أثار قرار الرئيس عبدربه منصور هادي تعيين اللواء صغير حمود عزيز قائداً للعمليات المشتركة للقوات المسلحة في اليمن الكثير من علامات الإستفهام حول دلالات القرار، خاصة مع عدم وجود منصب في هيكلة الجيش يحمل هذه الصفة.
ظهر مصطح القوات المشتركة في وقت متأخر من انطلاق الحرب التي تقودها الممكلة العربية السعودية في اليمن، وتحديدا عقب مقتل الرئيس السابق علي عبدالله صالح على يد حلفائه الحوثيين، في الرابع من ديسمبر 2017م، وخروج العديد من القيادات العسكرية التي كانت محسوبة عليه إلى مناطق تواجد التحالف العربي في اليمن، ولقيت هناك الحفاوة، وجرى ترتيب وضعها في تشكيلات عسكرية، دون أن يتم استيعابها ضمن قوات الجيش الوطني الخاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية، والتي تقاتل تحت إشراف التحالف العربي بقيادة السعودية منذ اليوم الأول من الحرب.
كان واضحا مسمى الجيش الوطني منذ البداية باعتباره يتشكل من بقايا الجيش الرسمي الذي انقض عليه الحوثيون عقب انقلابهم، وبدأ يلملم صفوفه في مواقع عسكرية خارج مناطق سيطرة الحوثيين، تحت مسمى المقاومة الشعبية، ومع استمرار الحرب، وعودة الكثير من الضباط والجنود إلى الخدمة، تشكلت الطلائع الأولى للجيش من جديد.
لاحقا حصل نوعا من الفرز بين جنود وضباط الجيش، والمنخرطين من المجاميع الشعبية في المقاومة، وجرى إذابة المقاومة التي كان لها الصمود الأول في وجه الحوثيين داخل مسمى جديد أطلق عليه "الجيش الوطني"، وبدأت عملية بناء ذلك الجيش وهيكلته من جديد، عبر استعادة دوره، وتعيين قيادات جديدة، وإعادة توزيعه على الجبهات العسكرية، من خلال توزيعها إلى مناطق عسكرية متعددة، وتنظيم القيادة المشرفة على الجيش، كهيئة الأركان العامة، ودوائروزارة الدفاع، وظل موقع وزير الدفاع شاغرا، حتى جرى تعيين اللواء محمد علي المقدشي وزيرا للدفاع بتاريخ السابع من نوفمبر 2018م وهو الذي عمل أول رئيس لهيئة الأركان في هذا الجيش.
كانت حينها التدخلات السعودية قائمة على أساس التعاون والإشراف العسكري على الجيش الوطني في اليمن، وعمل الأمير فهد بن تركي نائب قائد القوات البرية في الجيش السعودي على التنسيق مع الجانب اليمني في إدارة المعارك، بحكم موقعه كقائد للعمليات الخاصة المشتركة لدول التحالف، ثم جرى تعيينه لاحقا قائدا للقوات البرية السعودية، واستمر يعمل في الموقعين حتى اللحظة.
لكن الصفة التي يحملها الأمير السعودي كقائد للعمليات الخاصة المشتركة لدول التحالف بقيادة السعودية تغيرت لاحقا ليصبح قائد القوات المشتركة منذ الـ27 من فبراير 2018م، (وفق ويكيبيديا) أي بعد أقل من شهرين من مقتل الرئيس السابق "صالح"، وهي الفترة التي أعقبها العديد من المتغيرات في السلوك السعودي تجاه الجيش الوطني في اليمن، بما ينبئ بواقع مختلف يجري الإعداد له من قبل المملكة العربية السعودية.
رغم اكتمال قيادة الجيش اليمني الجديد لكن بدت هناك تحركات للسعودية من خلال الأمير فهد بن تركي الذي يحمل رتبة فريق في الجيش السعودي بالعمل على تعطيل عمل وزارة الدفاع وهيئة الأركان العامة من خلال العديد من الإجراءات التي اتخذها.
تقول المعلومات التي حصل عليها "الموقع بوست" إن قيادة التحالف سعت للتواصل المباشر مع قيادة الألوية العسكرية، وبدأت الفكرة مع المنطقة العسكرية السابعة التي يمتد نطاقها في البيضاء ونهم ومحيط العاصمة صنعاء، من خلال ضابط عسكري سعودي عرض الفكرة خلال اجتماع مع قيادة المنطقة التي كان يقودها وقتذاك اللواء الركن ناصر الذيباني، لكن الفكرة قوبلت بالرفض التام حينها من قائد المنطقة، والذي انتفض غاضبا في وجه الضابط السعودي، رافضا الفكرة بشكل تام، وبعد أيام جرى تغيير الذيباني وإقالته من موقعه كقاد للمنطقة.
وفي وقت لاحق طرح الأمير السعودي التحالف فهد بن تركي إلغاء المناطق العسكرية في اليمن، بحيث تكون البداية من المنطقة العسكرية الخامسة التي يمتد نطاقها القتالي في مناطق حجة وحرض والحديدة، والتي عمل على رأس قياداتها العديد من الضباط العسكريين، دون أن تشهد استقرار في قيادتها.
رفضت تلك المقترحات جملة وتفصيلاً من قبل قيادة الجيش، فذهبت السعودية بعد ذلك لتشكيل ألوية عسكرية في صعدة وحجة تتبعها مباشرة، ولا تتبع وزارة الدفاع عملياتيا واداريا، وهو ما ظهر في المسميات المختلفة لتلك الألوية التي تقاتل بعيدا عن الجيش الحكومي وقيادته، وتتلقى التمويل الرسمي بشكل مباشر من الحكومة السعودية.
عقب ذلك توجهت التحركات السعودية نحو مدينة مأرب، ووجدت الرياض هناك أن وزارة الدفاع رغم الفساد الذي يوجه لها تؤسس لجيش مستقبلي رسمي، وكل إمدادات ذلك الجيش تأتي عن طريق هيئة الأركان العامة، وذهبت لإختلاق المشاكل بعد استبعاد المقدشي من رئاسة هيئة الأركان.
تكشف المصادر أنه بعد موافقة العميد طاهر العقيلي تم سحب التغذية من وزارة الدفاع، وترك التحالف يقوم بتوزيعها مباشرة على الوحدات العسكرية، ثم جرى سحب الامداد اللوجستي من وزارة الدفاع وهيئة الأركان وتركها للتحالف يتعامل بشكل مباشر مع الوحدات العسكرية.
لم يتبقى لقيادة الدفاع وهئية الأركان بعد ذلك سوى إدارة العمليات العسكرية والمعارك وتنفيذها، فاختلق الجانب السعودي مبررات جديدة تتهم قيادة الجيش بالفشل، واشترطوا لاستمرار الدعم تعيين طاهر العقيلي رئيسا لهيئة الأركان العامة.
وفي الرابع من سبتمبر 2017م تم تعيين العقيلي قائد لهيئة الأركان العامة، لكنه وفقا للمصادر فشل في إدارة المعركة، وفشل في تشتيت قوات المنطقة العسكرية السابعة بعد اعتراض قادتها، ووصل الأمر حد المواجهة.
عاد الجانب السعودي بعد ذلك واشترطوا تعيين هاشم الاحمر قائدا لعمليات معركة تحرير صنعاء، والذي بدأ إعادة ترتيب الجيش الذي يقوده، وإعادة هيكلته، ولكن تلك الإجراءات التي اتخذها لقيت معارضة شديدة من السعودية.
كان حينها العميد ركن محسن محمد الداعري قد انخرط من عدة شهور مع هاشم الأحمر والجانب السعودي، وأصبح نائب الرئيس علي محسن الأحمر، ووزير الدفاع محمد علي المقدشي المتهمين بتخريب الجيش، من قبل السعودية.
سعت السعودية بعد ذلك لإعداد دراسة لإعادة هيكلة الجيش، وشكلت لجنة خاصة لهذه المهمة، وكان الداعري أحد أفراد تلك اللجنة، وكان صغير بن عزيز مرشحا من الجانب السعودي لمنصب رئاسة هيئة الأركان، ودفعوا به لدراسة دورة هيئة الأركان العامة في السودان.
هدف الهيكلة السعودية بمفهومها الجديد تدمير بنية الجيش الإدارية والعسكرية في مأرب، وإزاحة كل من له علاقة بالتجمع اليمني للإصلاح أو نائب الرئيس علي محسن الأحمر، وسحب سيطرة وزارة الدفاع وهيئة الأركان العامة بشكل تام عن القيادة الحالية، وإعادة إنتاج قيادة جديدة تتناسب مع التوجهات الجديدة للسعودية في اليمن، التي يبدو أنها تتجه نحو واقع مختلف.
ويأتي قرار تعيين صغير بن عزيز قائدا للعمليات المشتركة للقوات المسلحة، والعميد الركن محسن الداعري مساعدا له ضمن هذا التوجه الجديد، رغم عدم وجود أي منصب أو توصيف رسمي في الجيش لهذه المنصب، وهناك فقط مدير دائرة العمليات العسكرية ضمن الهيكل الحالي للجيش.
وفقا لمصادر الموقع بوست فهذه القرارات الهدف منها السيطرة على العمليات العسكرية في كل الجبهات في اليمن، وتعطيل السيطرة على الجيش في الجانب العملياتي للمعركة، وجعل قيادة المعركة ميدانيا وإداريا بيد القوات السعودية بشكل مباشر.
وبات من الواضح أن هذا القرار يعززز سيطرة القوات السعودية على قرار تحريك الحبهات العسكرية بشكل كلي، ويحول المقاتلين اليمنيين ضمن الجيش إلى مجرد أجراء ملحقين بالقوات السعودية، دون وجود قيادة عسكرية وهيكلة واضحة للجيش اليمني.
أقدمت المملكة العربية السعودية على هذه الخطوة بعد اختيار وانتقاء الشخصيات التي تعول عليها المضي في هذه المهمة، وكان من اللافت موافقة اللواء صغير بن عزيز في الإنخراط بهذا الأمر، لكن مصادر عسكرية أخرى ربطت بين هذه الخطوة وبين العلاقة التي تربط بن عزيز مع طارق صالح، والخطوات الأخرى التي اتخذتها دولة الإمارات في الساحل الغربي من خلال دمج تلك القوات المتواجدة في الساحل في كيان واحد، وإذابة القوات المحسوبة على الرئيس عبدربه منصور هادي في ذلك الكيان.