ميناء الحديدة

من إعادة الانتشار إلى الإيرادات... هكذا يتهرب الحوثيون من "ستوكهولم" ليفسروه على مقاسهم!

أعلنت جماعة الحوثيين، عن مبادرة "من طرف واحد" لصرف مرتبات جميع اليمنيين، من إيرادات موانئ الحديدة، محملة الحكومة (المعترف بها) كامل المسؤولية في التهرب والتنصل من تنفيذها.

 

وقالت جماعة الحوثيين في بيان صادر عن ما يسمى "المجلس السياسي الأعلى"، إنها وجهت الحكومة التابعة لها في صنعاء (غير معترف بها) بإنشاء حساب خاص في فرع البنك المركزي اليمني في محافظة الحديدة، تورد إليه جميع إيرادات موانئ المحافظة الثلاثة.

وأضافت الجماعة، أن مبادرتها "من طرف واحد" من أجل صرف مرتبات اليمنيين من إيرادات الموانئ، مؤكدة أنها تعبر "نصاً وروحاً" عن الورقة الاقتصادية في مشاورات السويد.
 

وأشار الحوثيون إلى أن اقتراحهم (المبادرة) جاء بعد تنصل الطرف الحكومي من التزاماته التي "تضمنت أن تورد كل إيرادات البلاد من الطرفين لصالح مرتبات الموظفين" وإفشال الحكومة المعترف بها للقاءات التي عقدت في العاصمة الأردنية عمان بشأن الملف الاقتصادي.

وأوضحت المليشيات أن المقترح الأحادي "من أجل إزالة كل الادعاءات والمبررات التي تسهم في استمرار معاناة الشعب اليمني بدون حق، وتحييداً للاقتصاد وكل ما يمس حياة المواطنين ويفاقم من الأزمة الإنسانية، وإقامة للحجة".
 

وتنص مبادرة الحوثيين –المقتضبة – على إنشاء حكومة الجماعة في صنعاء، حساب في البنك المركزي بالحديدة (خاضع لميليشياتها) وتورد إليه، إيرادات الموانئ الثلاثة (الحديدة، رأس عيسى، الصليف)، وتصرف منها مرتبات الموظفين.

ولم يشترط الحوثيون في مبادرتهم، توريد الحكومة إيرادات المناطق الخاضعة لها، لكنهم حملوها كل التبعات التي ستنتج عن ما أسموها "استمرار فرضه القيود الاقتصادية الجائرة واستخدامه  للاقتصاد أداة للحرب والعدوان والتجويع والمساومة".
 

ولم تشر مبادرة "المجلس السياسي" (سلطة الأمر الواقع الشكلية للحوثيين بصنعاء) إلى الجهة التي ستدير الحساب البنكي، والآلية التي سيتم بها صرف المرتبات، كما لم تتطرق للدور الأممي في تنفيذ مقترحها.
 

وسبق أن أعلن الحوثيون عن مبادرة أحادية لتنفيذ عملية إعادة الانتشار في موانئ الحديدة، ورحبت الأمم المتحدة في مايو عبر  مبعوثها مارتن غريفيث، بانسحاب قوات الجماعة، وإنها المظاهرة المسلحة في الموانئ، لكن الحكومة أعتبرت تلك الخطوة "مسرحية مفضوحة" وانحياز أممي لصالح الحوثيين، وخروج عن تنفيذ اتفاق السويد "نصاً وروحاً".

 وفي مايو الماضي، دعا مكتب المبعوث الأممي في عمان، الطرفين إلى مشاورات حول الملف الاقتصادي في اتفاق ستوكهلم المتعلق بالحديدة، جاء ذلك بعد يوم من إعلان الأمم المتحدة والحوثيون، اكتمال عملية إعادة الانتشار لقوات الأخيرة من موانئ الحديدة.
 

وسعي المبعوث الأممي –حينها-  لشرعنة ما تعتبره الحكومة مسرحية انسحاب، وفق وفدها الحكومي الذي شارك في المشاورات الغير مباشرة، والتي علقت خلال يومين، بعد وصول الطرفين إلى طريق مسدود، تبادلا فيه المسؤولية عن الفشل، وأعلن مكتب غريفيث نهايتها دون الإشارة إلى نتائجها، مع التأكيد على مواصلة عقد اللقاءات.

وينص اتفاق السويد بشأن الحديدة، على إيداع "جميع إيرادات موانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى في البنك المركزي اليمني من خلال فرعه الموجود في الحديدة، للمساهمة في دفع مرتبات موظفي الخدمة المدنية في محافظة الحديدة وجميع أنحاء اليمن".
 

وساهمت العمومية في نصوص الاتفاق -بشكل عام بحسب مسؤولي الحكومة- وما يتعلق بالملف الاقتصادي –بشكل خاص- في تفسير طرفي الصراع (الحوثيون والحكومة الشرعية) النصوص لصالحهما، حيث تدعي الحكومة إن الاتفاق يخولها بإدارة البنك المركزي في الحديدة، وتبعيته للمركز الرئيسي في عدن، والاشراف على إيرادات الموانئ، إضافة إلى التزامها وتعهداتها المتكررة فيما يتعلق بصرف مرتبات الموظفين في جميع المحافظات.

ويؤكد الحوثيون أن الاتفاق يخولهم بالحفاظ على سلطتهم المالية على فرع المركزي في الحديدة، وبقاء إيرادات الموانئ تحت إدارتهم، وصرف مرتبات الموظفين منها، إضافة إلى إيرادات النفط والغاز والموانئ الخاضعة للحكومة الشرعية.
 

وفي اجتماعات مايو المتعثرة، اقترح الحوثيون، تقاسم إدارة البنك المركزي في الحديدة، وتوريد إيرادات الموانئ للطرفين مناصفة،  على أن يلتزم الطرفان بصرف المرتبات وفق آلية تقر لاحقاً، ورفض الوفد الحكومي المقترح، رغم تبني المبعوث الأممي ومكتبه في عمان لرؤية الحوثيين، وفق ما أكدت مصادر في الوفد –حينها – للمصدر أونلاين.

وبين الحين والأخر، يتحدث الحوثيون عن مرتبات الموظفين وانقطاعها، محملين الحكومة وقرار نقل البنك المركزي إلى العاصمة المؤقتة عدن- أواخر عام 2017-  المسؤولية عن انقطاع المرتبات، رغم عدم صرفهم لها، لأكثر من ثلاثة أشهر، قبل قرار النقل، بحجة عدم وجود سيولة نقدية.
 

واقترح رئيس ما تسمى اللجنة الثوية العليا عضو المجلس السياسي، محمد علي الحوثي، في الاسابيع الماضية، قيام الأمم المتحدة ببيع مخزون النفط الخام في سفينة صافر العائمة في البحر الأحمر، وقسمة قيمته مناصفة بين سلطات صنعاء (غير معترف بها) وسلطة عدن (الحكومة المعترف بها) على أن يصرف كل طرف مرتبات الموظفين في منطقته.

ولم يلقَ ذلك المقترح أي تجاوب، خصوصاً والجماعة الحوثية قد هددت قبل ذلك بتفريغ النفط الخام في عرض البحر الأحمر إذا ما حاول التحالف والحكومة السيطرة على الموانئ عسكرياً.، فضلاً عن استمرار الجماعة في منع فريق أممي من الوصول إلى السفينة، لتقييم الاضرار ومحاولة تلافي أي كارثة بيئية قد تنجم عن تسرب النفط للبحر.
 

ويرى مراقبون أن مقترح الحوثيين الذي اسموه مبادرة، محاولة جديدة للقفز للأمام، وقطع الطريق على أي تراجع أممي في ما يتعلق بعملية إعادة الانتشار الأحادية التي نفذها الحوثيون ورفضتها الحكومة، وتسببت في أزمة مقاطعة بين الأخيرة ومارتن غريفيث، قبل أن يستأنف الأخير، مهامه الأسبوع الماضي، بعد ضمانات شفهية من الأمين العام للأمم المتحدة.

وتأتي محاولة الحوثيين، بعد ساعات من إعلان الحكومة عبر مصدر حكومي في صحيفة الشرق الأوسط، رؤيتها لتصحيح عملية إعادة الانتشار في موانئ الحديدة، تتضمن تسلم قوات الأمن وخفر السواحل ما قبل انقلاب الحوثيين للموانئ ومهام حمايتها وتأمينها.
 

كما يأتي المقترح، بالتزامن مع جولة جديدة للمبعوث الأممي مارتن غريفيث بدأها بالرياض ويختتمها بمسقط التي يتواجد فيها قيادات للحوثيين، مروراً بروسيا والإمارات.

وتشهد اليمن، حرباً بين الحوثيين المدعومين من إيران، والحكومة المعترف بها، يساندها تحالفاً عربي أعلنته السعودية في مارس 2015م.

وتسبب الصراع المستمر منذ خمس سنوات، في مجاعة تعصف بقرابة 24 مليون يمني من أصل 29 مليون، وفق تقديرات الأمم المتحدة، منهم 17 مليون بحاجة عاجلة للمساعدات الغذائية.
 

وكانت الأمم المتحدة صنفت الأزمة الإنسانية والمجاعة في اليمن، بالأسوأ في العالم، محذرة من كارثة إنسانية أكبر في حال واصلت قوات الحكومة والتحالف عمليات تحرير الحديدة التي انطلقت العام الماضي، ما أجبر الطرفين على التهدئة الهشة، والتوقيع على اتفاق سلام جزئي في الحديدة، ما زال حبراً على ورق، رغم مرور ثمانية أشهر على إبرامه في ستوكهولم.