في حادثة ليست الأولى من نوعها، أشعل إطلاق شرطي إسرائيلي خارج الخدمة، النار على شاب إثيوبي الأحد 30 يونيو/حزيران، غضب الجالية الإثيوبية التي لم يتوقف المئات من أفرادها عن التظاهر في الشوارع منذ يومين. وتفتح هذه الحادثة التساؤلات حول حكاية اليهود الإثيوبيين المقيمين في إسرائيل، وحوادث اضطهادهم والتمييز العنصري الذين يتعرضون له منذ نحو عقدين من الزمن.
شاب إثيوبي آخر يُقتل على يد الشرطة الإسرائيلية
مساء الأحد الماضي، أعلنت تل أبيب عن مقتل الشاب اليهودي الإثيوبي سولومون تاكه، 19 عاماً، برصاص شرطي إسرائيلي في مدينة كريات حاييم (شمال).
وعلى إثر ذلك أغلق مئات المتظاهرين الغاضبين، مساء الأحد والإثنين، العديد من الشوارع في إسرائيل وأضرموا النيران في إطارات السيارات وألقوا الحجارة والمفرقعات النارية على الشرطة.
وقالت هيئة البث الاسرائيلية إن متظاهرين هاجموا مركزاً للشرطة في مدينة كريات حاييم، مساء الإثنين، وألقوا عليه الحجارة والمفرقعات النارية، ما أدى إلى إصابة 3 من عناصر الشرطة الإسرائيلية بجروح طفيفة. وأضافت إن ثلاثة متظاهرين أصيبوا بجروح طفيفة في حين تم تقديم العلاج الطبي لعشرة متظاهرين في الميدان، بعد أن أطلق عناصر الشرطة قنابل الصوت.
ونقلت صحيفة «جروزاليم بوست» الإسرائيلية، الثلاثاء، عن الشرطة قولها إنه في يوم الأحد، تواجد شرطي خارج الخدمة، مع زوجته وأطفاله الثلاثة في متنزه، عندما لاحظ مشكلة بين عدد من الشبان في مكان قريب. وأن الشرطي اقترب من الشبان، وعرّف عن نفسه بأنه شرطي، وحينها شرعوا برشقه بالحجارة.
وزعم الشرطي أن حياته كانت في خطر حينما أطلق النار. ولكن هيئة البث الإسرائيلية قالت إن قيادة الشرطة أعربت عن «شكوكها» بشأن شهادة الشرطي. لتفرج محكمة الصلح الإسرائيلية، الإثنين، عنه مع فرض الإقامة الجبرية عليه في منزله لمدة 15 يوماً.
وقالت محطة الأخبار الإسرائيلية الثانية: «وفقاً للتحقيق حتى الآن، تعتقد الشرطة أن الشرطي أخطأ». وأضافت: «إذا ما شعر الشرطي خارج الخدمة بالتهديد، فيجب عليه أن يطلق النار أولاً في الهواء، بدلاً من إطلاق النار على ساقيه، لقد ارتدت الرصاصة من الأسفلت، وأصابت الشاب (تاكه) في صدره».
ولكن ميشال أفيرا صموئيل، مديرة جمعية التعليم والإدماج الاجتماعي للمهاجرين الإثيوبيين، قالت لصحيفة «معاريف» الإسرائيلية إن الشرطة «تبني الآن قضية، وتحاول التخفيف من الأضرار وتقول إن الأولاد كانوا يقومون بأعمال شغب».
ليست الحادثة الأولى من نوعها
استناداً إلى صحيفة «معاريف» فإنه منذ عام 1997، قتل 11 من الشباب من الجالية الإثيوبية في اشتباكات مع ضباط الشرطة. مؤكدة أنه «لا تزال حتى اليوم افتراضات وتحيزات عنصرية ضد أفراد من الجالية».
وتابعت: «لا يوجد سبب يدعو صبياً إثيوبياً، ولد في إسرائيل، لأن يشعر في العام 2019 بأنه غير آمن في الذهاب إلى الخارج، ولكن هذا ما يحدث اليوم في الأحياء».
ومن جهتها، قالت راشيل غيل يوسيف، إحدى الناشطات في تنظيم المظاهرات الاحتجاجية لصحيفة «يديعوت أحرونوت»: «من الآن فإن الوضع لم يعد كما كان، عندما تظاهرنا على مقتل يهودا بيادغا (مطلع العام الجاري) قلنا إنه إذا لم تتم معالجة هذه المشكلة من جذورها فإننا سنبكي المزيد من الأطفال، وها نحن الآن نفعل ذلك».
وتابعت غيل يوسيف: «عندما لا تتعامل السلطات مع هذه المشكلة، وعندما لا يولي الشعب أهمية فإننا سنعد موتانا الأطفال، نحن نعيش في خوف والآباء يخشون على أطفالهم».
أما المحامي إلياس إنبرام فقال للصحيفة: «يؤمن أفراد الشرطة بأنهم يعيشون في هارلم (نيويورك) وأننا بصفتنا من أصل إثيوبي جئنا إلى أرض يتدفق فيها الحليب والعسل، إن هناك عدداً غير قليل من الشباب الذين يخشون السير في الشوارع».
ما حكاية اليهود الإثيوبيين في إسرائيل؟
بحسب مصادر رسمية وإعلامية إسرائيلية، فقد هاجر اليهود الإثيوبيون إلى إسرائيل على عدة رحلات سرية بدأت في ثمانينيات القرن الماضية، وأخرى علنية بدأت في العام 1990. وفي نهاية العام 2014 قدّر مكتب الإحصاء الاسرائيلي عدد الإثيوبيين، بنحو 135 ألفاً، ولد نحو 50 ألفاً منهم في إسرائيل.
وخاض أبناء الجالية الإثيوبية عدة مواجهات مع الشرطة الإسرائيلية على خلفية التمييز خلال الفترات السنوات الماضية، ارتفعت وتيرتها خلال العامين الماضيين، مما يناقض ما تحاول إسرائيل إظهار نفسها فيه، بأنها دولة ديمقراطية وسلام تحوي جميع الألوان والطوائف والأديان والجاليات.
وبحسب المصادر الإسرائيلية، فقد عانى الجيل الثاني من أبناء يهود إثيوبيا أو كما يسمّون (يهود الفلاشا) أي (يهود الحبشة)، من ظروف معيشية صعبة، وحالات تمييز عنصري منذ أن تم استقدامهم للبلاد المُحتلة.
ويعيش اليهود الإثيوبيون في إسرائيل بأحياء فقيرة ومهملة ومدن صفيح على أطراف المدن القائمة، كما هو الحال في مدينتي الخضيرة والعفولة، حيث تتزايد نسبة المعتقلين الجنائيين بينهم وتبلغ نحو 40% خصوصاً من الشباب الذين يعانون الفقر والبطالة.
انتفاضة «الاندماج» 2015
في مايو/أيار 2015 تواصل غضب المهاجرين اليهود من أصل إثيوبي في إسرائيل، واصطدموا بشدة مع الشرطة في تل أبيب خلال احتجاجهم على الممارسات العنصرية ضدهم، بعد احتجاجات مشابهة لهم في القدس المحتلة قبل عدة أيام فجرها اعتداء رجل شرطة على جندي إثيوبي.
ورفع المتظاهرون في «ميدان رابين» بقلب تل أبيب لافتات تندد بالعنصرية وتدعو إلى مساواة الإثيوبيين ودمجهم في المجتمع الإسرائيلي، وهتفوا ضد الشرطة واتهموها بالعنصرية والعدوانية تجاههم.
وتحولت تلك التظاهرات إلى مواجهات عنيفة مع الشرطة الإسرائيلية التي استخدمت الهراوات والخيول وقنابل الصوت والغاز ضد متظاهرين رجموها بالحجارة، وأصيب العشرات من الطرفين.
وكانت تلك الحادثة هي ذروة الصدام بين الفلاشا والحكومة الإسرائيلية، وكرد فعل عليها، اعتبر رئيس حزب «ميرتس» المعارض إيلان غيلؤون حينها أن ما يتعرض له الفلاشا «عارض لتفشي العنصرية في إسرائيل التي سعت جاهدة لاستقدامهم وأهملت استيعابهم»، مضيفاً أنه يتفهم احتجاجهم في تل أبيب والقدس ويتهم الشرطة بـ»استخدام قوة مفرطة ضد العرب والمتدينين الأصوليين أيضاً، ودون هذه الضجة لن يلتفت لهم أحد في إسرائيل ولن تتغير أحوالهم المعيشية».
أخيراً، تقول الصحف الإسرائيلية، إنه خلافاً ليهود البلدان العربية والشرقية واليهود الروس، فإن عدد يهود الفلاشا الصغير، مقارنة بباقي المجموعات العرقية المكوّنة للمجتمع الإسرائيلي، يجعلهم أقل قدرة على تشكيل أي خطر أو تهديد لمنظومات وموازين القوى الاقتصادية، والحزبية في إسرائيل.