أرشيفية

وزير الداخلية اليمني زار الرياض وأشار لتفاهمات.. هل تنجح السعودية في تعزيز حضورها بديلا للإمارات جنوب اليمن؟

تزعم السعودية التحالف العسكري ضد الحوثيين في اليمن منذ العام 2015 لكن على الأرض في أقصى جنوبي البلاد يغيب الحضور السعودي لصالح الإمارات حليف الرياض الوثيق، والآن تسعى المملكة السعودية لإعادة تصحيح الشكل الحالي لتقاسم النفوذ والسيطرة مع الإمارات في جنوب البلاد.


لكن تسجيل الحضور السعودي في جنوبي اليمن يتطلب بالمقابل حضوراً سياسياً يعطي المملكة بعضاً من التمهيد للذهاب بعيداً في المدن المحررة عبر الخوض في تفاصيل ملف الأمن الذي يمثل بوابة الحل، والمفتاح الذي يمكن من خلاله أن تعيد السعودية ترتيب أوراقها جنوبي اليمن وتعويض فشل القوى الأمنية الحليفة لأبوظبي وتلك التي توالي الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً.


لكن الطريق ليس معبدًا أمام الرياض في محافظات جنوب اليمن، فالطريق نحو تثبيت بعض الحضور في المدينة يتطلب صفقة مزودجة مع الحليف الإماراتي من جانب ومع حلفاء الحكومة الشرعية، وبالتالي فإن زيارة الوزير الميسري للعاصمة السعودية الرياض ناقشت أموراً من هذا القبيل لكن نجاحها بتعلق بكيف يمكن أن يحدث هذا بطريقة منتظمة وبتفاهمات مباشرة مع الإماراتيين الذي يملكون حضورًا قويًا في المدن الجنوبية.


مطلع الأسبوع الجاري عاد نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية إلى عدن بعد زيارة للملكة السعودية أستغرقت عدة أيام. وكان مصدر خاص قال لـ"المصدر أونلاين" إن وزير الداخلية أجرى لقاءات مع مسؤولين سعوديين في الرياض لمناقشة الملف الأمني في المدن المحررة جنوبي البلاد لكن الدائرة الإعلامية القريبة من الوزير لم توضّح نتائج هذه اللقاءات وأبرز ما تم مناقشته.


بحسب المصادر عقد الميسري لقاءاً مع الفريق الركن فهد بن تركي قائد القوات الملكية السعودية قائد القوات المشتركة، في تحالف دعم الحكومة المعترف بها دولياً، وعدد آخر من المسؤولين السعوديين، ناقش إنشاء غرفة عمليات أمنية مشتركة في المناطق المحررة ومسائل دعم الملف الأمني وتوحيد الأجهزة والقوى الأمنية في عدن.


وقالت المصادر إن الوزير الميسري طالب بضرورة إنشاء غرفة عمليات أمنية موحدة لتوحيد جهود تثبيت الأمن في المدن المحررة، ولإنهاء حالة التداخل في الصلاحيات بين الأجهزة منذ ما بعد خروج الحوثيين من المدينة.
وبحسب المصادر فإن المقربين من الوزير الميسري لم يشرحوا طبيعة هذه التفاهمات وتفاصيل ملف الأمن في مدينة عدن والمدن المجاورة لها، لكنهم أشاروا إلى أن نتائج زيارة الوزير ولقاءاته بالمسؤولين السعوديين ستتضح أكثر خلال الأشهر القادمة.

والسؤال الآن يتعلق بكيف يمكن أن تسجل السعودية حضورها وما هي الدوافع لذلك؟


 لماذا بدأت الرياض التحرك نحو عدن؟


يمكن قراءة محاولات سعودية مؤخرًا للتحرك صوب عدن بغية ترميم العلاقة بين الجانبين الإماراتي واليمني، وهذا يبدو أنه يمثل مسؤولية كبيرة للسعودية التي تقود التحالف وتسعى لإيجاد حالة من التفاهم في ملفات الأمن والخدمات في مسعى من الرياض للحفاظ على مسار الحرب وتوحيد جبهة الشرعية في المدن المحررة.


وباتت الرياض أكثر إقتناعًا بتدني مستوى الأمن والخدمات نتيجة انعكاس واضح للصراع الثنائي بين قوى محلية تدعمها الإمارات في مواجهة قادة موالين للحكومة حول النفوذ داخل المدينة، وهو ما أدى إلى إهمال ملف الأمن والخدمات التي تبدو في اسوأ مراحلها منذ طرد الحوثيين من عدن في يوليو من العام 2015.


تعي السعودية أنه من المهم الحضور في عدن الآن وإيجاد نوع من التمثيل المعنوي للحكومة اليمنية في موازاة النقد المستمر لفشلها بدعم التحالف في ملفي الخدمات والأمن ولكن لكي تنجح السعودية في ذلك يتطلب الأمر صفقة مزدوجة مع الإمارات وحكومة هادي.
وأي صفقة من هذا القبيل قد تتضمن إصراراً سعودياً على سد الفراغ الذي كان ناتجًا طبيعيًا لسوء العلاقة المستمرة منذ قرابة الأربعة الأعوام بين الحكومة اليمنية وأبوظبي.


كما إن التحرك العماني عبر حلفاء محليين تدعمهم عمان في المهرة، والنزاع حول النفوذ والسيطرة بين الحكومة والإمارات مثل عامل تحفيز دفع السعودية لبدء إلتفاتة سياسية نحو عدن، ومع أن الحضور السعودي في عدن لم يصبح مؤكدًا ما إذا كان سيأخذ البعد العسكري على الأرض إلا أن الخطوات السعودية تمضي باتجاهات عدة خاصة مع وصول قوات ومعدات عسكرية سعودية مؤخراً إلى عدن.


تريد السعودية من خلال اللقاءات مع الجانب الحكومي وبعض الزيارات وعملية إرسال القوات، تسجيل حضور سياسي ومعنوي يساعدها أولًا في الحفاظ على عوامل التوازن في عدن والمدن المحررة لئِلا ينزلق الوضع نحو الاسوأ خصوصًا مع النزاع المستمر بين الحكومة والإمارات حيث ستتحمل السعودية الكلفة السياسية والقانونية في حالة حدوث هذا.


وفي المقابل فإن تحول الإستراتيجية الإماراتية من التطرف في الحرب ضد الحوثيين إلى الإعتماد على وسائل السياسة والسلام يمثل إنذاراً للسعودية للتحرك نحو عدن والبدء بتشكيل قوى موالية لها استعدادًا لأي تطور قادم.


 الموقف الإماراتي


بحسب مصدر خاص تحدث لـ"المصدر أونلاين" فإن نقاشًا بين الحكومة اليمنية وممثلين عن الإمارات أفضى في النهاية لتقديم الحكومة عرضا بمنح المجلس الإنتقالي حقائب وزارية في الحكومة مقابل دمج القوات المحلية التابعة له والموالية لأبو ظبي في وزارتي الدفاع والداخلية، لكن هذا العرض قوبل بالرفض.


المصدر أشار إلى أن السعودية بدت مؤيدة للعرض الحكومي، لكن رفض أبو ظبي مثل دافعاً للرياض لإرسال قوات موالية لها لتعويض فشل الإتفاق، بغية الحفاظ على أرضية مشتركة للعمل بين الجانبين الحكومي والإماراتي، بالإضافة إلى مساعي السعودية أن لا يندفع الوضع في عدن نحو المزيد من الإحتقان بين الحكومة اليمنية والإمارات.


 الأمن والخدمات.. هل تنجح السعودية في عدن؟


بما أنها تتولى عملية قيادة التحالف الداعم للحكومة الشرعية اليمنية فإن المسؤولية تبدو كبيرة على السعودية في موازاة النقد الذي يناقش فشل الحكومة اليمنية في عديد من الدوائر الرسمية في الأقليم والعالم وبالتالي فالأمر سيمتد ليشمل السعودية التي تقود الحرب وتتولى تصريف الدعم في البلد الفقير.


لكن التحدي أمام السعودية يتضمن محورين رئيسيين لكي تحقق نجاحًا في عدن وهما ملفا الأمن والخدمات اللذان يمثلان بوابة نجاح سياسي، سيعطي المملكة حضورًا قويًا إذا ما استطاعت القيام بخطوات جدية فاعلة فيهما.


يبرز الأمن وهو ملف شائك في عدن أولًا، وتعي الرياض الإرث الذي خلفته الإمارات في المدينة والذي يتطلب إما تقليص هذا النفوذ المتنامي للقوى الحليفة للإمارات بشكل مباشر عبر تقليص الدعم والصلاحيات، أو بواسطة احتواء هذه القوى وتحقيق نوع من التفاهمات بين القوى الموالية للحكومة وبين تلك التي توالي أبو ظبي.


ويبدو الخيار الأول في خانة المستبعد للسعودية، إذ أنها لا تزآل تحتفظ بعلاقة جيدة مع الإمارات ولا ترغب في إثارة الكثير من المشاكل التي يمكن إن تمنح إيران نصرًا معنويًا أو إستغلال تلك الخلافات، التي وإن بدت غير مستبعدة، لكن السعودية والإمارات تحاولان إخفاءها وتغليب مصلحتهما معًا.


ويبدو الخيار الثاني قريبًا وأكثر قربًا للسياسة السعودية التي تميل للعمل مع الجميع داخل منطقة تحالفاتها وإن بدت مختلفة مع البعض منهم على أن تظهر الصدام في بعض التفاصيل التي تعتقد أنها ستؤثر على مسار حربها ضد الحوثيين وصراعها مع إيران.


والآن فإن ملف الأمن سيتطلب صفقة ثنائية بين الحكومة اليمنية والإمارات ترعاها السعودية وتشرف عليها وهذا سيحدث عبر منح الأجهزة الأمنية الرسمية حضورًا إداريًا، وتصحيح العلاقة بين قيادة وزارة الداخلية وقادة الأجهزة الرسمية الأمنية الذين يوالون الإمارات ولا يخضعون لقيادة وزارة الداخلية اليمنية وهذا سيتحقق عبر إقالة بعضهم واستبدالهم بقادة موالين للحكومة أو تعيينهم في القوات المحلية الموالية للإمارات.


ومن الإحتمال إن يحدث نوع من التفاهمات تعطي وزارة الداخلية اليمنية التحكم بملف الأمن داخل المناطق المحررة على أن تتولى القوات المحسوبة على الإمارات ملف مكافحة الإرهاب واستلام حواجز التفتيش عند مداخل المدن، أو أن تتحول بعضها لقوات عسكرية محاربة ضد الحوثيين، وهذا يبدو صعب التحقق بالنظر إلى طبيعة سياسة التشكيلات التي أنشئت بغرض السيطرة على المدن الرئيسية وخصوصاً عدن.


في الجهة المقابلة ستتضمن الصفقة الإبقاء على القوات المحلية التي تدعمها الإمارات على أن يعاد ترتيب مهامها بما لا يسمح بإعادة التداخل في الصلاحيات بينها وبين الأجهزة الأمنية الحكومية.

ويعد ملف الخدمات تحدياً بالغ الصعوبة، وهو بحسب الواقع في عدن، لا يقل تعقيدًا عن ملف الأمن، وتحتاج السعودية لخطوات فاعلة لكي تقلص حجم الفساد في المؤسسات الحكومية والذي سيؤدي لتحسن ملف الخدمات بشكل مباشر.


لكن ملف الخدمات يتطلب أولًا تصحيح جديد للعلاقة بين الإمارات والحكومة بما يسمح لوزراء الحكومة بمزاولة أعمالهم من المدينة وتنشيط ملف الخدمات لكن بالمقابل فإن النجاح في ملف الخدمات يتطلب قبل كل ذلك إقالة وزراء في الحكومة الذين يشار إليهم بالفشل والفساد.


وإذا ما رغبت السعودية في تمرير الدعم فالأمر لن يحدث جديدًا بحسب مراقبين إذا ما أعيدت ذات الطريقة في إيصاله إذ إن الجزء الأكبر من المشاريع الحكومية يشوبها الكثير من الفساد، ولكن الخيارات تبدو كثيرة وبحسب خبير إقتصادي تحدث لـ" المصدر أونلاين" فإن أحد أهم الخيارات تتعلق بتفعيل لجنة رقابة للمساءلة ومتابعة إنجاز المشاريع، وتعيين كفاءات في المكاتب الحكومية والوزارات.