ينشر مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة تقارير دورية عن مستوى تعاطي وإنتاج المخدرات حول العالم، وتظهر أرقام هذه التقارير معدلات مخيفة من حيث المستويات التي وصلت إليها المخدرات في العالم.
وأكد التقرير الصادر عن مكتب الأمم المتحدة في العام 2018، أن نحو 275 مليون شخص تعاطى المخدرات مرة على الأقل في جميع أنحاء العالم خلال عام 2016، وأن 450 ألف شخص لقوا حتفهم نتيجة تعاطيها، وأن 31 مليون شخص يحتاجون إلى العلاج..
انتشار المخدرات في العالم العربي
وعن انتشار المخدرات في العالم العربي، يؤكد جوزيف حواط، مدير جمعية جاد "شبيبة ضد المخدرات" في لبنان، على غياب الأرقام الرسمية في العالم العربي، لكنها مخيفة في الواقع، ويضيف: كل سنة وفي كل الدول العربية نجد أن الأرقام تتضاعف، ويتزايد أعداد المتعاطين بشكل مخيف، ولا يوجد إحصاء دقيق لعدد المدمنين في العالم العربي، بل نحن نستند إلى أعداد الأشخاص الموقوفين بسبب التعاطي، وهذا لا يعكس الرقم الحقيقي.
ويتابع: ففي لبنان مثلا انخفض الرقم، بسبب قرار منع إيقاف المدمنين لعدم وجود أماكن في السجون، وهذا السبب الوحيد لانخفاض الرقم، ولكن هذا لا يعني نقص عدد المدمنين.
وعن الفئة الأكثر تعاطيا للمخدرات يقول حواط: أعمار المدمنين كمعدل وسطي هو بين 16 إلى 23 عاما، وهو أمر مخيف، يضاف إلى ذلك عدد النساء المتعاطين في العالم العربي، بعد أن كانت في وقت سابق موجودة في عالم المخدرات لزراعتها أو إنتاجها، لكن في العامين الأخيرين تقريبا، 22% من مجمل المتعاطين والمروجين هم من النساء، وهذا مؤشر مرعب كون الأنثى هي أم، وهي أساس العائلة.
بدوره قلل الطبيب النفسي أحمد عياش من لبنان من هذه الأرقام، وأصر على أن الموضوع يحوي القليل من التضخيم، ويقول: الطبقة الأكثر عرضة للمخدرات هم الفقراء في الوطن العربي، وقد يختلف الوضع قليلا في أوروبا، والفئة العمرية للمتعاطي هي بين 16- 30 عاما، وأعتقد أن نسبتهم قليلة، لكن هناك البعض يضخم الأرقام لجلب المساعدات من الدول الأجنبية، أو للترويج لبرامج ذات تمويل معين.
ويكمل: الموضوع طالما كان على هذا النحو ولم يتغير مع الزمن، إلا أن الحروب كما في سوريا واليمن وليبيا، بالإضافة إلى الأوضاع والفقر في الدول العربية، تشجع على سلوك الطريق اليائس وتعاطي المخدرات.
أنواع المخدرات
يرى رئيس جميعة جاد بأن المخدرات تتعاطى وفقا للموقع الجغرافي، ويشرح: يختلف أنواع المخدرات بحسب البلد، وكل تدولة تمتاز بنوع معين، فعلى مستوى لبنان مثلا أكثر المواد تعاطيا هي الحشيشة، كما الأمر في المغرب أو الجزائر، والقات في اليمن، والبانغو في مصر، والآن توجد مشكلة جديدة وهي حبوب الكبتاغون والتي تأتي من سوريا، وفي آخر 3 سنين في لبنان فقط تم مصادرة 82 مليون حبة كبتاغون، إلا أنه لا يشكل إلا 12% من الضبطيات العالمية.
أما الدكتور أحمد عياش فيرى أن الموضوع نسبة عامة، وأشار إلى وجود مشكلة إدمان الكحول مثل المخدرات، ويبين: أكبر نسبة استهلاك للمخدرات هي الحشيشة في المرتبة الأولى، بنوعيه القنب الهندي والماريخوانا، ويأتي في المرتبة الثانية الحبوب المخدرة، وتأخذ كبدائل للمواد المورفينية، والتي لا يستطيع المدمنون الوصول إليها بسهولة، فيتم استخدام أدوية مثل ترامان ودينفكسول وغيرها، وفي المرتبة الثالثة الكوكايين أو مشتقاتها من حبوب وغيرها، بالإضافة إلى الكحول، وفي المرتبة الأخيرة نجد الهيرووين.
المخدرات النباتية
هناك من يعتبر أن المخدرات ذات الأصل النباتي كالماريخوانا أو القات غير مضرة بالصحة، وحول ذلك يرى جوزيف حواط: حسب منظمة الصحة العالمية جميع هذه الأنواع مخدرات، وكلها مضرة بشكل أو بآخر، فالحشيش أو القنب الهندي تسبب انفصام بالشخصية، وتأثر على الدماغ وجهاز التنفس، واليوم المادة الخطرة في الحشيش هي مادة (TFS)، وقد كانت نسبتها 0.4، ولكنها الآن تتجاوز نسبة 8%، وتبقى آثارها في الجسم لمدة 35 يوما.
ويتابع: لا يوجد مادة مخدرة لا تؤدي إلى ضرر في جسم الإنسان، فالقات مصنف كمادة مخدرة من قبل منظمة الصحة العالمية، وإن كانت قد صنفته كمخدرات خفيفة، وإنا كخبير لا أرى أن هناك مخدرات خفيفة وأخرى قوية، بل كلها مخدرات وخطرة على الصحة.
ويؤيد الدكتور عياش هذا الأمر، ويصر على أن جميع أنواع المخدرات هادمة للصحة، ويعلق: هذا كلام المدمنين و(الحشاشين)، وهؤلاء يحورون الحقائق العلمية، فالقنب الهندي يستخدم كدواء علاجي في بعض الأحيان كمرض السرطان مثلا، ويستخدم ضد التأثيرات الجانبية للعلاج الكيميائي، وهذا الكلام صحيح فقط لأهداف وغايات علمية.
ويستدرك: أما القات قد لا يعتبر مخدر بل هو منبه ومنشط كالكوكايين على سبيل المثال، فالمخدر بالمعنى العام هو مهدئ أما القات فعلى العكس، مثل عدة أدوية أنفيتامينية، وهي ترفع نسبة التركيز والانتباه لدى الشخص، وتأثيرها على الدماغ مشابه جدا لتأثير الكوكايين، والقات يدخل ضمن هذه الخانة.
علاج المخدرات
وحول طرق العلاج من المخدرات والتخلص منها، أشار مدير جمعية جاد، إلى أن العملية صعبة جدا، ويتابع: عندما لا يجد المدمن ما يتعاطاه، يتحول للحصول على بدائل، وكل يوم نكتشف مواد جديدة يستخدمها المدمنون، فمن خلال البحث في غوغل يمكن للمتعاطي أن يجد البدائل، أو أنه يستطيع تركيب هذه البدائل في البيت، وكلما وجدنا المضاد والدواء لأحد هذه المواد، نرى أن المدمن قد اكتشف أكثر من 10 مواد أخرى.
ويكمل: منظمة الصحة العالمية ومكتب مكافحة المخدرات والجريمة في الأمم المتحدة، أعلنوا العام الماضي عن وجود 750 مادة جديدة في الأسواق، اكتشفها المدمنون وبدأوا في استخدامها، ونحن لن نستطيع إيقاف هذه المواد أبدا، كالأدوية والغازات أو غيرها.
وأشار بدوره الدكتور أحمد عياش إلى أسلوب اتبعته الأمم المتحدة والحكومة اللبنانية، ويوضح: الأمم المتحدة ومكتب مكافحة المخدرات ومنظمة الصحة العالمية نشر في لبنان دواء اسمه سيفوتكس، وهو بديل مورفيني عن الهيروين، فبدل أن يذهب المدمن للبحث عن المخدرات، ويعرض نفسه للأمراض المنقولة بسبب التعاطي.
ويواصل: يأخذ المدمن هذا الدواء بطريقة قانونية، لكن المشكلة أن هذا الدواء لا يشكل علاج، إنما تعاطي للمواد المورفينية بطريقة شرعية، كذلك الأمر بالنسبة لدواء سيبوكسون، والذي وزعته الحكومة اللبنانية.
الحلول
وعن أسلوب مواجهة المخدرات ومنع الناس من الدخول إلى هذا العالم يرى حواط، بأن الوقاية والتوعية هو خير وسيلة، ويقول: يمكن مواجهة المخدرات فقط من خلال حملات التوعية والوقاية، وتقيم الدول العربية التي تمتلك المقدرة المالية مؤتمرات ذات مستوى عالي، وتستقدم الخبراء وتدفع لهم مبالغ طائلة، من أجل محاضرة محضرة بشكل مسبق، ولا يتم تنفيذ أي من التوصيات المدرجة فيها.
ويتابع: ولو تم صرف ميزانيات هذه المؤتمرات على برامج علاجية ومصحات، لكنا استطعنا ضبط 60-70% من مشكلة الإدمان على المخدرات.
وأشار: أريد أن أضيف شيء مهم آخر، في الفترة الأخيرة وفي بعض الدول العربية نشهد فضائح كبيرة في عالم تجارة المخدرات، وتورط شخصيات كبيرة في هذه التجارة كقضاة وضباط، وهذا مؤشر خطر جدا، فلا يمكن اللجوء إلى هذا المسؤول لتأمين الحماية من المخدرات، في الوقت الذي يكون هو متورط فيه، إلى جانب الفساد في مؤسسة مكافحة المخدرات نفسها.
ويكمل حواط: كما يلاحظ في الفترة الأخيرة أن هناك حملات منظمة لتبييض صورة تاجر المخدرات في العديد من وسائل الإعلام، وتحس أن تاجر المخدرات هو روبن هود، وأن الكثير من العائلات والفقراء يتلقون مساعدات منه، وهذا الشيء ينطبع في ذهن المراهقين، وهذا يخلق جيل جديد لا يرى في المخدرات أمرا مضرا، وهذا الأمر خطير جدا.
بدوره نوه الدكتور أحمد عياش إلى أن المسألة لم تصل إلى الحد الخطر الذي يروج له، ويتحدث: المسألة لا زالت محصورة وغير منتشرة بشكل كبير، وهناك حملات توعية كثيرة، والمواطن العربي أصبح مطلع ومنفتح على الحياة، كما في باقي دول العالم الأخرى، وكما هناك من يروج للخطيئة والمخدرات، هناك أعداد كبيرة تروج للابتعاد عن هذه الأمور.
ويكمل: من يدخل إلى عالم المخدرات هو بالأصل مضطرب نفسي، ويحتاج إلى علاج عند طبيب نفسي، وقد أضاع الطريق إلى الطبيب، وسقط في عالم المخدرات في طريقه إلى الطبيب لمعالجة اضطرابات النفسية.
وختم عياش حديثه: الدول العربية لن تستطيع مكافحة المخدرات بالسهولة التي نتخيلها، وأكبر مصدر في العالم هي افغانستان، وأكبر ممر للمخدرات هي إيران ودولنا العربية هي مستهلكة، وقد يعتبر لبنان والمغرب كمنتجين للقنب، فيما يأتي الهيرويين والكوكايين من مناطق أخرى من العالم، وكل هذه الدول فقيرة وليست غنية.