يبدو أن تداعيات تخفيض الإمارات قواتها في اليمن لن تقتصر على زعزعة تحالفها مع السعودية، في مرحلة تشهد توتراً شديداً مع إيران، بل قد تمتد إلى تقليص سياستها في المنطقة القائمة على التدخل، مقابل حديث عن رغبة إماراتية في «التفرغ» للملف الليبي، وفق خبراء.
بوتيرة متسارعة، تتردد أنباء عن نية أبوظبي الانتقال في اليمن من «استراتيجية عسكرية» إلى خطة تقوم على تحقيق «السلام أولاً»، في ظل حديث عن تدخل مسؤولين سعوديين، لمحاولة ثنيها عن قرار الانسحاب، وشعور الرياض «بخيبة أمل كبيرة».
والإمارات هي ثاني أكبر دولة في تحالف عسكري عربي، تتزعمه السعودية منذ مارس/آذار 2015، وينفذ عمليات في اليمن، دعماً للقوات الموالية للحكومة، في مواجهة قوات جماعة «أنصار الله» (الحوثيين)، المدعومة من إيران.
وبشكل رئيسي، تشرف أبوظبي، منذ منتصف 2015، على الملفين العسكري والأمني في المحافظات الجنوبية والشرقية المحررة من الحوثيين، الذين يسيطرون على محافظات، بينها العاصمة صنعاء منذ سبتمبر/أيلول 2014.
كلفة الحرب الكبيرة في اليمن يراها خبراء سياسيون وعسكريون سبباً رئيساً في قرار أبوظبي تخفيض قواتها، ضمن مراجعة شاملة لسياساتها الخارجية، تمهيداً لإعادة تموضع إقليمي استراتيجي.
وعزا الخبراء ذلك إلى كون الإمارات ليست بـ «الدولة الكبيرة»، التي يمكنها التعاطي مع أكثر من ملف في آن واحد، وهو ما أظهرته أوراقها المبعثرة في المنطقة، التي تشهد استقطاباً حاداً في السنوات الأخيرة.
خيبة أمل سعودية
وبالنسبة لتداعيات القرار، توقع خبيران عسكريان «انسحاباً تدريجياً» إماراتياً من الملفين الليبي والسوداني، خلال الفترة المقبلة.
لكن خبيراً آخر بالشأن الليبي استبعد نية أبوظبي الانسحاب من البلد العربي الغني بالنفط (ليبيا)، وربط بين تراجعها في اليمن ورغبتها في «التفرغ» للملف الليبي، عبر دعم حليفها اللواء المتقاعد خليفة حفتر، قائد قوات شرقي ليبيا.
وتعاني ليبيا، منذ 2011، من صراع على الشرعية والسلطة، يتركز حالياً، بين حفتر وحكومة الوفاق الوطني، المعترف بها دولياً.
قبل أيام نقلت وسائل إعلام عن مسؤول إماراتي رفيع المستوى أن أبوظبي تسحب قواتها من اليمن، ضمن خطة «إعادة انتشار»؛ لأسباب «استراتيجية وتكتيكية».
وأفادت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، الجمعة الماضي، بتدخل مسؤولين في الديوان الملكي السعودي لمحاولة ثني الإمارات عن سحب قواتها، مشددة على أن «السعوديين شعروا بخيبة أمل كبيرة من قرار أبوظبي».
ونقلت الصحيفة عن دبلوماسيين غربيين وعرب مطلعين قولهم إن خفضاً في عدد القوات الإماراتية حدث بالفعل، مدفوعاً برغبة في الخروج من حرب مكلفة للغاية، حتى لو أغضب ذلك حلفاءهم السعوديين.
تضارب المصالح
«تضارب المصالح واختلاف الأهداف» بين الرياض وأبوظبي، رأى الخبير السياسي، كامل عبدالله، أنه يقف خلف قرار الإمارات.
وأضاف عبدالله لوكالة أنباء الأناضول أن مراحل العمليات في اليمن «تعرّي التحالف العربي، الذي كان يتم تقديمه إعلامياً على أنه كيانٌ وتكتل متماسك ومتوافق الأهداف».
واستشهد بممارسات كانت تشير إلى خلافات تتسع بين البلدين مع إطالة أمد العمليات في اليمن، كـ «محاولات تقسيم ذلك البلد العربي بين شمال وجنوب».
وشهدت الفترة الأخيرة مساعٍ خارجية لتسويق فكرة انفصال جنوب اليمن عن شماله، بإيعاز من الإمارات، وفق منتقدين.
وكذلك توتر ملحوظ من حين إلى آخر بين الحكومة اليمنية، التي يدعمها التحالف، وبين أبوظبي، التي يتهمها مسؤولون يمنيون بامتلاك أجندة مصالح خاصة بعيداً عن التحالف، وهو ما تنفيه.
متفقاً مع الطرح السابق، قال الخبير العسكري الأردني، قاصد محمود، للأناضول إنه يوجد تعارض في السياسات السعودية الإماراتية باليمن، في ظل عدم وجود رؤية واضحة لنهاية الحرب (بدأت قبل 5 سنوات)، التي باتت كلفتها عالية جداً.
في الاتجاه ذاته، ذهب الخبير العسكري المصري صفوت الزيات إلى أن الإمارات باتت أمام «نقطة انعطاف حادة بشأن جدوى المشاركة خارج حدودها سياسياً وعسكرياً ودبلوماسياً».
وأضاف الزيات للأناضول أن «إعلان الخروج بهذا الشكل المفاجئ يعد تعبيراً عن إدراك بعدم جدوى الحل العسكري في اليمن، بجانب الخلافات الشديدة مع السعودية في أسلوب إدارة العمليات منذ الأيام الأولى».
كما أن «هناك حالة عدم رضا داخل الإمارات، فبعض النافذين في الداخل لم يكن لديهم الرضا الكامل عن تحمل كلفة حرب بالوكالة»، وفق الزيات.
انكماش تدريجي
يتوقع الخبيران العسكريان «انسحاباً وانكماشاً تدريجياً» من جانب أبوظبي، خلال الفترة المقبلة، في سياستها التوسعية بالمنطقة، خاصة في ليبيا والسودان، على غرار اليمن.
ورأى محمود أن الإمارات في مرحلة إعادة ترتيب لملفاتها الخارجية «بطريقة أكثر قبولاً لشعبها وللعالم العربي».
وتوقع في الوقت ذاته انسحاباً إمارتياً من الملفين الليبي والسوداني، «إذا كانت سياسة التخفيض باليمن مبنية على تخفيض النفقات المترتبة على التدخل هناك».
واستشهد بأن الملف الليبي أقل وضوحاً من نظيره اليمني، وكلفته أكبر من الناحيتين المادية والعسكرية على الإمارات، «خاصة أن دورها العسكري في ليبيا أكثر وضوحاً على أرض الواقع».
لكنّه شدد على أن الاهتمامات الإماراتية في ليبيا «استراتيجية تصل إلى المستوى الحيوي».
واستدرك قائلاً: «أبوظبي غير قادرة على الاستمرار في الملف الذي لا يوجد به أي ضوء في نهاية النفق المظلم».
أما عن السودان فرأى أنه «من المبكر الجزم بوجود تدخل إماراتي مباشر هناك.. قد يكون تدخلاً استخبارياً من دون تورّط مادي ومعنوي وعسكري، على عكس اليمن وليبيا».
ويتهم سودانيون كلاً من الإمارات والسعودية ومصر بدعم المجلس العسكري الانتقالي في مواجهة «قوى إعلان الحرية والتغيير»، التي تطالب بتسليم السلطة إلى المدنيين.
ويتولى هذا المجلس السلطة منذ أن عزلت قيادة الجيش، في 11 أبريل/نيسان الماضي، عمر البشير من الرئاسة (1989: 2019)، تحت وطأة احتجاجات شعبية، بدأت أواخر العام الماضي، تنديداً بتردي الأوضاع الاقتصادية.
أما الزيات فقال إن تورط الإمارات في أكثر من ملف في خريطة الشرق الأوسط، دفعها إلى «مراجعة حادة لتدخل لا تتحمله ويفوق عمقها السكاني والجغرافي والاجتماعي».
وتوقع أن «تدفع الدروس المستفادة من الحرب اليمنية الإمارات إلى مراجعة موقفها من ليبيا».
تفرغ للملف الليبي
على خلاف الطرح السابق، ذهب الخبير كامل عبدالله إلى أن الانسحاب الإماراتي من اليمن هدفه هو «التفرغ لدعم مستخدمها في ليبيا، حفتر، بعد تعثر حملته العسكرية على العاصمة طرابلس (غرب)».
ومنذ 4 أبريل/نيسان الماضي تشن قوات حفتر هجوماً متعثراً للسيطرة على طرابلس، مقر حكومة الوفاق الوطني.
واستشهد عبدالله في طرحه بما ذكره وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي، أنور قرقاش، في مقال بصحيفة فرنسية مؤخراً، من أن «ليبيا تمثل أولوية بالنسبة للإمارات في الوقت الراهن».
وتابع عبدالله أن الإماراتيين يرون ليبيا «ملعباً سهلاً يمكن من خلاله تحقيق الأهداف من دون كلفة، واختبار لعملية عسكرية سياسية في التأثير الإقليمي».
وشدد على أن الإمارات «لا يمكنها التعاطي مع أكثر من ملف في توقيت واحد».
تعميق الانقسام
ثمة نتيجة أخرى محتملة لسحب الإمارات قواتها من اليمن، وفق محمود، وهي تعميق أزمات منظومة دول مجلس التعاون الخليجي في المستقبل، وسيكون ثمنه كبيراً.
وأردف أن الإمارات بدأت تبتعد قليلاً عن المواجهة الإعلامية مع إيران، وتقليل فرص مواجهتها، وهو ما لن يُرضي الحليف السعودي، وفق قوله.
ويتصاعد توتر، منذ أشهر، في الشرق الأوسط بين إيران من جهة والولايات المتحدة الأمريكية ودول خليجية حليفة، في مقدمتها السعودية، من جهة أخرى.
ويتركز التوتر حول تخفيض طهران التزاماتها بموجب الاتفاق النووي متعددة الأطراف الموقع عام 2015، بعد مرور عام على انسحاب واشنطن منه، في مايو/أيار 2018، وإعادة فرض عقوبات على إيران.
كما تتهم واشنطن وحلفاؤها إيران باستهداف سفنٍ تجارية ومنشآت نفطية في منطقة الخليج، وهو ما تنفيه طهران، وعرضت توقيع اتفاقية «عدم اعتداء» مع دول الخليج.