ترجمة: عربي بوست
تتخلّى المملكة العربية السعودية عن القيود الاجتماعية الصارمة التي حددت شكل الحياة في البلاد على مدى عقود، واحداً تلو الآخر، لكن حقيقة الأشياء ليست دائماً كما تبدو في ظاهرها.
وعلى الرغم من أن المملكة تشهد تغيّرات غير مسبوقة، فإن عدم الوضوح الرسمي، الذي قد يكون مُتعمّداً، ينشر الشك بين المواطنين، فبعضهم يرى أن حرّياتهم لا تأتيهم بالسرعة الكافية، وآخرون هم الفئة الأكبر من المواطنين المحافظين الذين تُزعجهم سرعة التغيير، بحسب وكالة Bloomberg الأمريكية.
غموض القرارات يفتح باب التأويلات
كان القرار الأخير للحكومة السعودية مثالاً واضحاً على هذا الانقسام، فقد قالت الرياض يوم الثلاثاء 16 يوليو/تموز 2019، إنها ستسمح لبعض المتاجر بالعمل على مدار الساعة.
خرجت الحكومة السعودية ونفت أن يكون هذا القرار يعني أن إغلاق المتاجر وقت الصلاة بات أمراً غير إلزامي، إلا أن ذلك لم يكن كافياً لدرء الشكوك من هذا القرار.
تغيير آخر محتمل، بدأ الحديث عنه في الأيام الأخيرة، وهو إسقاط «نظام الولاية» الذي يفرض حصول النساء على إذن الرجال كشرط للسفر إلى خارج البلاد.
وقد أورد تقرير نشرته صحيفة «عكاظ» السعودية، أن المسؤولين يبحثون مسألة سفر السعوديين الذين تتجاوز أعمارهم 18 عاماً إلى الخارج من دون موافقة وليّ الأمر، إلا أنه لم يُحدد ما إذا كان هذا التغيير سينطبق على النساء أم لا، ولكن كثيرين فسّروا ذلك على هذا النحو.
أحدثت هذه القرارات الحكومية جدلاً على المستوى الشعبي، لكنها لم تُحدث أي ردود فعل هجومية من الدوائر المحافظة، وذلك بسبب ضغوط حكومية أدت إلى إسكاتها احتراماً لحكّام المملكة، إضافة إلى مناخ الخوف الذي نما في البلاد بممارسة الحكومة للقمع السياسي، الذي تضمّن احتجاز عشرات من النقّاد المحليين.
ما الذي يدفع الحكومة لعدم الوضوح في قراراتها؟
امتد شعور الحيرة ليصل إلى وسائل الإعلام التي يمتلكها سعوديون، والتي عادةً ما تكون قنوات موثوقة للاطّلاع على ما تصدره الحكومة من قرارات؛ فقد فسّرت قناة «العربية» الفضائية في بادئ الأمر، الخطوة التي اتُّخذت يوم الثلاثاء بشأن السماح لبعض المتاجر بالعمل على مدار 24 ساعة، بأنها إشارة إلى بقائها مفتوحة حتى في أثناء أوقات الصلاة، وقد نشرت تغريدة عبر حسابها بموقع تويتر تقول فيها ذلك.
ترى المجلة الأمريكية أن الغموض في المملكة أصبح أمراً مُعتاداً في الأعوام القليلة الماضية بالمملكة، وذلك بسبب ما وصفته بـ «تأرجح مواقف المسؤولين»، الذي ربّما كان محاولة لقياس مقدار التغيير الذي يمكن قبوله في البلاد.
كما أن هذه «التصريحات الغامضة لا تعدّ فقط وسيلة لاختبار الرأي العام، بل هي أيضاً طريقة للتطبيع مع التغييرات المُحتملة وطرحها، لا سيّما المتعلّقة منها بالقضايا الاجتماعية المتنازع عليها بين السعوديين على مرّ سنوات»، بحسب ما تقوله إيمان الحسين، وهي زميلة زائرة بالمجلس الأوروبي للشؤون الخارجية.
«ثارت الدنيا ولم تهدأ»
هرع بعض السعوديين للاحتفال، مشيدين بالآثار الاقتصادية للقرار والحريّة الشخصية التي يمنحهم إياها، في حين رثى آخرون العواقب الدينية والمجتمعية، ولاحقاً رفض أحد المسؤولين هذه الفكرة في مقابلة مع قناة «العربية» نفسها، التي حذفت لاحقاً تغريدتها من واقع تويتر.
وإذا حدث هذا التغيير، فسيكون ذلك تخفيفاً كبيراً جديداً لقبضة الضوابط الاجتماعية منذ أن بدأ ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، عملية إصلاح شاملة للاقتصاد من شأنها تقليل اعتماد البلاد على النفط.
وخلال العامين الماضيين، رفعت الحكومة الحظر المفروض على قيادة المرأة للسيارات، وسمحت بافتتاح دور سينما، ودعمت تنظيم حفلات مختلطة تضم الجنسين في البلد، الذي نادراً ما تُسمَع فيه الموسيقى علانية، والآن يدور الحديث عن تخفيف قوانين الوصاية الذكورية على الإناث، أو حتّى السماح ببيع المشروبات الكحولية.
وفي يوم الأربعاء 17 يوليو/تموز، استمرّت الأعمال التجارية في غلق أبوابها 30 دقيقة كفاصل مُعتاد خلال أوقات الصلاة، لكن أبواب النقاش ظلّت مفتوحة على مصراعيها.
وقال سعيد الشهراني، وهو أحد الشخصيات السعودية البارزة بمواقع التواصل الاجتماعي، في مقطع فيديو حظي بعدد كبير من المشاهدات: «صدر قرار بفتح المتاجر على مدار 24 ساعة، وقامت الدنيا ولم تقعد.. (الناس قالوا) لا يجوز! ويلكم! سنموت! ديننا يُسر، فلا تعقّدوا الأمور علينا».
أبواب المتاجر خلال وقت الصلاة غير مُغلقة
لطالما كان إغلاق المتاجر في أثناء أوقات الصلاة جزءاً رئيسياً من إيقاع الحياة بالسعودية؛ حيث تغلق المقاهي، والمطاعم، ومراكز التسوّق، والصيدليات أبوابها نصف ساعة أو أكثر خلال أوقات الصلوات.
تتناقض هذه الممارسة مع النهج الذي تسير عليه الدول المجاورة ذات الأغلبية المسلمة، فكثير من بين هذه البلدان تشهد إغلاق المتاجر خلال صلاة يوم الجمعة، ولكنّها تستأنف عملها بشكل طبيعي فيما عدا ذلك.
وجاء التوضيح الرسمي الوحيد لقرار الثلاثاء على لسان وكيل وزارة الشؤون البلدية والقروية للتخطيط والبرامج، خالد الدغيثر، في مقابلة مع قناة «العربية»، إذ قال إن قرار مجلس الوزراء «لا علاقة له بأي قرار سابق يتعلق بأوقات الصلاة».
ومع ذلك، عندما ضغط عليه مقدّم البرنامج مراراً وتكراراً، للخروج بتصريح بشأن ما إذا كان فتح أبواب أحد المتاجر خلال الصلوات يُعد انتهاكاً للقانون، لم يلتزم الدغيثر تأكيد أي من ذلك.
وبالفعل خلال العام الماضي، خففت عديد من المحلات التجارية والمطاعم بالرياض من نهجها، إذ كانت تُبقي أبوابها مفتوحة بهدوء في أثناء الصلوات.
وفي يوم الأربعاء 17 يونيو/تموز 2019، نقلت صحيفة «عكاظ» عن مصادر مجهولة، قولها إن السماح بفتح المتاجر خلال الصلوات كان «وشيكاً»، وفي خبر آخر بالطبعة نفسها، تُرك السؤال مفتوحاً.