محمد علي محروس- المشاهد
حال الخلل الفني الذي تعرضت له طائرة الخطوط الجوية اليمنية “إيرباص 310″، في رحلتها رقم 609، دون وصول جثة تامر منصور عبدالله غالب، إلى مطار عدن الدولي (جنوب اليمن)، في الـ30 من يونيو الماضي، حيث كان بانتظاره عدد من أفراد أسرته، لمواراة جثمانه الثرى، بعد وفاته في أحد مشافي العاصمة المصرية القاهرة، من مرض الالتهاب الرئوي.
وأقلعت الطائرة في رحلتها الأولى في الساعة 11:42 صباحاً بتوقيت القاهرة، وهبطت مرة أخرى، الساعة 12:04 بعد الظهر، أي بعد 22 دقيقة من إقلاعها، بعد أن حلّقت بارتفاع 4700 قدم فقط، ولم تستطع الارتفاع أكثر من ذلك، بحسب رواية للدكتور نجيب شمس الدين، أحد الركاب.
ماذا حدث للطائرة 310؟
اضطر كابتن الطائرة، لتنفيذ هبوط اضطراري، لإنقاذ المسافرين، وهو ما نفته الخطوط الجوية اليمنية، التي نشرت عبر صفحتها في “فيسبوك”، مؤكدة أن الطائرة عادت لدواعٍ إنسانية، بعد تطورات سلبية لحالة المريضة رضية السقاف. لكن إخراج كل المسافرين البالغ عددهم 210، من الطائرة، يؤكد رواية إصابة الطائرة بخلل فني.
وأظهر فيديو (تم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي) لشقيق السقاف وهو يُكذّب الرواية، أثناء مشادة كلامية مع مدير مكتب “اليمنية” في القاهرة، مؤكداً أن شقيقته أغمي عليها أثناء الهبوط الاضطراري للطائرة، وكادت أن تفقد حياتها من هول ما حدث.
ويقول الدكتور شمس الدين إن صوت المحركات توقف فجأة، وهوت الطائرة إلى أسفل، لمدة ثانيتين تقريباً، ثم عاد صوت المحرك مرة أخرى، مصحوباً بارتجاج في جسم الطائرة، أدى إلى تفكك أجزاء من الديكور الداخلي، ورغم المحاولات المضنية للكابتن من أجل التحليق، إلا أنه فشل، مضيفاً: “كانت الطائرة تتمايل يميناً وشمالاً. كان الجميع في حالة هلع، ثوانٍ فصلتنا عن موت محقق، قبل أن تدخل الطائرة سور المطار، وترتطم بقوة على المدرج، مما أدى إلى انفجار إطاراتها. لقد عشنا 10 دقائق مميتة”.
عودة الطائرة للخدمة
أعيدت هذه الطائرة المسجلة برقم “ADR-70″، للخدمة، قبل حوالي شهر؛ بعد أن تمت إعادة إصلاحها، وصيانتها، كما قالوا. لكن عجلات الطائرة تقول شيئاً آخر. وكاد قولها يبكي كل قلبٍ وكل عين، وفق منشور الصحفي نبيل سبيع، على صفحته في “فيسبوك”، مضيفاً: “الطائرة A310 هي الطائرة رقم 4 في “أسطول طيران اليمنية”، الأسطول الذي يتكون من 4 طائرات فقط، هذه، و3 أخريات ربما لا يقلنَ سوءاً عنها”.
وبحسب سبيع، فإن هذه الطائرة، خرجت عن الخدمة لفترة، ثم أعيدت إليها قبل شهر تقريباً، بعدما قالوا: إنهم أصلحوها، وإنها باتت جاهزة للعمل.. لكنها كما تقول الصورة وصور أخرى كثيرة، لم تكن جاهزة سوى لكارثة كبيرة كانت ستحلُّ على رؤوسنا لولا لطف الباري ومهارة كابتن الطائرة.
وكان وزير النقل في الحكومة، صالح الجبواني، نشر بياناً على صفحته في “فيسبوك”، أعلن فيه عن تشكيل لجنة تحقيق بخصوص حادثة الطائرة اليمنية.
ويضطر المسافر الواحد على متن طائرات الخطوط الجوية اليمنية، لدفع نحو 680 دولاراً، قيمة التذكرة الواحدة من عدن إلى القاهرة، رغم أن قيمة التذكرة الواحدة من القاهرة إلى واشنطن، ومن دبي إلى لندن، ذهاباً وإياباً بـ400 دولاراً.
ويحوي أسطول الخطوط الجوية اليمنية 4 طائرات فقط، كلها بحاجة إلى فحص وصيانة شاملة، بحسب مختصين، لكن هذا لا يحدث على ما يبدو، رغم العائد الكبير الذي تجنيه من رحلاتها شبه اليومية.
ردود أفعال متباينة
فور الإعلان عن نجاة الركاب من كارثة محققة، توالت ردود الأفعال، معبرة عن استيائها من الإهمال المتعمد من قبل مسؤولي الناقل الوطني، على مستوى الصيانة والفحص الدوري، إذ ناشد مدين ياسين، رجل أعمال يمني، يقيم في القاهرة، المعنيين، ضرورة وضع حد لهذه المهزلة التي تستهين بأرواح الناس، داعياً الرئيس عبد ربه منصور هادي والحكومة، إلى سرعة التعامل مع الحادثة، متسائلاً، في الوقت نفسه، عن مصير أكثر من 20 مليون دولار، وهو المبلغ المتبقي من تأمين مدفوع لشراء طائرة رئاسية، عوضاً عن الطائرة التي دمرها الحوثيون في عدن، بعد أن تقاضت الحكومة 45 مليون دولار، كتعويض تأميني، وتم شراء طائرة بديلة بنحو 20 مليون دولار؟
ودعا الدكتور صالح سميع، محافظ المحويت، على حسابه في “تويتر”، الجميع، إلى عدم الاستهانة بموضوع طيران اليمنية، باعتبارها أحد رموز الدولة، مشدداً على أن إنقاذ “اليمنية” ضرورة وطنية سيادية.
خالد الرويشان، وزير الثقافة الأسبق، بدوره، أكد عبر صفحته في “فيسبوك”، على ضرورة السماح الفوري لشركات طيران عربية تقوم بنقل اليمنيين من وإلى مطار عدن، فحياة المسافرين فوق كل اعتبار.
آمال اليمنيين المعلقة
يقول الجبواني إن مركز شركة الخطوط اليمنية “المالي والإداري”، مازال في العاصمة صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين، مضيفاً أن “اليمنية” تُدار من صنعاء، فحتى مسمار صغير ينكسر أو إطار “يبنشر” لا بد أن يأتي الإذن بالشراء من صنعاء، موضحاً أنّه شكل لجنة لإصلاح “اليمنية”، في مايو 2018، ورفضها رئيس الشركة، وتم رفع الأمر إلى رئيس الوزراء السابق أحمد بن دغر، الذي أحال المذكرة إلى وزارة الشؤون القانونية.
وأيدت وزارة الشؤون القانونية وجهة نظر “اليمنية”، كون الشركة تدار من قبل مجلس إدارة وجمعية عمومية، وهي من ترسم سياستها، وتحدد معالم حركتها وتحركها وإصلاحها. مع العلم أن الشركة بين السعودية واليمن كما هو في بروتوكولاتها، بحسب الجبواني.
وقال: إن مدير الشركة الكابتن أحمد مسعود العلواني، ترك الشركة في صنعاء، ويقوم بالتنسيق مع إدارتها هناك، فقط مقابل مصالح مادية، مضيفاً أنه طالب مراراً بنقله إلى عدن، ولكن إدارة الشركة ترفض، وكرر مطالبه، التي كان آخرها في اجتماع جرى بينهم وبين قيادة الشركة وقيادة الهيئة، مع رئيس الوزراء معين عبدالملك، قبل أيام.
وتظل آمال اليمنيين معلقةً بين الأرض والسماء، في ظل ما يجري من غياب للمسؤولية والضمير الإنساني، إذ يتعلق كل شيء بحياتهم، دون معالجات تذكر، غير أن مثل هذه الحوادث مرشحة للظهور مجدداً؛ كون الإنسان اليمني لا يحظى بأي اهتمام ملموس من قبل المسؤولين.