ترجمة: عربي بوست
يبدو أن دول الخليج الحليفة لترامب والتي تضغط من أجل شن حرب على إيران باتت في مأزق بسبب عدم معرفتها بالخطوات القادمة إذا ما أقدم الرئيس الأمريكي على شن حرب على طهران.
وبحسب تقرير لصحيفة Washington Post الأمريكية فإن حلفاء الولايات المتحدة في الخليج ضغطوا على واشنطن طوال السنوات الأربع الماضية لتزداد تشدُّداً في تعاملها مع إيران. ولكن هؤلاء الحلفاء ليسوا واضحين بشأن ما يُريدونه الآن، بالتزامن مع تصاعد فكرة الحرب.
ترامب هو السبب
ويتطلع الكثير من المسؤولين العرب في الخليج لأن تكون الولايات المتحدة أكثر قوةً في ردع إيران، وأكثر حذراً في استفزازها. ونظراً للإشارات المختلطة التي تخرج عن إدارة ترامب، تشعر بعض دول المنطقة بالتوتر الذي يدفعها إلى إرسال إشارات مُتضاربة أيضاً.
وكشفت التوتُّرات المُتصاعدة في منطقة الخليج عن الخلافات بين الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين، حول مدى عدوانية إدارة ترامب في مُواجهة إيران جزئياً.
إذ تعتبر واشنطن وحلفاؤها في الخليج، مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، أنَّ إيران وشبكة قواتها بالوكالة يُشكِّلون تهديداً في المنطقة. وتعاونت تلك الدول معاً من أجل عرقلة الاقتصاد الإيراني من خلال العقوبات وعزل قيادتها.
ولكن الولايات المتحدة وحلفاءها العرب يختلفون في الوقت ذاته حول جدوى المفاوضات في حل الأزمة، والدور الذي يجب أن تُؤدِّيه تلك الدول لضمان أمنها، بحسب الدبلوماسيين.
السبب في التصريحات المتضاربة
ولا يوجد إجماعٌ في أوساط الدول الخليجية، حول السبيل الأمثل لمواجهة إيران. إذ تتردد بعض الدول الأصغر في تأييد الموقف القتالي للولايات المتحدة والأطراف الإقليمية ذات الثقل مثل السعودية والإمارات، نظراً لأن تلك الدول ستجد نفسها على الأرجح في الخطوط الأمامية حال نشوب أي صراع عسكري مع إيران.
وأدَّى ذلك إلى خروج تصريحات عامة وخاصة مُتضاربة من الدبلوماسيين الأمريكيين والإقليميين. ويقول المُحلِّلون إنَّ تلك التصريحات هي دليلٌ على الصراع الأعمق في أوساط الحلفاء حول معالم السياسة التي تقودها الولايات المتحدة، والتي يعتقد الكثير من المسؤولين والمُحلِّلين هنا أنَّها قد تُؤدي إلى اندلاع الحرب.
وحمَّلت الولايات المتحدة إيران المسؤولية صراحةً عن الهجمات الأخيرة على ناقلات النفط التجارية بالقرب من مضيق هرمز. لكن غالبية الدول الخليجية امتنعت عن إدانة إيران علناً، ودعت بدلاً من ذلك إلى الحوار وضبط النفس.
إذ قال الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية الإماراتي: «إننا حقيقة لا نستطيع أن نوجه أصابع الاتهام إلى أية دولة لأننا لا نملك الأدلة. إذا كان هناك دول أخرى عندها أدلة أوضح فالمجتمع الدولي بالتأكيد سيستمع لها.. ولكن كي نكون جادين يجب أن تكون هذه الأدلة واضحة ودقيقة وعلمية ويقتنع بها المجتمع الدولي».
ولكن تصريحات آل نهيان أثارت دهشة الدبلوماسيين الأمريكيين في المنطقة ودقت ناقوس الحذر لديهم.
الانسحاب من الاتفاق وتَّر الأوضاع
وازدادت التوتُّرات بأعقاب انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق النووي التاريخي مع إيران العام الماضي، وإعادة فرض العقوبات الاقتصادية. وردَّت إيران خلال الأسابيع الأخيرة بالإعلان عن أنَّها ستخرق اثنين من القيود المفروضة على تخصيب اليورانيوم.
وأعرب بعض المسؤولين والمُحلِّلين في المنطقة عن قلقهم إزاء استراتيجية «الحد الأقصى من الضغط» التي تُمارسها الولايات المتحدة ضد إيران -والتي تقول الإدارة إنَّ الهدف منها هو إجبار إيران على التفاوض بشأن صفقةٍ نووية جديدة والتخلي عن برنامج الصواريخ الباليستية-، إذ يرون أنَّها تُعرِّض دول الخليج لخطر اندلاع الصراع دون ضمانات أمنية قوية، بحسب الصحيفة الأمريكية.
وفي الأسابيع الأخيرة، تساءل الرئيس ترامب علناً عن الأسباب التي تُجبر الولايات المتحدة أن تكون مسؤولةً عن تأمين خطوط الشحن الخليجية، وأشار في تغريدةٍ كتبها على تويتر الشهر الماضي إلى أنَّ هناك دولاً أخرى تعتمد على نفط المنطقة أكثر من الولايات المتحدة. وحثَّ الحلفاء على القيام بدورٍ أكبر في حماية الأصول البحرية.
تغريدة تشكك في قدرة واشنطن على حماية المنطقة
وقال هنري رومي، مُحلِّل الشرق الأوسط في شركة Eurasia Group لاستشارات المخاطر السياسية بنيويورك: «يُشكِّك ترامب مرةً أخرى في دور الولايات المتحدة بصفتها ضامناً للأمن منطقتهم». ويرى رومي أنَّ الشكوك التي أثارها ترامب حول حماية السعودية والإمارات، تُشبه الأسئلة التي أُثيرت في السابق حول الضمانات الأمنية الأمريكية لليابان وكوريا الجنوبية وحلفائها الأوربيين.
وأضاف رومي: «من ناحية، تُريد تلك الدول أن تُثبِتَ أنَّ المشتريات العسكرية التي كلَّفتها مليارات الدولارات لم تضِع هباءً -وأنَّ بإمكانها الدفاع عن نفسها. لكنها لا ترغب في إعطاء انطباعٍ بأنَّها تستطيع الدفاع عن نفسها بنفسها، خشية أن يُشجِّع ذلك الانطباع ترامب على إصدار أمرٍ لجنوده بحزم أمتعتهم والعودة إلى أرض الوطن».
وانتقد بعض المُعلِّقين داخل السعودية والإمارات إحجام ترامب عن تنفيذ ضربةٍ عسكرية ضد إيران في أعقاب إسقاطها طائرة تجسُّس بدون طيار، تابعة للبحرية الأمريكية، فوق مضيق هرمز الشهر الماضي. فضلاً عن أنَّ دعوة ترامب اللاحقة للتفاوض غير المشروط مثَّلت مصدر إحباطٍ لبعض الدول في المنطقة، لأنَّ إيران قد ترى علامة ضعفٍ في التحوُّل المُفاجئ للسياسة الأمريكية بحسب الدبلوماسيين والمُحلِّلين.
السعوديون يرفضون الحلول الوسط مع إيران
ودعا المُحلِّل محمد السلمي، في عمودٍ نشرته صحيفة Arab News اليومية المُرتبطة بالحكومة السعودية، الولايات المتحدة إلى «تجنُّب الحلول الوسط مع إيران».
وتعود الخصومة السعودية الإيرانية داخل المنطقة إلى زمنٍ بعيد، وأدَّى هذا التنافس عادةً إلى عواقب وخيمة في لبنان والعراق وسوريا واليمن.
وقالت سانام فاكيل، زميلة الأبحاث البارزة في مؤسسة «Chatham House» البحثية بلندن، إنَّ الدول الخليجية شعرت أنَّ إدارة ترامب «تخلَّت عنها» حين تفاوضت الولايات المتحدة وغيرها من القوى العالمية على الاتفاق النووي الإيراني عام 2015، والذي يكبح أنشطة إيران في مجال الطاقة الذرية مُقابل تخفيف العقوبات الكبرى، بحسب الصحيفة الأمريكية.
وقالت مؤسسة «European Council on Foreign Relations» البحثية، في مذكرتها السياسية التي نُشِرَت مُؤخراً، إنَّه بالنسبة للدول الخليجية مثل السعودية والإمارات «فإنَّ ظهور إدارةٍ أمريكية مُتشدِّدة أتاح فرصةً طيبة لاحتواء إيران بطريقةٍ لم تكُن مُمكنةً في عهد الرئيس السابق».
لكن السلمي، أمين «المعهد الدولي للدراسات الإيرانية» (رصانة) في الرياض، قال في عموده إنَّ غياب الاستجابة الثابتة القوية من قِبَل الولايات المتحدة أدَّى «إلى استمرار إيران في عملياتها». وكتب أنَّ أحد خيارات التعامل مع طهران هو «شَنُّ هجومٍ يتجاوز توقُّعات النظام الإيران، عن طريق عمليةٍ عسكرية وقائية. وهذا الهجوم سيَشُلُّ كافة قدرات النظام الإيراني العسكرية، ويضمن عجزه عن الرد بكامل قوته».
ولم يدع المسؤولون السعوديون صراحةً لشَنِّ حملةٍ عسكرية ضد إيران، لكن قادة المملكة كانوا الأكثر إصراراً على إدانة ما وصفوه بـ»السياسات العدوانية» الإيرانية.
الجبير مصرٌّ على الحرب ولكن..
وخلال مُقابلة أجراها عادل الجبير مُؤخراً مع شبكة أخبار France 24 في باريس، رفض وزير الخارجية السعودي استبعاد خيار الرد العسكري على ما وصفه بالاستفزازات الإيرانية، ومن بينها الهجمات بالصواريخ والطائرات بدون طيار مؤخراً على البنية التحتية السعودية من قِبَل المُعارضين المُتحالفين مع إيران في اليمن.
إذ قال الجبير: «نحن نؤيِّد كل ما من شأنه أن يزيد الضغط على إيران لتغيير سلوكها. وإيران هي المسؤولة عن التصعيد دائماً».
وكانت الإشارات الواردة من الإمارات، التي تربطها علاقات تجارية قوية مع إيران، أكثر اختلاطاً رغم قلقها الواضح بشأن التسوية الأمريكية. إذ كتب عبدالخالق عبدالله، المُحلِّل السياسي الإماراتي البارز، على تويتر: «حان الوقت الذي تتوقف فيه الدول الخليجية عن الاعتماد الكامل على الولايات المتحدة».
وأدَّى النهج الأكثر حزماً الذي تقوده السعودية -وولي عهدها محمد بن سلمان تحديداً- إلى وضع المملكة في خلافٍ مع الحلفاء الأمريكيين الأصغر داخل المنطقة لأنَّهم يرغبون في تسوية الأزمة من خلال المفاوضات. وقال المُحلِّلون إنَّ الكويت وعمان، اللتين تربطهما علاقات ثنائية مع إيران، مُستاءتان من المحاولات السعودية للضغط عليهما من أجل تبنِّي سياسةٍ خارجية أكثر صدامية.
وقال دبلوماسيٌ كويتي بارز، تحدَّث بشرط عدم الإفصاح عن هويته لأنَّه غير مُخوَّلٍ بالتحدث إلى وسائل الإعلام: «الوضع خطير وحرج للغاية. وموقف الكويت واضح، إذ يسعى إلى ضبط النفس من جانب جميع الأطراف، وتجنُّب التصعيد في المنطقة».
وسافر وزير الخارجية الكويتي في رحلةٍ رسمية نادرة إلى طهران قبل عامين سعياً للحوار، لكن جهوده تعطَّلت. وتَحُثُّ الكويت «مجلس الأمن الدولي» الآن على تولِّي زمام المبادرة لإنهاء الأزمة.
وكتبت سانام، الزميلة الباحثة، في مُذكِّرة السياسة التي نشرتها مؤسسة «Chatham House»: «انخرطت دول الخليج، التي تُدرك جغرافيتها وقربها من إيران والسعودية، في تعاملات مع طهران بوصفها جزءاً من الاستراتيجة الوقائية للموازنة ضد ضغط الرياض. وكشفت تلك السياسة الوقائية عن الانقسامات العميقة بين دول الخليج العربي».