منذ بداية الربيع العربي نهاية عام 2010، وتزايد مطالب التغيير الديمقراطي في العالم العربي، تطورت علاقة خاصة بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، استنادا إلى العديد من الأسباب المشتركة. وقد ساعد البلدان في عودة الاستبداد إلى مصر من خلال تمويل نظام الرئيس "عبدالفتاح السيسي"، بعد أن أطاح بالرئيس الراحل "محمد مرسي" عام 2013. وكان البلدان قد بدآ معا تدخلا في اليمن بهدف معلن يتلخص في إعادة الرئيس الشرعي "عبدربه منصور هادي"، إلى منصبه في صنعاء. وفرض السعوديون والإماراتيون مقاطعة وحصارا على قطر المجاورة، بعد أن اتهموها باتباع سياسات تتعارض مع مصالح المنطقة، وإضعاف عمل مجلس التعاون الخليجي. ودعم البلدان الجنرال "خليفة حفتر" في تحديه لعملية سياسية تقودها الأمم المتحدة في ليبيا، فضلا عن تقديم الدعم المالي السخي له. وهم يدعون أنهم حماة الوضع الراهن للسياسة العربية في مواجهة الدعوات لإجراء تغييرات سياسية في بلاد العرب.
لكن هذا التحالف يواجه الآن بعض التحديات؛ حيث قررت الإمارات سحب جزء على الأقل من قواتها العسكرية في اليمن. ومن ناحية، تسلط الخطوة الإماراتية الضوء على المشكلات الخطيرة في هذا التدخل الذي بدأته الإمارات والسعودية منذ مارس/آذار 2015. ومن ناحية أخرى، تشير تلك الخطوة إلى اختلافات في الطريقة التي يقيم بها البلدان مساعيهما المشتركة على مدار 4 أعوام، وهي المساعي التي اعتبروها محورية للحد من النفوذ الإيراني في شبه الجزيرة العربية. وتكتسب هذه التحديات أهمية خاصة اليوم، حيث تبدو الحرب في حالة جمود، ويبدو أن الحوثيين يواصلون قصف أهداف في المملكة العربية السعودية نفسها وداخل الإمارات في بعض الأحيان.
الاعتبارات الإماراتية
وفي 8 يوليو/تموز، أعلنت الإمارات الانتقال من الاستراتيجية "العسكرية" في اليمن إلى تبني استراتيجية "دبلوماسية"، مع إعادة نشر وتقليص عدد القوات هناك. وأكد مسؤول يمني الخبر، وقال إن الجنود الإماراتيين الذين يقاتلون المتمردين الحوثيين في الجزء الغربي من البلاد "أخلوا تماما" قاعدة عسكرية في "الخوخة"، التي تبعد نحو 130 كيلومترا جنوب مدينة "الحديدة" على البحر الأحمر. ونفى المسؤولون الإماراتيون أن يكون الانسحاب مفاجئا، وأكدوا أنه تمت مناقشته مع السعودية العام الماضي. وقال مسؤول إماراتي إن هذا الإجراء لا يفترض أن يترك فراغا، لأن الإمارات دربت 90 ألفا من رجال القبائل اليمنيين وأفراد الأمن السابقين وميليشيات الجنوب لتولي ما يلزم من العمل.
وبالنظر إلى التحدي الحوثي الخطير على الحدود مع السعودية، لا يمكن اعتبار تحرك الإمارات تطورا إيجابيا للمملكة. وفي الواقع، يقال إن المسؤولين السعوديين شعروا بخيبة الأمل، وأنهم "تدخلوا لمحاولة ثني الزعماء الإماراتيين عن الانسحاب" ولكنهم فشلوا في ذلك. وتولت القوات السعودية القيادة في "الخوخة" ومدينة "المخا" الساحلية في الجنوب. وأرسلت المملكة قوات إلى مدينة عدن الجنوبية وجزيرة "بريم" المجاورة في مجرى مضيق "باب المندب" الاستراتيجي. وكانت الإمارات قد لعبت دورا فعالا في استعادة "عدن" عام 2015 من المتمردين الحوثيين، الذين كانوا قد احتلوها أثناء اكتساحهم للجنوب عام 2014، مع تحرير المناطق الساحلية حتى "الحديدة". ومن الناحية الاستراتيجية، يظهر استحواذ السعوديين على هذه المواقع العسكرية المهمة أن الانسحاب الإماراتي أكثر خطورة مما تم الإعلان عنه في الأصل. وقد يهدد الانسحاب الإماراتي بفقدان بعض الأراضي التي تم تحريرها من الحوثيين منذ بداية التدخل عام 2015. ويهدد إخلاء القواعد على ساحل البحر اليمني بفتح المنطقة للتسلل والتخريب.
وبالإضافة إلى ذلك، يؤدي الانسحاب من جنوب اليمن إلى كشف العديد من الميليشيات التي رعتها الإمارات، ويفتح إمكانية التنافس والصراع فيما بينها. وكان التدخل الإماراتي، وتحرير "عدن" وغيرها من المناطق، بمثابة نعمة كبيرة على الانفصاليين الجنوبيين، الذين تعثرت جهودهم مرارا من قبل. ويملك المجلس الانتقالي الجنوبي اليوم، بقيادة حاكم عدن السابق "عيدروس الزبيدي"، جميع الوسائل العملية لممارسة المهام الحكومية في عدن، مع خطط لتقرير المصير. ودعمت الإمارات الميليشيات مثل قوات "الحزام الأمني"، وهي جزء من الجيش اليمني، بالإضافة إلى بعض الكتائب السلفية مثل كتائب "أبو العباس"، بالإضافة إلى عناصر من أنصار استقلال الجنوب اليمني. وقامت الإمارات بمحاولات عدة لبسط على جزيرة "سقطرى" اليمنية البعيدة في المحيط الهندي، حيث تحتفظ بقاعدة عسكرية، ولكن محاولاتها تواجه مقاومة مستمرة من السكان المحليين.
وتسبب دور الإمارات في اليمن، ودعمها للميليشيات، في الكثير من القلق بين أعضاء حكومة الرئيس "هادي"، الذين اعتبروا تصرفات الإمارات انتهاكا للسيادة اليمنية وتحديا لشرعية الرئيس. وفي مايو/أيار 2017، اشتبك الرئيس نفسه مع رجل الإمارات القوي، ولي عهد أبوظبي، "محمد بن زايد"، متهما الإمارات بالتصرف كمحتل. وحاول "هادي" إصلاح العلاقات عام 2018، عبر زيارة الإمارات قبل هجوم يونيو/حزيران 2018 على "الحديدة". وينبع هذا الخلاف من رغبة الإمارات في ممارسة نفوذ يتجاوز حجمها الصغير. وقد أتاحت علاقاتها العسكرية والاقتصادية مع البلدان الساحلية التي تمتد جغرافيا من بحر العرب إلى ليبيا، فرصة ذهبية لإمارة أبوظبي، وكانت اليمن - ولا تزال - عقدة محورية في هذا المشهد الاستراتيجي.
وتجعل هذه الصورة الشاملة للعمل الإماراتي في اليمن قرار أبوظبي بالانسحاب من اليمن تطورا مثيرا للاهتمام. ويجب أن تكون هناك أسباب مهمة وراء ذلك، بالنظر إلى أهمية العلاقة السعودية الإماراتية ومستوى الاستثمار الذي قامت به الإمارات في المجهود الحربي. وتتضمن هذه الأسباب ما يلي:
أولا: يعد الدافع الأكثر منطقية لتخفيض التواجد الإماراتي هو الجمود الذي أصاب الحرب بسبب وجود خصم مصر على عدم الاستسلام. ومع ذلك، في نظر صانعي القرار الإماراتيين، لا يعد هذا المأزق كبيرا بسبب المكاسب التي تحققت في جنوب اليمن، بالإضافة إلى حقيقة أنه من غير المرجح أن تحرم السعودية حلفاءها الإماراتيين من الوصول إلى المرافق البحرية المهمة في المنطقة. علاوة على ذلك، في حين لا تتضمن المعلومات الواردة من الإمارات تكلفة الحرب في اليمن، يجب أن يكون للتباطؤ الاقتصادي الحالي تأثيره الخاص على القرار.
ثانيا: ليس من الصعب تخيل أن المصالح العامة للإمارات في اليمن يمكن حمايتها أيضا إذا ما عجل الجمود الحالي للمعركة بانزلاق البلاد نحو التقسيم. وإذا كان الحوثيون أصعب من أن يتم كسرهم، فربما تكون القيادة الإماراتية راضية عن قبول هدف أصدقائها اليمنيين في الجنوب بإعلان دولتهم الخاصة بهم جنوب خطوط القتال الحالية. وفي حين أن هذا قد لا يضمن سيطرة الجنوبيين على جميع الأراضي التي شكلت اليمن الديمقراطية الشعبية (الجنوبية) السابقة، إلا أنه قد يكون كافيا لإشباع رغبة الجنوب في الاستقلال عن الشمال.
ثالثا: يضع القلق بشأن التحدي الإيراني في الخليج العربي قرار الانسحاب في سياق إقليمي أوسع. وفي هذا السياق، ربما يرغب قادة الإمارات في ضمان حماية الجبهة الداخلية، مع زيادة التوترات في الخليج. وما قد يجعل هذا المنطق حتميا في هذا الوقت هو الصدمة الناجمة عن تراجع الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" عن ضربة عسكرية ضد إيران، في أعقاب إسقاط الأخيرة لطائرة تجسس أمريكية.
ربعا: ومن المحتمل أن يكون قادة الإمارات غير مرتاحين بدرجة كبيرة تجاه مستوى النقد الموجه ضد الإمارات والسعودية في قاعات الكونغرس الأمريكي بشأن الأعمال الوحشية المرتكبة ضد المدنيين في اليمن. وكان كل من مجلس النواب ومجلس الشيوخ قد أصدرا تشريعا يحد من إمداد الدولتين بالأسلحة. لكن قدرة الرئيس "ترامب" على الاعتراض على تشريع الكونغرس هي التي حافظت حتى الآن على مبيعات الأسلحة إلى أبوظبي والرياض.
الموقف السعودي
ويبقى هناك شيء واحد مؤكد بعد قرار الإمارات، وهو أن السعودية أصبحت في مأزق. ولا يمكن أن تواصل المملكة حربا لا نهاية لها في الأفق في اليمن بدون شركاء عسكريين يمكن الاعتماد عليهم مثل الإمارات. ولا يمكنها ببساطة حزم أغراضها والمغادرة، لأن ذلك سيكون بمثابة هزيمة استراتيجية. وفي الداخل، ربما تعيد السعودية اليوم التفكير في العلاقة التي نشأت بين ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" والإماراتي "محمد بن زايد"، باعتبار الأخير هو المؤثر والقائد في هذه العلاقة. وسوف تظهر أسئلة صعبة حول هذه العلاقة، وحول قيمة التحالف السعودي الإماراتي في اليمن، وقدرة المملكة على التعاون مع أصدقاء الإمارات في جنوب اليمن، والعديد من القضايا الأخرى التي تعاونت فيها الدولتان من قبل.
في خضم ذلك، تعد إعادة الانتشار السعودي في المناطق التي أخلتها الإمارات في الجنوب الغربي خطوة ضرورية من الناحية الاستراتيجية، في انتظار التطورات العسكرية أو الدبلوماسية الأخرى. أما الأمر الأكثر أهمية من منظور الأمن القومي السعودي فهو ضمان أمن جنوب المملكة من التوغلات الحوثية، ومنع الضربات الجوية الحوثية المتكررة والمربكة ضد المنشآت السعودية. بالإضافة إلى ذلك، تبدو المملكة وكأنها قد تم التخلي عنها من قبل حلفائها في هذا المنعطف الحرج. ففي حين تحتاج إلى مواجهة إيران، يعلن الرئيس "ترامب" أنه يريد التفاوض معها، وتظل السعودية غير قادرة على إشراك شركاء آخرين في حرب اليمن بدلا عن الإماراتيين الأقوياء.
وفي مناسبات عديدة هذا العام، هاجم الحوثيون الأهداف العسكرية والناعمة في المملكة. وكان الهجوم الأخير في 1 يوليو/تموز، عندما قامت طائرات بدون طيار بقصف مطار "أبها" جنوب غرب المملكة بالقرب من الحدود. وتسبب هذه الهجمات إحراجا للمملكة، بالنظر إلى أنظمة الأسلحة الدفاعية الحديثة التي تنشرها القوات السعودية. كما استهدفت هجمات الطائرات بدون طيار منشآت النفط السعودية في مايو/أيار الماضي، مما جعل الحوثيين يشكلون تهديدا مستمرا، ليس فقط للمدنيين والعسكريين السعوديين، ولكن أيضا لشرعية النظام الحاكم في المملكة، وسمعة القوات المسلحة السعودية. وتعد التوغلات الحوثية في الاراضي السعودية أيضا مصدر إهانة. ففي يونيو/حزيران الماضي، ادع الحوثيون أن قواتهم سيطرت على 20 موقعا عسكريا سعوديا على الحدود. ولإضفاء مزيد من الإهانة، قام الحوثيون باستعراض المعدات العسكرية السعودية، التي تم الاستيلاء عليها في صنعاء.
وسوف تتسبب الانسحاب الإماراتي المعلن في زيادة الضغط على القوات السعودية. وقبل هذا القرار، تم نشر القوات البرية السعودية في المقام الأول على الحدود السعودية اليمنية، بينما التزمت الإمارات وجنودها بالمساعدة في تحرير مناطق جنوب اليمن من قبضة الحوثيين. والآن، قد تكون هناك حاجة إلى حراسة إضافية من القوات البحرية السعودية في خليج عدن وممر باب المندب البحري والبحر الأحمر، للحفاظ على الحصار الحالي للحوثيين، إذا قررت الإمارات إنهاء تدخلها بالكامل. ويجعل هذا الوضع من الضروري للسعودية أن تحافظ على دعم القوات السودانية المنتشرة على الأرض في اليمن، وضمان استمرار مساعدة القوات البحرية المصرية في "باب المندب"، وهي مهام تتطلب المزيد من الحوافز النقدية في وقت يظهر فيه اقتصاد المملكة مزيدا من علامات الضعف.
تقييم الاحتمالات
وسيتم اعتبار الزعماء السعوديون مهملين في واجباتهم لحماية المصالح الوطنية لبلادهم إذا لم يبدأوا قريبا في البحث عن طرق بديلة للتعامل مع الحرب في اليمن، حيث قررت الإمارات على الأقل تقليص مشاركتها هناك. وكما هو واضح، لم يثمر ما يقرب من 4 أعوام ونصف العام من التدخل القوي النصر المنشود على الحوثيين، أو عودة الرئيس الشرعي "عبدربه منصور هادي" إلى العاصمة صنعاء. ومن غير المرجح أن تؤدي المشاركة السعودية العميقة إلى تغيير الوضع أو الظروف أو الخروج بنتائج مختلفة. وفي الواقع، قدم الحوثيون مثالا آخر، بعد التجربة المصرية مع اليمن في الستينيات، بأن اليمن عصي دائما أمام أي تدخل خارجي.
ومن الجيد للقيادة السعودية أن تجد الفرصة للتراجع عن سياسات الماضي السيئة فيما يتعلق بالتدخل في شؤون اليمن، حتى لو كانت تمثل مصدر قلق خطير للأمن القومي. وفي حين أنه لا ينبغي السماح للحوثيين بأخذ أكثر من نصيبهم من القوة السياسية والاقتصادية في نظام فيدرالي عادل، فلا ينبغي تجاهلهم كعنصر أساسي في السياسة والمجتمع اليمني. وعلى الأقل، لقد أثبتوا خلال الأعوام القليلة الماضية أنهم قادرون على الصمود أمام مجموعة من الجهات الفاعلة المحلية والخارجية القوية، وقد نجحوا بالفعل في "أخذ القتال" إلى أراضي تلك الجهات. وهنا فإن أقل ما يجب السماح به لهم هو الحصول على مقعد مساوٍ في مؤتمر وطني يعقد تحت رعاية الأمم المتحدة، لمناقشة مبادئ المصالحة المنصوص عليها في مبادرة الخليج لعام 2011، التي أنهت الربيع العربي اليمني ذلك العام.
وقد تتمكن السعودية من الحفاظ على نفوذها في اليمن والخليج إذا وافقت على المشاركة في مبادرة على مستوى المنطقة للسلام والأمن تشمل جميع أعضاء مجلس التعاون الخليجي واليمن والعراق وإيران. وفي حين يعتقد القادة السعوديون أن إدارة "ترامب" قد تعود في أي وقت إلى خطابها العدواني وسلوكها الحاد تجاه إيران، فإن تراجع "ترامب" الواضح عن الحلول العسكرية أمام إيران يجب أن يخبرهم بأن الرئيس الأمريكي لن يفعل ما ينتظرونه منه. وبدلا من ذلك، قد تساعد المملكة في صياغة نهج جديد للعلاقات بين الدول في الخليج وشبه الجزيرة العربية يعزز السلام والازدهار للجميع.
المصدر | عماد حرب - المركز العربي واشنطن دي سي