بن سلمان وبن زايد

معركة مصيريّة.. كيف سيتعامل السعوديون مع ارتفاع كلفة حرب اليمن عليهم بعد الانسحاب الإماراتي؟

من المستبعد أن ينهي قرار الإمارات العربية المتحدة سحب معظم قواتها التي تقاتل المتمردين الحوثيين في اليمن النزاعات المتعددة التي تدور رحاها في هذا البلد المتعب، لكنَّه قد يُسفر عن تداعياتٍ أكبر على العلاقات بين الإمارات وشريكتها الإقليمية الأهم: المملكة العربية السعودية.

قائدة التحالف دون سندها الأول

المملكة العربية السعودية -متمثلةً في الأمير محمد بن سلمان- ملتزمةٌ بمحاربة الحوثيين، وعادةً ما توصَف بأنَّها قائدة «التحالف» الذي يشن العملية الجارية هناك منذ فترةٍ طويلة. لكنَّ الإمارات العربية المتحدة هي التي كانت تتكفَّل بمعظم العمليات القتالية على الأرض. فيما اقتصر السعوديون جميع إسهاماتهم تقريباً على شنِّ الغارات الجوية.

وحتى حين كانت الإمارات مُشاركةً في الحرب بكامل قوتها، لم يقترب السعوديون قيد أنملةٍ من تحقيق أهدافهم التي حدَّدوها عند تدخلهم في النزاع اليمني قبل أربع سنوات. والآن، ما زالوا ملتزمين بمواصلة الحرب، لكنَّهم صاروا يفتقرون إلى أهمِّ أداةٍ لمواصلتها، كما يقول توماس ليبمان الكاتب والصحفي الأمريكي المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، في مقالة بموقع Lobelog الأمريكي.

الرياض في موقف ضعيف.. وفرص الانتصار قلّت

يقول ليبمان: صحيحٌ أنَّ بعض المسؤولين الإماراتيين أكَّدوا أنَّ قرار الانسحاب كان قيد المناقشة منذ فترة، وأنَّ السعوديين وافقوا عليه، إلى جانب أنَّ السعوديين لم يقولوا غير ذلك حتى الآن، ولو علانيةً على الأقل، لكن من الصعب تجنُّب الاستنتاج بأنَّ انسحاب الإمارات قد جعل المملكة العربية السعودية في موقفٍ أضعف بكثير وأقل فرصةً في الفوز.

وقد ذُكِر ذلك صراحةً في تقريرٍ حديث نُشِر في صحيفة The New York Times الأمريكية؛ إذ جاء في التقرير: «في حين أنَّ جميع العمليات القتالية التي نفَّذها السعوديون تقريباً جاءت من الجو، قاد الإماراتيون، المصقولون بسنواتٍ من القتال إلى جانب الجيش الأمريكي في أفغانستان ودول أخرى، كل تقدُّمٍ برِّي ناجح تقريباً» . 

وأضاف التقرير: «خلف الكواليس، أدى الضباط الإماراتيون والأسلحة والأموال الإماراتية دوراً مهماً بنفس القدر في تجميع تحالفٍ عنيد من ميليشياتٍ يمنية يعادي بعضها البعض، وقد بدأت هذه الميليشيات تتصارع بالفعل لملء فراغ السلطة الذي خلَّفه الإماراتيون، فضلاً عن أنَّ الانسحاب الإماراتي أضعف القدرة التفاوضية لدى السعوديين بشدة، مما رفع التكلفة المحتملة التي قد يتكبّدها الأمير محمد في أي مفاوضاتٍ لإنهاء هجمات الحوثيين» . 

رفع تكلفة الحرب على السعوديين

ومع ذلك، توقَّع جيرالد فيرشتاين، السفير الأمريكي السابق لدى اليمن، مؤخراً، أنَّ السعوديين «سيواصلون حملتهم بغض النظر عمَّا يفعله الإماراتيون أو الولايات المتحدة»، لأنَّهم يعتقدون أنَّه ليس أمامهم بديل آخر؛ إذ أوضح السعوديون أنَّهم يعتبرون الصراع مع الحوثيين حرباً ضرورية، وليست اختيارية. 

ووفقاً لجميع التقارير، فقد أقنعوا الشعب السعودي بذلك. فالسعوديون ليسوا مستعدين للتسامح مع وجود قوة عسكرية مدعومة من إيران على الجانب الآخر مباشرةً من حدودهم الجنوبية، لا سيما أنَّ الحوثيين يطلقون صواريخ على مطاراتٍ ومدن سعودية.

الخوف من حرب مع إيران سبب الانسحاب الإماراتي

وجديرٌ بالذكر أنَّ وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان لم يُشِر، بعد اجتماعٍ حضره في واشنطن مع وزير الخارجية مايك بومبو ومستشار الأمن القومي في البيت الأبيض جون بولتون في مايو/أيار الماضي، إلى أنَّ بلاده تستعد للانسحاب من الحرب ضد الحوثيين أو من الصراع المنفصل الجاري في وسط اليمن ضد تنظيم القاعدة في جزيرة العرب.

بل قال آنذاك: «ترحب دولة الإمارات العربية المتحدة بالتعاون المستمر مع الولايات المتحدة في اليمن لمواجهة الحوثيين المدعومين من إيران، وتنظيم القاعدة في جزيرة العرب الذي نفَّذ هجماتٍ متعددة ضد المواطنين والمصالح الأمريكية» .

لكنَّ الإماراتيين يقولون الآن إنَّهم بحاجةٍ إلى إعادة بعض قواتهم إلى الإمارات تحسُّباً للتعرُّض لهجومٍ من جانب إيران، المحاصرة وسط العقوبات الأمريكية المشددة وتداعيات الهجمات التي نفَّذتها ضد بعض شركاء أمريكا وحلفائها. ويقول المسؤولون الإماراتيون إنَّهم دربوا عدداً كافياً من الجنود اليمنيين يُمكِّن اليمنيين من تحمُّل عبءٍ أكبر بأنفسهم. 

فشل في كل مكان

وصحيحٌ أنَّ كلَّاً من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية كانتا تدعمان فصائل مختلفة في الصراع اليمني المعقد، لكنَّهما تتَّبعان سياساتٍ متماثلة في جميع أنحاء المنطقة، وليس فقط في معارضة إيران. إذ يعد محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد إمارة أبوظبي، مستشاراً وصديقاً لنظيره السعودي الشاب محمد بن سلمان.

وجديرٌ بالذكر أنَّهما كانا العقل المدبر للمقاطعة التي فرضتها دولتاهما، إلى جانب مصر والبحرين، على دولة قطر المجاورة. واتحدا في تقديم الدعم المالي للنظام المصري الاستبدادي الذي يرأسه عبدالفتاح السيسي. بيد أنَّ مقاطعة قطر، مثلها مثل حرب اليمن، فشلت في تحقيق هدفها المتمثل في إجبار قطر على الانقلاب على تنظيم الإخوان المسلمين، بل ودفعت قطر إلى تعاون اقتصادي أوثق مع إيران، فضلاً عن أنَّ قطر لم تغلق محطة الجزيرة الإخبارية ولم تطرد كتيبةً عسكرية تركية من أراضيها، كما طلب السعوديون والإماراتيون.

وصحيحٌ أنَّ المقاطعة أسفرت عن بعض الاضطراب في الحياة الأسرية، وأنماط العمل، والسفر الجوي في جميع أنحاء الخليج، لكنَّ القطريين سرعان ما تأقلموا معها؛ إذ لجأوا إلى استيراد بضائع من تركيا وإيران بدلاً من المنتجات التي اعتادوا شراءها من المملكة العربية السعودية، فيما لم تتأثَّر حركة صادراتهم المُربِحة من الغاز الطبيعي. 

وكان الإنجاز الحقيقي الوحيد للمقاطعة هو الانهيار الشامل شبه الرسمي لمجلس التعاون الخليجي، فمع اتحاد الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والبحرين في جبهة مقاطعة قطر، تُرِك العضوان المتبقيان: الكويت وعمان، يبذلان محاولاتٍ عقيمة لإنهاء الخلاف.

الضغط سيزداد على السعودية لإنهاء الحرب

لقد مرَّت تسعة أشهر منذ أن دعا وزير الخارجية الأمريكي بومبيو إلى إنهاء الحرب في اليمن. وقال آنذاك إنَّ الولايات المتحدة «تدعو جميع الأطراف إلى دعم مارتن غريفيث مبعوث الأمم المتحدة الخاص في إيجاد حلٍّ سلمي للنزاع في اليمن استناداً إلى المراجع المتفق عليها. لقد حان الوقت الآن لوقف الأعمال القتالية، بما في ذلك الضربات الصاروخية وغارات الطائرات بدون طيار التي تنطلق من المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. وبعد ذلك، يجب أن تتوقف الغارات الجوية التي يشنها التحالف في جميع المناطق المأهولة بالسكان في اليمن» .

وما زال غريفيث يواصل عمله، باحثاً عن صيغة سياسية يمكن أن تنهي الحرب، لكنَّه فشل حتى الآن لأنَّ كلا الطرفين المتقاتلين لم يتضرر بما يكفي ليشعر بأنَّه مضطر إلى التسوية. أمَّا الآن، فيمكن أن يزداد الضغط على المملكة العربية السعودية لإيجاد مخرج يحفظ ماء وجهها.

فبعد أربع سنوات من بدء الحملة المستمرة التي كان من المفترض أن تكون حرباً سريعة ضد الحوثيين، ليست هناك أدلةٌ على أنَّ الشعب السعودي بدأ يفقد صبره. ويرجع ذلك جزئياً إلى أنَّ الجيش السعودي لم يتكبَّد سوى خسائر قليلة. 

إذ كان الإماراتيون وعدة آلاف من القوات السودانية يتكفَّلون بمعظم العمليات القتالية على الأرض، ووفقاً لمحللين عسكريين، يتجنَّب الطيارون السعوديون النيران المضادة للطائرات بالتحليق على ارتفاعاتٍ لا يمكن أن تصل إليها الأسلحة النارية، مما يؤدي مع الأسف إلى انعدام الدقة في ضرب الأهداف، وسقوط ضحايا مدنيين. 

ربما لا يُبشِّر انسحاب الإمارات الجزئي من الحرب ضد الحوثيين بحدوث أي شقاقٍ أكبر بين محمد بن زايد ومحمد بن سلمان. ولكن إذا حدث ذلك، فقد يضطر محمد بن سلمان العنيد إلى إعادة ترتيب سياسات المملكة العربية السعودية في جميع أنحاء المنطقة. لأنَّه إذا لم يستطع الاعتماد على محمد بن زايد للوقوف معه، فمن البديل؟