جمال حسن
تواجه الإمارات والسعودية خطراً وجودياً، فإيران تضع حولهم كماشة، ومؤخراً تؤكد أنها قادرة على إرباك الملاحة في الخليج العربي وخليج عُمان، كما أنها قادرة على تهديد المنشآت الحيوية في دول الخليج، وفي حالة حدوث حرب فإن الدول الغنية في المنطقة ستكون أكثر قابلية للتهاوي، بينما فكرة إسقاط النظام الإيراني عبر زيادة المعاناة الاقتصادية ليس اكيداً، بل على العكس، تستطيع إيران مواجهة مصاعب اقتصادية نتيجة اعتيادها على الحصار والمصاعب الاقتصادية مقارنة بدول تعاني من زيادة في الرفاه، وخمول في الانتاج.
فأي أزمة اقتصادية في المنطقة، ستكون أكثر فداحة وخطورة على الدول الغنية، كونها مجتمعات لم تختبر هذا النوع من المعاناة، أو أن هناك قطيعة بين ماضيها المتصحر والفقير، نتيجة عقود من تخمة النفط.
ماذا يجري إذن؟ تمارس الإمارات بدرجة رئيسية عقدتها كبلد صغير، وثري للغاية، ومع زيادة إحساسها بالخطر في محيطها، مع هيمنة إيرانية واضحة على الملاحة في الخليج العربي، بإثبات أنها تلعب دوراً سياسياً في بلد بعيدة عنها وذات أهمية استراتيجية في خط الملاحة الدولية، وخصوصاً لممرات النفط.
هل نسميه إزدواجاً في الشخصية؟ ليس الأمر بتلك الصورة، هناك احتياج دائم بالنسبة لدول مماثلة تعاني من اختناق في المساحة، إلى السيطرة الأوسع، وهذا بحاجة إلى دولة محاربة، وأيضاً إلى كتلة سكانية معقولة، والإمارات تعاني من ذلك، ففي الماضي كانت تواجه خطرين محتملين، النهم الإيراني للتوسع والذي نتج عنه غزو ثلاث جزر إماراتية، وأيضاً النهم السعودي السابق لذلك كدولة توسعية.
لم تكن لتتوافق سياسة الإمارات مع السعودية لولا الشعور بخطر مشترك، بدءاً بصدام حسين مع احتلاله الكويت، ثم مع تزايد الخطر الايراني.
السعودية التي خسرت الكثير من حضورها في الجار الحيوي، أو في حدودها الأكثر هشاشة جنوباً، تميل إلى المكابرة أيضاً في تأكيد أن فضاءها الوجودي في اليمن مازال بنفس قوته، وهي النفسية التي جعلت موقفها في اليمن يزداد تعقيداً، حتى بعد مضي خمس سنوات من الحرب.
إذن في البدء كان تراخيها جزءاً من عدم رغبتها في التسليم بأن تفوقها في اليمن يواجه خطر الاحتواء التام، لهذا دائماً ما تؤكد أن الوضع تحت سيطرتها.
في اليمن، هناك شيء مخدر، كما أن المال السعودي جلب أصوليين ومرتزقة غالباً، أو أنه أفسد أيضاً الحمولة السياسية الحليفة للسعودية.
لكن الحرب أيضاً تكشف أن السعودية فقدت صورتها كدولة محاربة، فمؤسس الدولة اعتمد على محاربين أشداء للسيطرة على رقعة واسعة، ومع الوقت أصبح الرخاء عبئاً بعد إغراق الواقع في فقاعته.
بينما الإمارات بلد عالي التنظيم، وهو يرمي بكل مواهبه تلك في اليمن، لكنه ايضاً يرضي ذاتاً ممتلئة بثقة صاحب المال، وهذا الإحساس الناقص يولد دائماً رغبة لردمه في إنجاز انتصار ونفوذ، والغزاة يتولد لديهم إحساس لذيذ، ويبدو أن نشوة، أو رغبة، التماهي فيه، حدت من فهمه لمشكلته.
وكما يبدو هناك ذات منفصمة، فعند تصاعد الأزمة في الخليج العربي، ظلت الدولتان تنظران للموقف الأمريكي، وكان السؤال، إذا اندلعت مواجهة مباشرة، هل تستطيع السعودية والإمارات أن تواجها إيران دون تدخل أمريكي؟
في واقع الحال، تبدو اليمن هي أكبر نقطة ضعف للخليج إذا اندلعت أي معركة، وكما أتصور لن تحدث أي مواجهة مباشرة، على الأقل في المدى القريب.
لكن تبدو الرياض وأبوظبي معاً، سواء كانا على وفاق تام أو بوجود خلافات معينة، في مرحلة المكابرة، بمعنى أن أي خطر يكمن لهما في اليمن، لابد أن يكون رهان تصور فوقي، ولذا حين راهنا على حلفاء في اليمن، لم يبحثا عن أنداد، وكانت اليمن بالنسبة لهما ليست أكثر من فضاء تابع لها، بينما ظل الحوثيون مجرد مشكلة عارضة يمكن إزاحتها، وفي لحظة يبدو كما لو أنها مكبلة بحمولة من المرتزقة والرجال الصغار، لأنها لا تقبل بوجود حليف يكون نداً، وإن وجد ستعمل دائماً على اضعافه.
هناك ربما مشاكل أخرى تواجهانها لكن على الأقل استطاع الحوثي ردم فارق التسليح بينه وخصومه، لأنه يتسلح بجبهة متماسكة مقارنة بجبهة متصدعة مع الآخر.
فالإمارات كبلد غني أيضاً التحقت بشعور التفوق التاريخي الذي لدى السعودية، وتعاملت مع اليمن بتلك الصورة، أي بتعالي يجعلها تنظر فقط لمجاميع مسلحة تابعة لها، حتى أنها تشجع ظهور حلفائها وهم يصرون على الظهور بأزياء اماراتيه، كما لو أنهم شديدو الخضوع، ولأن هناك تجزئة في النظر إلى المشكلة اليمنية، تراهن على المساحة التي خرجت عن سيطرة الحوثي، دون أن تنظر إلى الصورة الأخرى، فالحوثي أصبح أكثر قوة، ومازال يسيطر على المنطقة الأكثر أهمية من الناحية الجيوسياسية والسكانية بل أنه مازال قادراً على تهديد الملاحة الدولية.
ثم هناك أمر أكثر خطورة، فاليمن معقد إلى حد أنه قابل لإعادة توليف تحالفات جديدة ومستبعدة، ما إن تفرضها الحاجة.
نقلا عن صفحته في الفيس بوك