بعد 4 سنوات من استهداف الحوثيين أراضي السعودية عبر قصف صاروخي عشوائي كان غالباً ما يُخطئ هدفه أو يتم اعتراضه عبر منظومة الدفاع الجوي الأمريكية «باتريوت»، شهد مستوى الاستهداف تطوراً نوعياً عدَّه خبراء «حرباً نفسية» و «محاولة حوثية لتغيير معادلة الصراع».
إذ استهدفت جماعة الحوثي مطار أبها السعودي بما زعمت أنه صاروخ من طراز «كروز» المتطور، ما أوقع 26 إصابة في صفوف المدنيين، وذلك بعد أقل من شهر على قصفها محطتين لضخ نفط في المملكة عبر طائرات مفخخة من دون طيار.
وحسب هؤلاء الخبراء، لا تنفصل الصورة عن التوتر المتصاعد بين الولايات المتحدة وإيران في المنطقة، بل تعد جزءاً منها، في إطار السياسة الإيرانية لتوصيل الرسائل إلى الخصوم عبر الوكلاء في المنطقة، وهم الحوثيون هذه المرة، متوقعين رداً سعودياً حاسماً يطال قيادات الجماعة، وربما ضربة أمريكية تعيد الهيبة لقوات الأخيرة في المنطقة، وتبعث برسالة تهديد حازمة لإيران.
حرب نفسية ومحاولة لتغيير المعادلة
نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية (غير حكومي مقره القاهرة)، مختار غباشي، رأى أن جماعة «الحوثي» تخوض حرباً نفسية، عبر إرسال رسالة للسعودية بأنهم رقم لا يمكن إخراجه من المعادلة، خاصة وهم أحد وكلاء إيران بالمنطقة، ويملكون آليات تجعل المنطقة في وضع مقلق.
وأضاف، لـ «الأناضول»، أن الحوثيين أعلنوا عقب استهداف محطتي ضخ النفط بالسعودية، في 14 مايو/أيار الماضي، أن ذلك الهجوم هو بداية لعمليات ستستهدف 300 هدف حيوي وعسكري في المملكة والإمارات واليمن، و «هذا يعني أن لديهم إصراراً على استمرار عملياتهم ضد الداخل السعودي».
وأوضح غباشي أن «هذه المحاولة الحوثية تستهدف تغيير آليات المواجهة ومعادلة الصراع وخلق قلق وترقب»، لكن نجاحها «يستدعي حالة حرب عسكرية، وهذا ليس مرشحاً حتى في ضوء استمرار عمليات الاستهداف بين وقت وآخر».
ووفق مراقبين، فإن التصعيد الحوثي الأخير ضد المملكة جزء من المواجهة الأمريكية الإيرانية التي تصاعدت في الأسابيع الأخيرة مع تشديد واشنطن الضغوط الاقتصادية على إيران لإجبارها على القبول بصيغة جديدة لاتفاق نووي يراعي مخاوف الولايات المتحدة وإسرائيل.
فإيران -حسب هؤلاء المراقبين- لا تتوانىى عن تحريك وكلائها بالمنطقة، وفي هذه المرة الحوثيون، لإيصال رسالة إلى المملكة بأن الدفع باتجاه حرب ضدها مغامرة لن تكون محمودة العواقب؛ فهي تستطيع توجيه ضربات مؤلمة إلى «الداخل السعودي» عبر وكلائها فقط؛ فماذا لو تحركت بنفسها؟
مواجهة أمريكية إيرانية غير مباشرة
وفي هذا الصدد، أوضح أستاذ العلاقات الدولية في مصر، طارق فهمي، أن المنطقة تعيش المرحلة الثانية من المواجهة الأمريكية الإيرانية غير المباشرة وهي الحرب بالوكالة، واعتبر أنه من المبكر أن نتحدث عن حرب مباشرة من الطرفين.
وأضاف، لـ «الأناضول»، أن إصابة أكبر عدد من المدنيين هي هدف لجماعة الحوثي، لإيصال رسائل بأنهم قادرون على الوصول إلى أهداف مدنية مؤثرة.
وحتى 21 مايو/أيار الماضي، بلغ إجمالي عدد الصواريخ الباليستية التي أطلقها «الحوثيون على السعودية ودمرتها قوات الدفاع الجوي 227 صاروخاً باليستياً، فيما بلغ عدد القتلى حتى سبتمبر/أيلول 2018 وفق وكالة الأنباء السعودية «112 مدنياً من الموطنين والمقيمين، وإصابة المئات».
لكن فهمي أعرب عن اعتقاده أن جماعة الحوثي لن تستطيع الصمود كثيراً مع توجه لردٍّ لن يكون سعودياً خالصاً، وسيشمل على الأرجح ضربة أمريكية ستؤثر على إدارة المشهد.
وأشار إلى أن هناك إعادة تقييم للأوضاع من قِبل الإدارة الأمريكية وتحركات وترتيبات جديدة قد تنتج عن ضرب بعض المواقع الخاضعة لسيطرة الحوثيين لإعادة الهيبة للقوات الأمريكية.
ورأى أن الرد سيكون الفترة المقبلة أمريكياً، وشكل الضربة وتوقيتها هما اللذان سيؤثران على إدارة المشهد.
3 مسارات
وحول الرد السعودي المرتقب، توقع الخبير العسكري الأردني اللواء المتقاعد فايز الدويري هون، أنه سيكون عن طريق 3 مسارات، أولها سياسي عبر ذهاب الرياض إلى مجلس الأمن، وحتى تكون للسعودية مرجعية أممية تساندها فيما ستقوم به لاحقاً.
وأضاف الدويري لـ «الأناضول» أن المسار الثاني سيتم عبر الرد الآني، أي بمعنى توجيه ضربات تسمى بأهداف عقابية، لمعاقبة الحوثيين سواء لبعض الرؤوس السياسية إذا كانت معروفة العناوين أو المستودعات والعتاد.
وأوضح أن المسار الثالث للرد سيكون عبر تصعيد عسكري أوسع بأن تتم العودة من عاصفة الأمل (أبريل/نيسان 2015 للآن) إلى الحزم (26 مارس/آذار 2015، لنحو شهر) مرة أخرى بأن يكون العمل العسكري أشمل، من أجل إجبار الحوثيين على عدم تكرار مثل هذه الأفعال.