أشرف الفلاحي- عربي21
دخلت محافظة المهرة، أقصى شرق اليمن، منعطفا جديدا بعد تصاعد وتيرة الأحداث فيها، كان آخرها خروج الحكومة المعترف بها بموقف وصف بأنه "صادم" من الحراك الشعبي المطالب بخروج القوات السعودية من المدينة، واتهامها المحتجين بالعمل لصالح انقلاب جماعة الحوثي على الشرعية.
الموقف الحكومي يعد تطورا "خطيرا"، كونه الأول منذ انطلاق الاحتجاجات ضد القوات السعودية في المهرة من جهة، وشيطنة الحراك الشعبي رغم تمسكه بالحكومة الشرعية في مقابل الثناء على الدور السعودي، الذي يتهمه المحتجون بملشنة وعسكرة محافظتهم التي لطالما نأت بنفسها تماما عن الصراع الدائر في البلاد.
ويوم الثلاثاء الماضي، هاجم مصدر مسؤول في الحكومة الشرعية قيادة الحراك الشعبي في المهرة، متهما إياهم بالعمل على إثارة الفوضى والتحريض على العنف.
وقال المصدر في تصريح نقلته وكالة الأنباء الرسمية "سبأ" إن "ما تقوم به بعض الشخصيات والجهات التي فقدت مصالحها وتعمل لخدمة الانقلاب الحوثي في آن واحد من دعوات للفوضى، وأعمال خارج إطار القانون، وتهديد بإقلاق السكينة العامة في المهرة".
ومن بين هؤلاء الشخصيات، وفقا للمصدر الحكومي، الشيخ علي الحريزي، وكيل محافظة المهرة السابق، وأبرز الوجوه المناوئة للوجود العسكري السعودي، والذي أقيل من منصبه العام 2018؛ بسبب موقفه من هذا الوجود للقوات السعودية.
وحذر المصدر الحكومي من "أن ما يحدث أمر مرفوض، وأن الأجهزة الأمنية لن تصمت، وستقف في وجه كل من يعرقل مسيرة الأمن والتنمية بالمحافظة التي يقود مسيرتها فخامة رئيس الجمهورية وبدعم أخوي وسخي من دول التحالف بقيادة المملكة العربية السعودية الشقيقة".
"ضغط سعودي وإفلاس"
وتعليقا على هذا الموقف، رأى أحمد بلحاف، مسؤول التواصل الخارجي لاعتصام المهرة السلمي، أن "البيان الذي نُسب للحكومة الشرعية، جاء بضغط سعودي واضح، ونحن ندرك ذلك جيدا".
وأضاف في حديث لـ"عربي21" أن ذلك التصريح "تم التعامل معه من قبل وسائل الإعلام السعودية الإماراتية بشكل كبير، تزامنا مع حملات إعلامية مشبوهة تستهدف المهرة في أمنها واستقرارها ورموزها واعتصامها".
وبحسب بلحاف، فإن هذا البيان "خرج في وقت تمر فيه الحكومة الشرعية بوضع سيئ جدا، حيث تتعرض لضغوطات واختطاف قراراتها من قبل الرياض و أبوظبي".
وأشار مسؤول التواصل الخارجي لاعتصام المهرة إلى أنه رغم هذا الموقف، "إلا أن هناك مواقف متقدمة من مسؤولين رفيعي المستوى في الحكومة الشرعية تجاه تواجد القوات السعودية في المهرة والقوات الإماراتية في أرخبيل سقطرى وغيرها من المحافظات الجنوبية والشرقية".
واعتبر خروج الحكومة الشرعية بالبيان الأخير، ووصفها الاعتصامات بـ" الفوضى"، لا يعدو عن كونه "إفلاسا في توقيت متزامن مع تصريحات مماثلة لمحافظ المهرة المقرب من السعودية والمتمرد على الشرعية، راجح باكريت".
كما ذكر أن هناك "خطة سعودية لتوسيع نفوذها في المهرة، وخروج البيان الحكومي يأتي في سياق هذه الرغبة التي تهدف للتعامل مع المعتصمين وفقا لذلك التصنيف وإبعادهم عن الشرعية". مؤكدا أن "هدف المعتصمين هو حماية مؤسسات الدولة الشرعية والإبقاء عليها، ورفض ملشنتها من خارج أطرها الرسمية".
"فضلا عن ذلك، فإن الاعتصام السلمي يكفله الدستور والقانون، وهو آخر ما تبقى من شكل القانون في ظل انتهاك التحالف الإماراتي السعودي لكل القوانين واختطاف قرار الشرعية". حسبما تحدث به بلحاف.
"مدفوع الثمن"
من جهتها، أعلنت اللجنة التنظيمية لاعتصام المهرة، رفضها ما صرح به المصدر الحكومي.
وقالت في بيان لها إن ذلك التصريح "مدفوع الثمن، كونه وقف ضد الضحية ومظلومية أبناء المهرة، ودافع عن الجلادين الذين يحتلون مدينتهم، الذين لم يأتوا إليها إلا لتحقيق أطماعهم القديمة الجديدة تحت ذرائع واهية".
واعتبرت اللجنة أن "لغة التهديد والوعيد التي وردت في التصريح "محاولة بائسة للنيل من أبناء المهرة الشرفاء، واعتصاماتهم السلمية، وربط الاعتصامات بقضايا أخرى لا تمت لأبناء المحافظة بأي صلة".
"ضيق وفشل سعودي"
من جانبه، قال رئيس تحرير موقع "الموقع بوست" (محلي)، عامر الدميني، إن "تمسك أبناء المهرة بمطالبهم، وصمودهم اللافت أمام العبث السعودي الجاري هناك منذ عامين، جعل سلطات الرياض تصعد أكثر مستخدمة هذه المرة الإعلام الرسمي الحكومي في وجه أبناء المهرة لتوجه لهم التهم ذات التي دأبت عليها طوال الفترة الماضية".
وتابع حديثه لـ"عربي21": "يعكس هذا التصريح مدى الضيق الذي تمر به القوات السعودية وعجزها في اختراق الجبهة المتماسكة لأبناء المهرة". مضيفا أنه يثبت أيضا، "المدى الذي وصلت له السعودية في تحكمها بالشرعية اليمنية ووسيلتها الرسمية الوحيدة ممثلة بوكالة "سبأ" الحكومية، لتمرير رسائل تشيطن من خلالها الرافضين لوجودها العسكري شرق اليمن".
ووفق الدميني فإن ذلك يعني أيضا، أن الحكومة السعودية "مستفيدة من بقاء قيادة الشرعية في أراضيها وحرصها على عدم عودتها للبلاد، سعيا منها المملكة لتحويل القيادة اليمنية لمجرد أداة في يدها، تشرعن وجودها لا أكثر".
وأكد أن تصريح المصدر الحكومي الذي أخفى هويته الرسمية، ذكر بالاسم الشيخ القبلي علي سالم الحريزي الذي يقود الاحتجاجات المناوئة للسعودية والمطالبة بالسيادة الوطنية، "تأكيد إضافي على دور الرجل في محافظته، وفشل المملكة في تطويعه، أو ثنيه من مواصلة النضال السلمي المتمثل بالاعتصامات السلمية التي تحدث من وقت لآخر".
كما لفت إلى أن الاعتصامات في المهرة هي "أخطر في دلالاتها ورسالتها وتأثيرها بالنسبة للسعودية من رفع السلاح في وجهها، ولذلك حرصت منذ وصولها المهرة على إنهائها تارة، من خلال الترهيب حين وقعت اتفاقا مع المعتصمين، وتارة بالترهيب من خلال الاستهداف المباشر للمعتصمين".
"عار في جبينها"
وفي السياق ذاته، هاجم قائد شرطة محافظة المهرة السابق، اللواء أحمد قحطان البيان الصادر عن الحكومة بشأن الاحتجاجات، واصفا إياه بـ"المدفوع".
وقال قحطان في تصريح لـ"عربي21" إن بيان الحكومة الأخير بشأن اعتصامات المهرة "مدفوع من المستفيدين وضعاف النفوس داخلها".
وأكد المسؤول الأمني أن "ضعاف النفوس استغلوا وضع الحكومة الشرعية الهزيل للخروج بذلك البيان لشيطنة المحتجين السلميين الذين يدافعوا عن مؤسسات الدولة من محاولات تهميشها من قبل السعودية وهيمنتها على مقدرات المهرة وموقعها الاستراتيجي".
وبحسب اللواء قحطان وهو أحد الوجوه المعارضة لوجود القوات السعودية في المهرة، فإن البيان الحكومي سيبقى "عار في جبين من صاغوه.. والتاريخ لا يرحم".