بعد خسارة قاعدتها الخلفية في غرب ليبيا والتي تمثلت في مدينة غريان، تركت قوات المشير خليفة حفتر وراءها جرحى ومركزا للقيادة وأسلحة وذخيرة، وبعضا من طموحات.
خسرت هذه القوات غريان الأربعاء بالسرعة نفسها التي سيطرت فيها عليها بداية نيسان/ابريل، وكانت قد حوّلتها إلى مركز عمليات ونقطة انطلاق لمشروع السيطرة على طرابلس، على بعد حوالى ألف كيلومتر من بنغازي، المعقل الأساسي في الشرق.
وبعد 48 ساعة على ما يمكن أن يشكّل نقطة تحوّل في سياق المواجهات المسلّحة بين القوى الليبية المتصارعة، زار فريق من فرانس برس هذه المدينة الجاثمة على مرتفعات جبل نفوسة والتي لم تمنع مشقة الوصول إليها القوات الموالية لحكومة الوفاق الوطني وأخرى مناهضة لحفتر من شن هجوم خاطف عليها.
في غرفة العمليات الواقعة في طابق أرضي من مبنى عسكري مؤلف من طابقين في وسط غريان، على بعد حوالى مئة كيلومتر جنوب غرب طرابلس، كانت خرائط وسط ليبيا -- إقليم طرابلس -- مفتوحة فوق طاولة كبيرة وقد رسمت عليها بألوان فاقعة أطراف المدن أو البلدات.
وعلى رفوف، بطاقات أرشيف مرتبة بعناية ومصنّفة وفق المواضيع: "خطط وتحركات عسكرية"، "خطط وتقارير"، "مهمات" أو أيضاً "توظيف ضباط أجانب".
في الطابق العلوي، صالون وغرف نوم جديدة تماماً، مخصصة على ما يبدو لضبّاط حفتر، بينهم آمر عمليات المنطقة الغربية، اللواء عبد السلام الحاسي.
في المطبخ، أوان وعلب طعام وأطعمة فوق بعضها. يبدو أنّ الطباخين اضطروا بدورهم إلى الفرار بسرعة خلال تحضيرهم الوجبات، من دون التمكن حتى من إطفاء الفرن، وفق ما يروي أحد المقاتلين الموالين لحكومة الوفاق الوطني وهو يظهر وعاء كبيراً من الارز غير المكتمل الطهو.
وعلى لوح، حبات طماطم طازجة. وفي طنجرة، بصل محروق.
عنصر المفاجأة
يلتقط رجل خارج المبنى صورة لأطفاله أمام عربة مدرعة محترقة، وهي الدليل الوحيد في المحيط على وقوع اشتباكات.
ويشرح اللواء أحمد أبو شحمة خلال جولة ميدانية أنّ "سرعة (الهجوم) وعنصر المفاجأة وتمرّد (السكان) بثّت الرعب" بين القوات المولية لحفتر.
ويؤكد أنّ "حفتر خسر مركز عملياته الرئيسي في المنطقة وخط امداداته"، لافتاً إلى أنّ سرعة استعادة المدينة لم تكن لتتم بهذه السهولة لولا مساعدة السكان المسلحين.
بدوره، يتحدث عبد المجيد زويط، أحد السكان، عن ذهابه إلى المسجد للمرة الأولى منذ دخول قوات حفتر إلى هذه المدينة التي تضم نحو 200 ألف نسمة لكنّهم منقسمون، على غرار بقية ليبيا، بين مؤيدين لحفتر ومناهضين له.
ويقول "لم أغادر منزلي لأكثر من 80 يوماً"، مؤكداً أنّه كان يتخفى بسبب مناهضته حفتر.
صواريخ أميركية
منذ دخول القوات الموالية للمشير الليبي إلى المدينة، اوقفت حكومة الوفاق الوطني إمدادات بالأدوية والوقود والسلع الأساسية.
ولكن "منذ الغد (السبت)، سيتم استئنافها"، كما يعد المسؤول البلدي علي شتيوي.
غير أنّه يشير إلى أنّ إعادة المستشفى الوحيد إلى الخدمة، ستأخذ وقتاً.
ويقول إنّ المستشفى استخدمته قوات حفتر لعلاج جرحاها وهي "في حال مأسوية بسبب العدد الكبير من الجرحى والقتلى في صفوفها".
ويضيف "نخشى الأمراض، ويجب تعقيم الأمكنة".
كانت غريان تمثّل نقطة انطلاق لطموحات خليفة حفتر، رجل الشرق الليبي القوي، بعد تقدّمه في جنوب البلاد وإطلاقه في بداية نيسان/ابريل هجوماً يهدف للسيطرة على العاصمة طرابلس حيث مقرّ حكومة الوفاق التي تعترف بها الأمم المتحدة.
وبعد خسارة المدينة، توعد العسكري المدعوم خصوصا من دولة الإمارات العربية ومصر، بـ"رد قاس"، واستهدف في غارات جوية بشكل خاص ثكنة عسكرية كانت قواته تخزّن فيها جزءاً من الذخائر.
ومذاك، يراقب مسلّحون من بعد هذا الموقع المحاط بالعشب المحروق.
وفي اليومين الأخيرين، نشرت قوات حكومة الوفاق صوراً لغنائم الحرب في غريان. وعلاوة على عربات وذخائر، برزت ثلاث طائرات بلا طيار وأسلحة حديثة، بينها قذائف أميركية مضادة للدبابات من طراز "جافلين".
وبإنعام النظر الى صناديق الصواريخ الخشبية، يمكن ملاحظة عبارة "القوات المسلّحة لدولة الإمارات العربية المتحدة" مكتوبة بالإنكليزية.
ونقلت صحيفة نيويورك تايمز السبت عن مسؤولين أميركيين أنّ تحقيقات فتحت لتحديد كيفية وصول هذه الأسلحة إلى ليبيا.