سفينة تركية

صراع الغاز شرق المتوسط.. قانونيا هل من حق تركيا التنقيب في المياه القبرصية؟

نفذ الاتحاد الأوروبي تهديداته وفرض عقوبات على تركيا بسبب التنقيب عن النفط والغاز في مياه شرق البحر المتوسط قبالة سواحل جزيرة قبرص، وردت أنقرة بالتصعيد وبأنها ستواصل الحفاظ على حقوقها، واتهمت الاتحاد الأوروبي بالانحياز في نزاع حدودي، فما هي القصة؟ وعلى ماذا تبني أنقرة موقفها؟ وماذا يقول القانون الدولي؟

قصة النزاع الحدودي في قبرص ترجع لستينيات القرن الماضي وتحديداً عام 1960 عندما نالت الجزيرة استقلالها من الاحتلال البريطاني وأصبحت جمهورية مستقلة وعاصمتها نيقوسيا. سكان الجزيرة كانوا خليطاً من قبارصة من أصل يوناني وآخرين من أصل تركي، ولكن لم تكن هناك تجمعات خاصة بكل عرق، بل كانوا يعيشون على أراضي الجزيرة جنباً إلى جنب.

 

بدأت التوترات العرقية تطفو على السطح بسبب محاولات المجلس العسكري الحاكم في اليونان وقتها استغلال كون أغلبية سكان الجزيرة من أصل يوناني كي يضمها لليونان، وذلك عن طريق دعم سياسيين يتبنون نفس الأجندة التي تطالب بضم الجزيرة لليونان.

تحولت التوترات إلى حرب أهلية عام 1963، وفي نفس الوقت كانت لبريطانيا أجندتها الخاصة حيث كانت لديها قوات على الجزيرة لمحاولة السيطرة على الحرب الأهلية.

المنطقة العازلة في نيقوسيا – رويترز

وفي عام 1974 وقع انقلاب عسكري في قبرص بدعم من المجلس العسكري الحاكم في اليونان، وأعلن عن ضم الجزيرة لليونان، وجاء الرد التركي بغزو الجزيرة وهزيمة الانقلاب العسكري، وتدخلت الأمم المتحدة لوقف القتال، وتم عمل منطقة عازلة قسمت الجزيرة إلى ثلث شمالي تسيطر عليه القوات التركية وباقي الجزيرة، حيث القوات اليونانية وبينهما منطقة عازلة بطول 120 ميلاً تتمركز فيها قوات بريطانية تحت إشراف الأمم المتحدة.

إعلان جمهورية قبرص التركية

 

أصبحت الأوضاع السكانية على الجزيرة غاية في الصعوبة، حيث فر القبارصة الأتراك من القسم الجنوبي من الجزيرة الواقع تحت سيطرة اليونانيين إلى الجزء الشمالي الواقع تحت السيطرة التركية، والعكس بالعكس، حيث فر القبارصة اليونانيون من الجزء الشمالي، مما أدى لتركز كل عرق من سكان الجزيرة في منطقته على جانبي الخط الفاصل.

 

 

نتج عن ذلك بالطبع مشكلات متشعبة، وقامت تركيا بالإعلان عن تعويض القبارصة اليونانيين عن ممتلكاتهم، وقبل الكثير منهم بالفعل بالتعويض، واستمرت المحاولات الدبلوماسية للتوصل لحل سياسي للنزاع، لكنها باءت بالفشل، مع إصرار اليونان على كون الجزيرة يونانية واعتبار سكانها القبارصة الأتراك أقلية.

 

أعلن الجزء التركي من الجزيرة استقلاله عام 1983 وقامت جمهورية شمال قبرص التركية، واعترفت بها أنقرة على الفور، لكن لم تعترف بها أي دولة أخرى، واستمرت محاولات إعادة توحيد الجزيرة.

لعنة اكتشافات الغاز

آخر جولة من مفاوضات السلام بين شطري الجزيرة انطلقت عام 2015 تحت رعاية الأمم المتحدة، مع وصول الرئيس مصطفى أكينجي للحكم في قبرص التركية، وإعلان رئيس قبرص اليونانية نيكوس أناستاسياديس عن إمكانية الوصول لتفاهمات مع الرئيس الجديد، وبالفعل أجريت عدة جولات من المفاوضات في أجواء مفعمة بالأمل في التوصل لاتفاق ينهي صراعاً دام عقوداً طويلة.

الأمين العام للأمم المتحدة أثناء محادثات توحيد قبرص قبل عامين

وتوصل الجانبان بالفعل لصيغة قيام كونفدرالية تضم الجمهوريتين في اتحاد يسمح لكل طرف بإدارة شؤونه المحلية بما يتوافق مع سكانه، على أن تكون أمور السيادة من اقتصاد وعلاقات خارجية وجيش موحدة بينهما، واستمرت المفاوضات حتى عام 2017، حين انهارت فجأة دون مقدمات تزامناً مع اكتشاف حقول الغاز في المياه الإقليمية للجزيرة.

الاتحاد الأوروبي ودوره في حل النزاع

هذا التسلسل في أحداث النزاع يصل بنا للنقطة الحالية وفرض الاتحاد الأوروبي لعقوبات على تركيا بسبب التنقيب عن النفط والغاز في مياه قبرص الإقليمية.

تركيا تتهم الاتحاد الأوروبي بالانحياز لقبرص اليونانية

تركيا ترى أن من حق قبرص التركية الحصول على حصتها في أي اكتشافات في تلك المياه، وبالتالي أرسلت سفينتين للتنقيب، والقانون الدولي هنا في صف تركيا طالما أن النزاع في قبرص نفسها لم يتم حله بعد، أي أن اعتبار الاتحاد الأوروبي أن قبرص اليونانية هي فقط صاحبة الحق في خيرات المياه الإقليمية يعني الانحياز لأحد طرفي نزاع قائم، وهذا بالتحديد ما ردت به تركيا اليوم الثلاثاء 16 يوليوتموزعلى بيان عقوبات الاتحاد الأوروبي.

الموقف الآن يستدعي حل النزاع القبرصي (أو بمعنى أدق اليوناني التركي) أولاً قبل أن تصل الأمور لنقطة التصادم مرة أخرى، كما حدث عام 1974، وطالما لا يزال النزاع قائماً فمن حق تركيا ومن خلفها قبرص التركية التنقيب عن النفط والغاز تماماً مثل قبرص اليونانية، وهذه النقطة هي ما تبني عليها تركيا موقفها من الناحية القانونية والسياسية.