منذ اشتعال الحرب المدمرة في اليمن في عام 2015، والتي تسببت في تشريد 3 ملايين شخص، لم تستقبل الولايات المتحدة سوى 50 لاجئاً يمنياً فقط.
ورغم الأوضاع المتدهورة في اليمن، حيث يجب على المواطنين تحمُّل تفشي المجاعة والأمراض وسط القتال الدائر، فقد انخفض عدد اللاجئين اليمنيين الذين أُعيد توطينهم في الولايات المتحدة إلى الصفر تقريباً منذ أن تولى ترامب منصبه، بحسب تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
شخص واحد كل عام!
وبحسب الصحيفة البريطانية، إذ أعيد توطين اثنين فقط من اللاجئين اليمنيين في الولايات المتحدة في السنة المالية 2018، وأعيد توطين واحد فقط حتى الآن في السنة المالية 2019، وفقا لإحصاءات وزارة الخارجية.
هذا ليس من قبيل المصادفة، عندما نأخذ في الاعتبار أنَّ ترامب فكك برنامج الولايات المتحدة للجوء، ووضع حداً أقصى لعدد اللاجئين المقبولين للسنة المالية 2019 يبلغ فقط 30 ألف لاجئ، مسجلاً رقماً قياسياً منخفضاً غير مسبوق. وهي الخطوة التي يقول المدافعون عن اللجوء إنَّها ستتسبب في تراكم اللاجئين في البلدان التي مزقتها الحروب مثل اليمن، وهو ما سيؤول إلى وضعٍ أكثر تأزماً.
وتقول نازانين آش، نائبة رئيس السياسات العامة والمناصرة بلجنة الإنقاذ الدولية: «الحديث عن تأثير هذا على اليمنيين الذين يبحثون عن الأمان في الولايات المتحدة لن يحمل أي مبالغة. لقد أصبح الأمر شبه مستحيل. لديك مستويات غير عادية من المعاناة الإنسانية في اليمن. لا يمكن للناس المغادرة، ولا يمكن للمساعدات الدخول».
قصف بالسلاح الأمريكي ولا موقف إنساني منهم!
مع استمرار الولايات المتحدة في دعم المملكة العربية السعودية، حليفتها الوثيقة في الحرب، وبيع الأسلحة وتوفير المعلومات الاستخباراتية لها، فإنَّ المدنيين اليمنيين معرَّضون لخطرٍ دائم بسبب الغارات الجوية والتفجيرات في الشوارع. وفي الوقت الذي لم تُظهر فيه الحرب سوى القليل من علامات التباطؤ، فإنَّ توقف برنامج اللجوء الأمريكي، الذي كان يستقبل عادةً أكبر عدد من اللاجئين في العالم، له آثارٌ مدمرة.
للمطالبة بوضع «لاجئ» من الأمم المتحدة، يجب أن يكون الشخص في دولة ليست بلده الأصلي. وبالنسبة لليمنيين، فإنَّ رحلة الخروج من اليمن صعبة. فقد فرَّ عشرات الآلاف إلى البلدان المجاورةمثل جيبوتي أو إثيوبيا أو السودان، وسافروا لعدة أيام، وسافروا في رحلاتٍ خطيرة ومكلفة عبر البحر.
بالنسبة للقلة التي تنجح في النزوح خارج البلاد، من الممكن أن تكون الظروف التي يواجهونها في أول بلدٍ يلجأون إليه صعبةً، حيث يعيش بعضهم في مدن من الخيام وتكون فرص العمل مستحيلة. لكنَّ الوضع في الوطن يزداد سوءاً. فقد خلفت الحرب ما يُعتبر أسوأ أزمة إنسانية في العالم، حيث يحتاج ما يقدَّر بنحو 22 مليون شخص إلى المساعدة، بينما يعاني 14 مليوناً منهم من المجاعة.
الرحلة بدأت من مصر
زكي البادية (24 سنة) هو أحد المحظوظين القلائل. فقد أتاحت له إعادة التوطين في الولايات المتحدة إمكانية أن يبدأ حياته من جديد.
ما كان من المفترض أن يكون رحلة لمدة أسبوعين إلى مصر للحصول على تأشيرة طالب تحولت إلى عامين من الانتظار. فأثناء وجود البادية في مصر، أعلنت المملكة العربية السعودية رسمياً الحرب على المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران، وبدأت الضربات الجوية على اليمن. مما دفع عائلته لإخباره أنَّ العودة إلى الوطن أمر خطير للغاية، لكنَّه في مصر لم يتمكن من المضي قدماً في حياته.
يقول البادية: «لم يكن هناك دعم، ولا مكان للدراسة، ولا مستقبل. لقد كنت ضائعاً تماماً».
قدم البادية طلباً للحصول على وضع لاجئ. وبعد حوالي عام ونصف، وبعد إجراء مقابلة مع الأمم المتحدة، علم أنَّه سيعاد توطينه في الولايات المتحدة، بحسب الصحيفة البريطانية.
وصل البادية إلى الولايات المتحدة في 24 يناير/كانون الثاني 2017، وذلك بعد أربعة أيام فقط من تنصيب ترامب رئيساً. وانتقل إلى دنفر، وهو يعيش هناك منذ ذلك الحين، ويعمل بوظيفتين كمصفف شعر ونادل في مطعم، في نفس الوقت الذي يواظب فيه على الدراسة للحصول على شهادة في التسويق من إحدى الكليات المحلية.
ويُعد البادية واحداً من 21 لاجئاً يمنياً أُعيد توطينهم في الولايات المتحدة في ذلك العام.
ويقول وقد أصبح مواطناً أمريكياً مجنساً: «أشعر بالسعادة البالغة. أنا محظوظ».
البحث عن طريقة للمّ الشمل
وبينما يُقدر البادية الحياة في الولايات المتحدة، إلا أنَّ والديه وإخوته مازالوا في صنعاء. وهو قلق دائماً على سلامتهم، لكنَّه يعرف أن عملية اللجوء التي مر بها ليست خياراً متاحاً بالنسبة لهم الآن.
ويضيف: «هناك الكثير من اللاجئين اليمنيين في جميع أنحاء مصر وماليزيا والعديد من الأماكن التي لا ترحب بهم، وينتظرون لمدة 10 سنوات، لكن لا شيء يحدث. لا يوجد مستقبل، لا أُوصي بذلك لعائلتي على الإطلاق»، بحسب الصحيفة البريطانية.
يواجه العديد من اليمنيين الآخرين في أمريكا نفس المأزق، فبينما كانت مسألة جلب أفراد العائلة مثل الأطفال أو الزوجات إلى الولايات المتحدة تشكل دائماً عملية طويلة تمر بفحص دقيق، إلا أنَّه حتى وقتٍ قريب كان لا يزال بإمكانهم إحضار أحبائهم. لكن الآن، بموجب قانون حظر السفر الذي أقره ترامب، والذي يقيد الهجرة من البلدان ذات الأغلبية المسلمة بما في ذلك اليمن، فإنَّ المسارات التقليدية للهجرة قد قُطعت تقريباً.
هذا الأمر كان له آثارٌ مدمرة على الجالية اليمنية الأمريكية. فلدى الكثير منهم أفراد عائلات يقيمون في دولٍ مثل جيبوتي، ينتظرون إلى أجلٍ غير مسمى للحصول على تأشيرات الولايات المتحدة.
وتقول ديبي المنتصر، أمينة مجلس إدارة جمعية التجار اليمنيين الأمريكيين، وهي مجموعة دفاع يمنية أمريكية في مدينة نيويورك: «لا يوجد ولو يمني واحد إلَّا وتأثر على الأقل فردٌ من أفراد عائلته مباشرةً بالحرب».
الهروب من الحرب
ويقول لبيب ناشر (45 سنة)، الذي يعيش في نيويورك ويعمل في مجال التسويق، إنَّه من النادر أن يقضي يوماً واحداً دون سماع أنَّ أياً من أفراد عائلته وأصدقائه الذين مازالوا في اليمن -حيث سقط 17600 ضحية مدنية منذ مارس/آذار 2015- يحاولون مغادرة البلاد.
ويُضيف: «لم أعِش قط في هذا البلد كشخص عادي. أشعر دائماً بحزن عميق في قلبي، أفكر دائماً في شعبي. لقد كنتُ محظوظاً بالوصول إلى هنا، لأكون في أمان، لكن ماذا عن الآخرين؟».
كان ناشر ناشطاً من أجل السلام في بلاده، وحصل على حق اللجوء السياسي -المنفصل عن عملية اللجوء والذي لا يمكن أن يتقدم له سوى الحاضرين جسدياً في الولايات المتحدة- في فبراير/شباط. وكان قد وصل إلى الولايات المتحدة لأول مرة في ديسمبر/كانون الأول 2015، وذلك بعد ستة أشهر من فراره من اليمن إلى الأردن، لحضور مؤتمر برعاية البنك الدولي.
وعلى الرغم من أن قصة ناشر كانت لها نهاية أكثر سعادة من الكثيرين الذين يأملون في مغادرة اليمن، إذ سينضم إليه قريباً طفلته البالغة من العمر 12 عاماً وابنه البالغ من العمر 9 سنوات في نيويورك، فإنَّ ألم البحث عن مكان للجوء قد ترك ندوباً في نفسه.
ويقول ناشر: «إنَّه شيءٌ فظيع، عندما تكون عالقاً في مكانٍ ما ولا تجد أي مكان للهروب إليه. أنت لست إنساناً بعد الآن. لا أحد يريدك، ولا حتى السماح لك بالعيش في بلدهم. إنَّه شعور صعب حقاً».