الشعور بالخجل عند التعامل مع الآخرين أو عند الاختلاط بشكل عام أمر مزعج له أسباب علمية مرتبطة بالعامل الوراثي وأيضاً بأسلوب التربية وبيئة النشأة، فهل هناك خطوات يمكن أن يتبعها الشخص الخجول للتغلب على خجله وعدم تحوله إلى رهاب مرضي من الاختلاط؟
هل تشعر بالتوتر الشديد عند مواجهة الآخرين؟
لو كانت الإجابة بنعم، فلا تقلق حيث أنك لست وحدك، بحسب تقرير نشرته هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي تناولت فيه الظاهرة الاجتماعية من ناحية العلم، وكان السؤال الأول هو هل يرجع السبب الرئيسي وراء الخجل إلى أسلوب الحماية الزائدة في التنشئة؟
تقول تاليا إيلي، أستاذة علم الوراثة السلوكي التطوري في كلية كينغز كوليدج في لندن، إنَّه كذلك جزئياً، وتضيف: «إننا نفكر في الخجل باعتباره صفة مزاجية، والمزاج هو مؤشر على الشخصية. فعندما يبدأ الأطفال الصغار في التواصل مع أشخاص آخرين، ترى اختلافاً في مدى ارتياحهم للتحدث مع شخص بالغ لا يعرفونه».
وتقول إنَّ حوالي 30% فقط من صفة الخجل تعود إلى الجينات. أما النسبة الباقية فتعود لطريقة الاستجابة للبيئة.
الحمض النووي والمتغيرات الوراثية
في العقد الماضي أو نحو ذلك، بدأ علماء مثل تاليا في دراسة الحمض النووي نفسه لمحاولة إيجاد متغيرات وراثية قد يكون لها تأثير على الشخصية والصحة النفسية، ولا يحمل كل متغير وراثي فردي إلا تأثيراً ضئيلاً، ولكن عند دراسة الآلاف منها مجتمعة، يصبح التأثير أكثر وضوحاً. وحتى حينها، لا يمكن دراسة تأثير الجينات على الخجل بصورة منفردة.
تقول تاليا: «لن يحدث التأثير بسبب جين واحد أو عشرة أو حتى مائة، بل هناك آلاف الجينات. لذا، إذا كنت تفكر في الجينوم بأكمله لوالديّ أحد الأطفال، فهناك مئات الآلاف من المتغيرات الوراثية ذات الصلة».
وتضيف أنَّه لذلك السبب تُعتبر البيئة أكثر أهمية غالباً في تطوير هذه الأنواع من الصفات. وأحد الأمور المثيرة للاهتمام حول الجينات هي أنَّها تدفعنا لاستخلاص جوانب البيئة التي تتوافق مع استعدادنا الوراثي الفعلي.
على سبيل المثال، قد يكون الطفل الخجول أكثر ميلاً للجلوس منعزلاً في ملعب والاكتفاء بمشاهدة الجميع بدلاً من الاندماج معهم، ومن الجائز أن جلوسهم بمفردهم يشعرهم براحة أكبر لأنَّ ذلك يصبح سلوكاً اعتيادياً.
وتقول تاليا: «هذا لا يعني أن السبب إما هذا أو ذاك؛ إنهما الاثنان (الجينات والبيئة) سوياً. فهي منظومة ديناميكية. ولهذا السبب، يمكنك دائماً تغييرها من خلال علاجات نفسية تعلمك طريقة التعامل مع الخجل».
هل الخجل أمر سيئ ؟
تقول كلوي فوستر، المتخصصة في علم النفس السريري في مركز اضطرابات القلق والصدمات في لندن، إنَّ الخجل في حد ذاته أمر شائع وطبيعي ولا يسبب مشكلات ما لم يتطور ليصبح رهاباً اجتماعياً.
تقول كلوي إنَّ الأشخاص الذين تعالجهم يطلبون المساعدة لأنَّهم «بدأوا في تجنب أشياء كثيرة يتعين عليهم فعلها». قد يكون الأمر يتعلق بعدم القدرة على التحدث إلى أشخاص في العمل، أو صعوبات في التواصل الاجتماعي أو في موقف يشعرون فيها بأنهم يخضعون لتقييم أشخاص آخرين أو حكمهم.
تقول تاليا إنَّه قد تكون هناك أسباب تتعلق بتطور الشخصية تؤدي لاكتساب الشخص صفات الخجل.
وتضيف: «كان وجود أشخاص في مجموعتك يحبون استكشاف المجموعات الجديدة والتواصل معها مفيداً لك، لكنه كان مفيداً أيضاً للأشخاص الذين يميلون لتجنب المخاطرة، إذ أصبحوا أكثر وعياً بالتهديدات المحيطة بهم وسيتمتعون بقدرة أكبر على حماية أبنائهم الصغار، على سبيل المثال».
وتقول إنَّ العلاج السلوكي المعرفي هو العلاج النفسي الأكثر فعالية للأشخاص الذين يعانون من الخجل والقلق الاجتماعي. إذ يعمل هذا العلاج المُستند إلى التجارب عن طريق محاولة تغيير أنماط تفكيرك وسلوكك.
يساعدك العلاج النفسي المعرفي في تحديد هذه الأنواع من الأفكار السلبية بالإضافة إلى إدراك أنَّ بعض السلوكيات التي نعتقد أنَّها تساعدنا، مثل التمرن على ما ستقوله مقدماً أو تجنب التواصل البصري، قد يزيد من شعورنا بالقلق الاجتماعي.
تقول كلوي: «إنَّه غالباً ذلك التنمر الصغير المثير للتوتر الذي يتفجر في ذهنك قبل مناسبة اجتماعية معينة وأثناءها وحتى بعدها».
وتوضح قائلة إنَّه في بعض الأحيان، تكمن المشكلة في أن الأشخاص الذين يواجهون صعوبة في بعض الأمور مثل التحدث أمام الجمهور بسبب الخجل غالباً ما يضعون معايير عالية للغاية للطريقة التي ينبغي أن يؤدوا بها في مثل هذا الموقف.
وأضافت: «قد يعتقدون أنه لا ينبغي أن يتلعثموا في حديثهم.. أو أنه يتعين عليهم التحدث بطريقة مشوقة، وأن يكون الجميع مستغرقين بكيانهم في ما يقولونه طوال الوقت».
السبب العلمي وراء الشعور بالخجل
إذا كانوا قادرين على تخفيف بعض الضغط على أنفسهم، من خلال السماح لأنفسهم بأن يحظوا بأوقات راحة قصيرة لالتقاط أنفاسهم، فإنَّ هذا قد يساعد على تخفيف بعض هذا القلق.
ومن الأشياء الأخرى التي يمكن أن تساعد على هذا الأمر، محاولة التركيز خارجياً على ما يحدث حولك، بدلاً من التركيز الداخلي على كيف يجعلك قلقك تشعر بدنياً، ومن شأن التركيز على الجمهور بدلاً من التركيز على نفسك أن يساعدك على أن تكون أقل انشغالاً باحتمالية تلعثمك في الكلام.
واقترحت أيضاً أن تتحدى نفسك بأن تكون أكثر انفتاحاً على المواقف الجديدة، إذ قالت: «كلما زادت قدرتك على إشراك نفسك في المواقف الاجتماعية، زادت ثقتك. لكن تذكر أن تتعامل مع المواقف الاجتماعية بطريقة جديدة».
ويعني هذا تغيير السيناريو الخاص بك. اسأل نفسك ما أكثر شيء تخشاه في المواقف الاجتماعية. هل تشعر بالقلق من أن تبدو مملاً؟ أو أن ينفد ما لديك من كلام؟ كلما زادت معرفتك عن قلقك، أصبحت أكثر قدرة على البدء في تحدي هذا القلق.
وتشدد جيسي صن، طالبة الدكتوراه بجامعة كاليفورنيا في ديفيس التي تبحث في علم نفس الشخصية، على أنَّ الخجل والانطوائية ليسا الشيء ذاته.
وتشرح صن أنَّ الناس عادة ما يظنون أنَّ الانطوائية تعني أن تكون استبطانياً أو أن تكون مهتماً باستكشاف الأفكار، لكن بالنسبة لعلماء النفس فإنَّ هذا الأمر هو جزء من بُعد مختلف من أبعاد الشخصية يشار إليه بالانفتاح على الخبرة.
وكثيراً ما يكون الخجولون انطوائيين، لكنهم قد يكونون انبساطيين يعيقهم قلقهم عن أن يكونوا اجتماعيين. وقد يكون الانطوائيون غير الخجولين بارعين اجتماعياً، لكنهم يفضلون البقاء وحدهم فحسب، وقالت صن: «الشخصية دائماً ما تكون واحدة من أقوى مؤشرات السعادة، وثمة علاقات قوية بين الانفتاحية والسعادة»، مضيفة: «يميل الأشخاص المنفتحون إلى اختبار مشاعر أكثر من الإثارة والحماس والفرح، بينما يميل الأشخاص الانطوائيون إلى اختبار هذه المشاعر بنسبة أقل».
لكن هل يمكن للانطوائيين الاستفادة من بعض هذا الفرح والحماس بمجرد التصرف وكأنهم منفتحون؟
أجرت صن وزملاؤها تجربة طلبوا فيها من الناس أن يتصرفوا على نحو انفتاحي لأسبوع كامل، وهو وقت طويل بالنسبة لشخص خجول. وقالت: «طلبنا منهم أن يتظاهروا بالجرأة والثرثرة والانطلاق والنشاط والحزم قدر الإمكان».
ووجدوا أنَّه بالنسبة للأشخاص الذين كانوا انفتاحيين بالأساس، فإنَّ التصرف على نحو منفتح لمدة أسبوع كان يعني اختبارهم لمشاعر إيجابية أكثر وشعروا أنَّهم أكثر «أصالة»-أي أنهم يتصرفون على سجيتهم.
لكن بالنسبة للأشخاص الذين كانوا انطوائيين فإنَّهم لم يختبروا هذا القدر ذاته من زيادة المشاعر الإيجابية. بل إنَّ الأشخاص الذين كانوا شديدي الانطوائية شعروا بالمزيد من التعب والمزيد من المشاعر السلبية.
وقالت صن: «أعتقد أنَّ الدرس الأساسي أنَّ من المحتمل أن يكون من قبيل الإفراط أن تطلب من الانطوائيين أو الأشخاص الخجولين للغاية أن يتصرفوا على نحو انفتاحي قدر الإمكان لأسبوع كامل، (لكن ربما) يجدر بهم التفكير في التصرف على نحو انفتاحي في مناسبات أقل».
وقد رأينا كيف أنَّ بيئتنا تضطلع بدور كبير في تحديد ما إذا كنا خجولين أم لا، لكن هل يمكن للثقافة أيضاً أن تؤثر على مدى سعادتك إذا كنت انطوائياً طبيعياً؟