تُخفي السجون في سوريا قصصاً كثيرة لأبرياء ألقى بهم نظام بشار الأسد في جحيم التعذيب، على أمل إخماد الاحتجاجات التي اندلعت ضده منذ عام 2011.
ومن بين تلك القصص، قصة السورية عنود الملحم، التي تم اعتقالها على خلفية «تشابه أسماء»، وقضت عدة أشهر في السجن، واتهموها بـ «جهاد النكاح»، وهو مصطلح كانت تسمعه للمرة الأولى، بحسب ما ذكرته لوكالة الأناضول، اليوم الخميس 4 يوليو/تموز 2019.
وعنود من مدينة حمص (وسط سوريا)، وجرى اعتقالها في نوفمبر/تشرين الثاني 2014، بمنطقة دوار تدمر في حمص، وأُفرج عنها في مارس/آذار من العام التالي.
وقالت عنود إنها اُعتقلت في فرع الأمن السياسي -سيئ السُّمعة في سوريا- 15 يوماً، مشيرةً إلى وضعها في زنزانة منفردة صغيرة.
وأضافت: «بعدها نُقلتُ إلى فرع أمن الدولة بحمص، داخل مهجع صغير فيه 23 فتاة من مختلف المحافظات، وبينهن جامعيات. كان هناك تعذيب ومراقبة وقلة طعام ومنع من الصلاة والصيام» .
وتابعت أنها «بقيت نحو شهر وأسبوع في أمن الدولة، ثم نُقلت إلى دمشق.. اشتباكات بين المعارضين والنظام أصابت عجلة السيارة وانقلبت بنا.. كنت الفتاة الوحيدة و15 شاباً.. تأذيت كثيراً، تعرض ظهري للألم ولم أستطِع تحريكه، ووصلنا إلى فرع الخطيب بدمشق» .
واستطردت: «لم أستطع الوقوف على رجلي، وبقيت شهراً طريحة الأرض، وأعطوني نصف حبة مسكن فقط» .
ضرب وإهانات
وعن ظروف التحقيق، قالت عنود: «كل يوم تحقيق. كانت هناك فتيات من محافظات كثيرة، كان لهن خمسة أشهر متحفظاً عليهن، لحين اعتراف أقربائهن المعتقلين» .
وأضافت: «كان يتم يومياً اصطحابي إلى التحقيق بالقوة عبر ثلاثة شبان، والمحقق يتقصدني، كل يوم تحقيق مرة أو مرتين، ورغم آلامي كان هناك ضرب، كنت أجلس على الركب ويداي مربوطتان للخلف، وعيناي معصوبتان، وصوروني وجعلوني أوقّع على أوراق لا أعرفها.. وكانت هناك إهانات لفظية» .
وزادت بقولها: «كان أخي وأقربائي كلهم مستشهدين في معارك مع النظام، وكانوا (المحققون) يتهمونني بجلب التمويل من السعودية وتركيا» .
وتابعت: «قالوا لي: عملت جهاد النكاح.. وكانت هذه أول مرة أسمع به في حياتي.. وُجهت لي تهم كثيرة بأنني ذهبت للبنان بطرق التهريب لجلب السلاح، وتمويل الإرهابيين.. ولأنني عملت في مستشفى لكي أكسب ولا أعتمد على أحد اعتبروا ذلك مساعدة لإرهابيين» .
واستطردت: «قيل لي إنني مطلوبة للإعدام، فقلت لهم ليست هناك مشكلة إذا كنتُ مذنبة.. ويرافق ذلك رفس وضرب على الوجه» .
طعام كل 24 ساعة
السيدة السورية، وهي أم لثلاثة أبناء، قالت إنها «اُعتقلت لوجود تشابه أسماء، وما زلت طيلة أكثر من شهرين اتنقل (بين الأفرع الأمنية).. وُجهت لي إهانات وكلام بذيء جداً.. عندما أعود للمهجع كان مجرد أرض جرداء، والطعام مرة كل 24 ساعة، برغل مع حمص، أو أرز مع حمص، وإن كانوا كرماء يضعون حبة بطاطا» .
وأردفت: «كل يوم تحقيق والأسئلة نفسها، وصوروني مرتين وثلاثاً.. التعذيب كان بالضرب بواسطة حزام جلدي، ومع الحادثة لم أستطِع التحرك من الألم.. لم أكن أعرف أحدهم، كنت أشعر أننا تحت الأرض، ويصعدون بنا الأدراج» .
أسوأ من الاغتصاب
وأشارت المعتقلة السابقة إلى أنه على الرغم من أنها لم تتعرض للاغتصاب، لكنها واجهت ما هو أقسى منه، بحسب قولها.
وقالت: «ما تحدثوا به أسوأ من الاغتصاب، كلامهم القاسي ينال من الشرف، فضلاً عن الاتهام بجهاد النكاح هذه ليست سهلة»، مضيفةً: «كان هناك رفس وضرب على الفم، تكسَّر سنّان لديّ.. ننزل للمهجع مدميين، وحتى فترة قريبة عالجت أماكن الضرب» .
وأردفت: «حُبست أربعة أشهر، وطلبوني للإعدام.. نقلتُ إلى مهجع آخر في فبراير/شباط 2015، وعندها بدأ موضوع المصالحات» .
ساعتان إخلاء سبيل
وحول وسائل التعذيب، قالت عنود: «علقونا بالجنازير والسلالم، أيدينا كانت تخلع من مكانها، وتلقيت علاجاً قبل قدومي إلى إدلب (شمال) من دمشق، عبر التهريب» .
ولم تنتهِ معاناتها حتى بعد قرار الإفراج عنها: «بعد فرع الخطيب نُقلت إلى الأمن العسكري في دمشق، وبقيت فيه 10 أيام، وكانوا ينادون أسماء لإعدام ميداني، وبعدها حصل تبادل ودفع أموال، وتمكنت حينها من الخروج من الأمن العسكري» .
وزادت: «وضعوني في مخفر 12 يوماً، ويوماً واحداً في سجن عدرا بدمشق، ومنه إخلاء سبيل.. ذهبنا إلى الفندق، وبعد ساعتين جاء عشرة شبان عسكريين بلباس مدني لأخذي مجدداً، لم أكن قد تناولت ساندويتشي بعد» .
وتابعت: «أخذوني على فرع لم أكن أعرفه، وبقيت يومين بين تحقيقات واتصالات، وقيل لي: أنتِ مطلوبة.. رغم قولي لهم: إنني حصلت على ختم البراءة» .
وأوضحت أن «الحديث كان بذيئاً، ويتم البصق علينا.. بعدها تركوني في الشارع، فعدت إلى الفندق» .
وتابعت: «كانت لديَّ إسورة ذهب فاتهموني بأنني اشتريتها من جهاد النكاح، فقلت لهم هذا من عملنا في البساتين. بعتها لركوب سيارة والتنقل، وبعدها لمدة 15 يوماً ذهبت إلى محكمة الإرهاب إلى حين إخلاء السبيل، وخرجت في مارس/آذار 2015» .
آمل بلقاء الأسرة
وعن مشاهداتها في السجن، قالت عنود: «شاهدت تعذيب الرجال من فتحات الباب، يضربونهم ويعذبونهم بالجنازير والكرباج في كل مكان، مع التعليق، والتعذيب بالكهرباء والدولاب.. شاهدت كثيراً» .
وتابعت: «وكذلك النساء كنَّ يخضعن للتعذيب، ويعيدون التحقيق في حال تغيَّر الاعتراف كلمة واحدة، ويتم التعذيب والتعليق ساعات طويلة.. كان هناك رجال ونساء من مختلف الأعمار، وبينهم مرضى» .
وأوضحت أن «أصعب شيء هو الاعتقال في الأفرع (الأمنية)، فالعناصر (هناك) يستمتعون بممارسة التعذيب مع شرب الشاي والقهوة والتدخين، لا أعرف سبب العداوة هذه، لم أرَ الموت، لكن هناك مناظر لا أنساها» .
وأضافت: «امرأة معتقلة عمرها 45 عاماً لمحتها معلقة بالجنزير ومليئة بالدماء وثيابها ممزقة.. ومرة عندما نقل الرجال للحمامات كانت أرجلهم متورمة ومنتفخة وثيابهم ممزقة من الضرب» .
وختمت المعتقلة السورية السابقة بقولها: «الله هو الذي يُصبّر.. آمل أن ألتقي مع أولادي، ولا أعلم أين هم.. زوجي وولداي مختفون، أتمنى من الله أن يجمعني بهم، حالياً لديّ بنت وحيدة، وأنتظر بقية أولادي، ربما يكون القبر أرحم من سجون النظام» .