مظاهرات 30 يونيو بالسودان

حميدتي فوجئ بحجمها والجيش خاف منها.. مظاهرات «30 يونيو» قلبت الطاولة على الجميع

ترجمة: عربي بوست

عادت الاحتجاجات الجماهيرية إلى شوارع السودان بعد انقضاء أقل من شهر على حملة عسكرية وحشية راح ضحيّتها أكثر من 100 قتيل وعدد أكبر من الجرحى، وفقاً لمشاركين في الاحتجاجات. خرج عشرات الآلاف إلى الشوارع في مدن عديدة في أنحاء السودان، مطالبين بإنهاء الحكم العسكري. فما أهمّية تجدد الاحتجاجات في السودان وبهذا الزخم؟

المحتجون لم يُغادروا قطّ

في الأيام التي تلت القمع الوحشي الذي لحق بالمُحتجّين في 3 يونيو/حزيران، أثناء فضّ الاعتصام، تراجع الناجون إلى منازلهم وإلى مساكن آمنة. ولكن بطريقة ما، أبقوا على التواصل ببعضهم البعض وبالعالم خارج السودان.

بالتأكيد كان هناك خوف وصدمة؛ فقد كان لمقتل أكثر من 100 شخص، إلى جانب الشهادات الموثوقة عن الاغتصاب، تأثير صادم للغاية على المحتجين وعائلاتهم.

يقول فيرغال كيني، الصحفي المُتخصص بالشأن الإفريقي لدى BBC: «بصفتي صحفياً أجنبياً في الخرطوم، كنت على معرفة بشبكة واسعة من المحتجين الذين عقدوا العزم على إبقاء الثورة حيّة. ومع ذلك، انتابتني المفاجأة حين بدأت مظاهرات صغيرة في ضواحي المدن والبلدات بعد مُضيّ أسبوعين على وقائع القتل».

يوجد هنا 200 شخص، واحتشد من 20 إلى 30 شخصاً هناك، حملوا اللافتات واستمعوا إلى متحدثين يحثونهم على سلميّة المقاومة. كانت هذه هي الصورة الجماهيرية للحركة التي كانت تُعيد جمع شملها بقوّة. أمّا عن الدولة، فلم تنتهِ مساعيها لتدمير القيادات بالفشل فحسب، بل استُبدل من اعتقلتهم أيضاً، يقول الصحفي كيني.

للنظام تكتيكاته، ولقوى الحرية أيضاً

يقول الصحفي كيني: كان نجاح قوى الحرية والتغيير متمثّلاً في قدرتها على التكيّف وتنظيمها على مستوى الأحياء، وهذا لم يبدأ في الأسابيع الأخيرة.

ففي الواقع، منذ اندلاع الاحتجاجات في أواخر العام الماضي، كافحت شبكات الاستخبارات الحكومية لاختراق مجتمعات النشطاء المترابطة. وبغضّ النظر عن عدد الاعتقالات، كان يبدو دائماً أن هناك شخصاً ينتظر تولّي مهمّته.

لكن تكتيكات النظام كانت أيضاً جديرة بالنظر المتمعّن؛ فبعد المظاهرات التي أدت إلى سقوط عمر البشير في أوائل أبريل/نيسان، استعاد الجيش ثقته. وتعرقل مسار المفاوضات عن عمد لمنع انتقال الحكم إلى سلطة مدنية.

وظهر الجنرال العسكري محمد حمدان دقلو، المعروف باسمِ حميدتي، باعتباره الشخصية المحورية في الأحداث، مُستخدماً ميليشيات  قوات الدعم السريع التي يتولّى قيادتها، لترويع المتظاهرين وقتلهم.

وبدعم مالي وسياسي من دول على شاكلة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، صمد المجلس العسكري الحاكم، زاعماً أنه مستعد للمحادثات فيما يبذل كل ما في وسعه لتهميش المعارضة.

حذر شديد بين العسكر أنفسهم

أمّا بالنسبة للجيش، فكانت العملية كلّها متعلّقة بأن يُضفي على الأمر مظهراً يوحي بأنها حركة، مع ضمان احتفاظ الجنرالات بالسلطة. لا شك أن هناك انقسامات بين الرتب العليا وأن هناك استياءً من قوّة حميدتي. لكن عدداً أكبر من صغار الضبّاط الذين قد يشكّلون تهديداً أُطيحوا في حركة تطهير.

يضيف كيني: «وثمة حالة حذر شديد من وقوع انقلاب عسكري داخلي يشبه ذلك الذي أطاح البشير».

لا تزال هناك دلائل على عدم اليقين، وتكتيكات النظام في نهاية الأسبوع تشهد على ذلك؛ حيث اُستخدم الرصاص والغاز المسيل للدموع والاعتداء بالضرب على المتظاهرين المسالمين، وقد وقعت وفيات وإصابات عديدة.

ولكن كان من الممكن أن يمتدّ نطاق العنف أكثر من ذلك بكثير. فهل كان ضبط النفس المُتعمّد نابعاً من الضغوط الدولية، ولا سيّما من قِبل الولايات المتحدة ذات التأثير القوي على السعوديين؟ وهل فوجئ حميدتي بحجم المظاهرات؟

مفاجأة.. الثورة لم تَمُت!

نائب رئيس المجلس العسكري السوداني حميدتي/ رويترز
نائب رئيس المجلس العسكري السوداني حميدتي/ رويترز

فجأة، لم يبدُ حميدتي تلك الشخصية القوية للغاية التي بدا عليها خلال الأيام التي تلت 3 يونيو/حزيران. وعلى المستوى الدولي، تمكنت المعارضة من تحريك الرأي العام على وسائل التواصل الاجتماعي على الرغم من حجب الإنترنت، وتبنّى موسيقيون مشاهير، مثل ريانا ومغنّي الراب وايكلف جين، قضية الحرية في السودان.

علّق الاتّحاد الإفريقي عضوية السودان، وزار وسطاء أمريكيون وأفارقة الخرطوم في الأسابيع الأخيرة. وحتّى الآن، فشلت جهود الوساطة في إحداث تغيير ملموس. إذ إن الجيش غير مستعد للتنازل عن كيانات صنع القرار الرئيسية لصالح الأغلبية المدنية في البلاد.

بيد أن ما تغيّر في الأيّام القليلة الماضية هو شعور الزَخَم؛ فقد شجّع حجم الحشود المتظاهرين. وسيكون الجيش خائفاً من هذا.

يقول كيني: أما السيناريو المتفائل، فهو أن يبدأ الجنرالات التفاوض بجدية، وأن يرضخوا لمطالب انتقال السلطة بقيادة المدنيين. ولكن من الممكن بنفس القدر أن يدفع حميدتي وغيره من المتشددين بردٍّ أمني متصاعد. وبعبارة أخرى: المزيد والأسوأ من عمليات سفك الدماء.

يكمن الاحتمال الثالث في أن تقف العناصر المعتدلة في الجيش علانية في صفّ حركة الاحتجاج، وهذا يستدعي خطراً حقيقياً بوقوع نزاع مسلح في مدن السودان.

سيكون دور الأمريكيين والسعوديين والاتحاد الإفريقي رئيسياً هنا؛ فالوعي المُتجلي لدى السعوديين على وجه الخصوص، يتلخص بالتأكيد في أن الجيش لا يمكن أن يحكم إما بالموافقة أو بالإكراه.

ما تعلمناه من أحداث نهاية الأسبوع هو أن الثورة لم تمُت. أما ما لا نعرفه، فهو ما إذا كان حلم السودان الديمقراطي صار قريباً أم لا.