«الترامبية» مصطلح مشتق من اسم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي أصبح نموذجاً يحتذيه عدد من السياسيين حول العالم، فإلى ماذا يشير المصطلح؟ ومَن هم أبرز رموزه من الزعماء حول العالم؟ ولماذا يحذر منه المحللون والسياسيون الذين يؤمنون بقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان؟
ما هي الترامبية؟
ترامب يميني متعصب يرفع شعار «أمريكا أولاً» ولا يلقي بالاً للقانون الدولي أو حقوق الإنسان، ويستخدم لغة تتسم بالحدة ويفعل ما يراه صواباً بغض النظر عن مدى دستوريته أو قانونيته، ويرفع شعار «الدولة العميقة» تحاربني، وعندما تتحداه الصحافة أو يتعرض لانتقادات، يكون رده من كلمتين «أخبار مفبركة» .
«الترامبية» إذاً أصبحت مرادفاً لخلاصة أفكار اليمين المتطرف التي تتمحور حول عنصرية الرجل الأبيض تجاه كل ما هو ومَن هو مختلف عنه، والقومية الشعبوية القائمة على توجيه الخطب الرنانة لقطاع محدد من الشعب وهم أنصار ذلك الفكر.
ورغم أن اليمين المتطرف بسياساته وسياسييه كان موجوداً وحاضراً قبل وصول ترامب إلى البيت الأبيض، فإن وجوده رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية مثَّل نقطة دفع هائلة وشجع كثيراً من السياسيين والزعماء حول العالم للتمادي في تنفيذ سياسات عنصرية – يحمل بعضها مؤشرات على التطهير العرقي أحياناً – بصورة لم يشهدها العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
كم «ترامبياً» يحكمون الآن؟
من البرازيل إلى الفلبين وما بينهما كثير، يوجد الآن جيل من السياسيين يتشبهون بترامب في الشكل والمضمون، وتزداد قبضتهم على الأمور داخل بلدانهم ويتشجعون أكثر في تعديهم على المبادئ الديمقراطية والأعراف وحقوق الإنسان، بعد وصول «أيقونتهم» للبيت الأبيض.
صحيح أن أسلوب «حكم الرجل القوي» ليس جديداً على الساحة الدولية، ومن الصعب تحديد «مَن ألهم مَن» في حالة «الترامبية»، حيث استفاد ترامب من وجود سياسات اليمين المتطرف وتصاعدها في أوروبا وحول العالم، لكن المؤكد أن «الترامبية» أصبحت الآن أكثر تبلوراً ووضوحاً من اليمين المتطرف نفسه.
ففي تقرير مطوَّل أجرت فيه صحيفة واشنطن بوست الأمريكية مقابلات مع دبلوماسيين ونشطاء حقوقيين ومسئولين أجانب من أربع قارات لتقييم حكم ترامب بعد مرور أكثر من عامين، كان هناك إجماع على أن وصوله للبيت الأبيض و «البلطجة» على الحلفاء الديمقراطيين والاستهزاء بالقيم الأمريكية التقليدية، «أدى لتغذية الحكم الشمولي حول العالم بصورة واضحة» .
لنبدأ الرحلة من القارة العجوز:
الآن لم يعد هذا الوصف يشير فقط لساكن البيت الأبيض، بل يكاد يكون متطابقاً مع طابور يزداد طوله من السياسيين حول العالم، آخرهم بوريس جونسون رئيس وزراء بريطانيا، والحقيقة أن التشابه بين ترامب وجونسون من حيث الشكل وحتى محل الميلاد وأسلوب الحياة الصاخب والمليء بالفضائح والسقطات منح الأخير لقب «ترامب لندن» عن جدارة.
وتتطابق آراء وتوجهات جونسون وترامب في كثير من الملفات والقضايا مثل الموقف العدائي تجاه الإسلام والمسلمين وحتمية مغادرة بريطانيا للاتحاد الأوروبي والدعم المطلق غير المشروط لإسرائيل، دون أي اعتبارات للقوانين الدولية أو حقوق الانسان.
ترامب إيطاليا: ماتيو سالفيني زعيم حزب الرابطة ونائب رئيس وزراء إيطاليا يعتبر نفسه «توأم روح ترامب» ويتفقان معاً على الانتماء لليمين المتطرف واتباع السياسات القومية كما يجمعهما كراهية المهاجرين والرغبة في تفكيك الاتحاد الأوروبي، كما يريد سالفيني أن تصبح إيطاليا «الشريك الأقوى والأكثر ارتباطاً وولاء للولايات المتحدة الأمريكية» .
ترامب المجر: فيكتور أوربان رئيس وزراء المجر وأحد أقطاب اليمين المتطرف ويعتبر مهندس الحكم الأوتوقراطي في منطقة تضم رومانيا وجمهورية التشيك وبولندا، وأعلن صراحة عن سعيه لاستبدال الديمقراطية الليبرالية بما وصفها «بالديمقراطية غير الليبرالية «.
ويرى أوربان أن ترامب يمثل بالنسبة له «تصريحاً من أعلى سلطة في العالم» لتنفيذ سياساته القومية البوليسية من محاربة المهاجرين وقمع المعارضين وغيرها من سياسات اليمين المعروفة.
أمريكا الجنوبية:
البرازيل: هير بولسونارو ملقب بترامب البرازيل وهو يسير على خُطى ساكن البيت الأبيض بمنتهى الدقة، ومنذ وصوله للحكم قام بتغيير جذري في السياسات الخارجية للبلاد لتتطابق مع السياسات «الترامبية» حالياً – الأمريكية سابقاً – وهو ما وضع البرازيل على خط المواجهة مع إيران دون سابق إنذار.
فرغم التاريخ الطويل من العلاقات القوية بين البلدين، قامت البرازيل برفض تزويد سفن تجارية إيرانية بالوقود، وحذر ترامب البرازيل المصدرين والمستوردين في بلاده من التعامل التجاري مع إيران، مضيفاً دون مواربة أن بلاده تقف في صف الولايات المتحدة في سياستها تجاه إيران: «نحن مصطفون معهم سياسياً (مع واشنطن)، لذلك نفعل ما نحن مضطرون لفعله»، بنص كلمات بولسونارو للصحفيين الأجانب هذا الأسبوع.
قارة آسيا:
الفلبين: الرئيس رودرغو دوتيرت لا يلقّب فقط بترامب الفلبين بل «ترامب الشرق» وهو نموذج صارخ للترامبية، فالرجل يستخدم لغة حادة وخارجة أحياناً في وصف منتقديه، ويلهب حماس جمهوره بالخطب الرنانة حول القومية ومجد البلاد، ويكيل المديح للديكتاتور الذي حكم الفلبين بالحديد والنار لأكثر من عقدين وهو فرديناند ماركوس، أما عن علاقته بترامب فقد قام بتعيين شريك ساكن البيت الأبيض التجاري في مانيلا كمبعوث خاص للعلاقات بين البلدين وذلك قبل نجاح ترامب بيوم واحد.
تأثير كارثي حول العالم
النقطة الأكثر إثارة للمخاوف هي انتشار تأثير «الترامبية» حول العالم، حيث الأنظمة القمعية الدموية التي أصبحت تتصرف دون أدنى اعتبار للقانون الدولي أو حتى القانون الإنساني في التعامل مع معارضيها.
عندما فتح الجيش النيجيري نيرانه على المتظاهرين الذين يلقونه بالحجارة وقتل أكثر من أربعين شخصاً منهم، وكان ذلك العام الماضي، دافع الجيش عن نفسه مستخدماً «تهديدات ترامب باتخاذ الإجراء ذاته ضد المهاجرين» عند الحدود مع المكسيك.
وعندما انتقدت السفارة الأمريكية في كمبوديا الحملة القمعية للحاكم هون سو ضد المعارضين والإعلام في بلاده، أشار الحاكم السلطوي «الترامبي» إلى أن ترامب يدعمه.
ونشر بيان وجهه لترامب، قال فيه: «لقد غيرت السياسات الأمريكية لكن سفارتك في بنوم بنه (عاصمة كمبوديا) لم تقم بتغييرها»!
وعندما زار وفد من مجلس الأمن الدولي القائد الأعلى للقوات المسلحة في ميانمار أبريل/نيسان الماضي، بحثا عن تفسيرات لطرد أكثر من 700 ألف من مسلمي الروهينغا من ديارهم، استخدم مصطلح «أخبار مفبركة» – الكلمات الوحيدة التي نطقها بالإنجليزية وكررها أكثر من 10 مرات خلال اللقاء، بحسب مَن حضروا، وذلك في تقليد متقن في استخدام «ترامب» للوصف.
الحرب العالمية الثالثة
يقال إن التاريخ يكرر نفسه، ولو عدنا بالذاكرة 80 عاماً بالتمام والكمال، حيث عام 1939 وهو عام اندلاع الحرب العالمية الثانية، سنجد تشابهات مقلقة وإن كانت اليوم أكثر مدعاة للقلق بعشرات المرات.
تسبب وجود زعيم يميني متطرف وعنصري مثل النازي أدولف هتلر في ألمانيا والفاشي موسوليني في إيطاليا في اندلاع حرب عالمية استمرت نحو ست سنوات ودمرت القارة العجوز ونشرت الخراب في معظم بقاع الكرة الأرضية وأودت بحياة الملايين، ولم تنتهِ إلا باستخدام القنبلة الذرية من جانب الولايات المتحدة ضد مدينتي هيروشيما وناجازاكي في اليابان.
اليوم يوجد لدينا أكثر من 10 زعماء ينتمون لنفس المدرسة الفكرية وموزعون في قارات العالم تقريباً، والسياسات الشعبوية العنصرية التي يتبنونها تحظى بالمزيد من الأنصار يوماً بعد يوم مقابل تراجع وتشرذم قوى اليسار الداعمة لقيم الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان والتعايش المشترك وقبول الآخر، مما يعني أن الظروف مهيأة لحدوث حرب عالمية قد تندلع في أي من البقع المتوترة حول العالم وما أكثرها.
منطقة الخليج الآن تشهد نزاعا محتدماً بين إيران والولايات المتحدة ويوماً بعد يوم تزداد السحب كثافة وتتراجع فرص التوصل لحل سياسي ويدخل لاعبون جدد على خط المواجهة، وهناك أيضاً فنزويلا والصراع الأمريكي الروسي، وأوكرانيا والتحرشات الروسية ومياه البحر المتوسط والأزمة القبرصية، وغيرها من المناطق الساخنة التي تتداخل فيها المصالح وتتعقد التحالفات مع زيادة النعرات القومية هنا وهناك.