكانها للنزوح إلى سبها، حسب منسق إغاثة ونازحي منطقة غدوة "محمود أبوعزوم".
فقوات حفتر لا تهتم كثيرا إلا بالمناطق التي توجد بها حقول نفط، مثل حقلي الشرارة والفيل، بالقرب من مدينة أوباري (جنوب غرب)، لكن البلدات التي لا تمثل أهمية اقتصادية أو عسكرية على غرار غدوة، فتترك في مواجهة مصيرها.
وبمحافظة الجفرة (وسط) تشن عناصر "داعش" هجمات متفرقة على بلدات بالمنطقة على غرار زلة، التي يوجد بها حقل نفطي، وبلدة الفقهاء القريبة من قاعدة الجفرة الجوية.
ففي 18 مايو، هاجم عناصر من "داعش" منطقة بالقرب من حقل زلة النفطي، وذبحوا اثنين من الحراس، وخطفوا 4 آخرين، وبعد أيام أعلنت قوات حفتر أنها طاردت عناصر داعش، وقتلت 25 منهم بين منطقتي زلة والفقهاء، وخسرت أحد عناصرها.
وقبلها قتلت عناصر داعش، أحد عناصر الحرس البلدي في الفقهاء، ورئيس المجلس المحلي أحمد ساسي، في 9 أبريل، أي بعد خمسة أيام فقط من هجوم حفتر على طرابلس.
واستمرار أمد المعارك في طرابلس، من شأنه أن يؤجج الصراع بين المكونات القبلية في الجنوب الليبي، خاصة بين قبائل التبو وقبائل أولاد سليمان العربية والطوارق.
لكن الأخطر من ذلك استغلال "داعش" الوضع الأمني الهش لإقليم فزان، لتكثيف هجماته على سكان المنطقة، خصوصا وأن قوات حفتر تعاني من تباعد بلدات الجنوب، وطول خطوط الإمداد، وتشتت كتائبها في مناطق شاسعة مما يسهل استهدافها في هجمات خاطفة.
يضاف إلى ذلك أن "داعش" غيّر تكتيكه القتالي من السيطرة على المدن والمناطق الصحراوية الشاسعة إلى حرب العصابات واستعراض قوته في البلدات النائية، والانسحاب منها سريعا، لتفادي الخسائر البشرية.