"الموت يلغي كل الخصومات" تلخص هذه الكلمات موقف الرئيس التونسي السابق منصف المرزوقي من وفاة الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي خصمه السياسي لسنوات طويلة.
وعلى الرغم من أن المرزوقي لم يكن يفوت الفرصة للحديث عن الاختلافات بينه وبين السبسي فإن مواقفه بعد وفاة الرئيس الذي أطاح به في انتخابات نهاية 2014 كانت بعيدة عن كل المشاحنات والخصومات.
وعقب إعلان وفاة السبسي أول أمس الخميس، ترحم المرزوقي في تدوينة على صفحته الرسمية في موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك على الرئيس الراحل، مقدما أصدق التعازي لعائلته وأصدقائه وللشعب التونسي.
وأضاف المرزوقي أن "ثمة لحظات في حياة الأفراد والشعوب يجب فيها أن نرتقي بأنفسنا إلى مستوى أعلى مما اعتدنا عليه في سائر الأيام"، موضحا عددا من النقاط التي ينبغي الالتزام بها في هذه الظروف التي وصفها بالدقيقة في حياة الشعب التونسي.
وبين أنه يجب التهيب أمام مشيئة الله وتناسي كل ما يفرق، وشدد على أن الموت يلغي كل الخصومات، داعيا إلى مزيد من الهدوء وضبط النفس والتحلي بروح المسؤولية تجاه الوطن وسلامته، والتمسك بالدستور وبمؤسسات الدولة ولا شيء غيرهما.
وختم المرزوقي تدوينته بالتأكيد على أن هذه الظروف الصعبة ستساهم في زيادة النضح والقوة والتلاحم وحسن الإعداد لأزمات الحياة المتلاحقة.
موقف مشرف
ولاقت هذه التدوينة تفاعلا كبيرا، وثمنت التعليقات تصرف المرزوقي الذي كان في نظرهم مشرفا وبطوليا، ويعكس موقفا نبيلا ليس بغريب عن الرئيس السابق.
ولم يتوقف الأمر عند هذه التدوينة، فخلال مداخلات تلفزيونية وإذاعية عديدة تمسك المرزوقي بالموقف ذاته.
وفي تصريح لإذاعة "شمس أف أم" الخاصة، قال المرزوقي إنه اختلف على الدوام مع الرئيس الباجي، موضحا أنه كان (السبسي) من المدرسة البورقيبية، وهو من المدرسة اليوسفية.
وتابع "قام بحملات ضدي حين كنت رئيسا، وأنا أيضا قمت بحملات ضده حين كان رئيسا، ولكنها كانت خلافات بين أفراد العائلة الواحدة، واليوم مات وهو كبير العائلة، ولم يعد هناك داعٍ للحديث عن الخلاف".
وأوضح أن التقاليد العربية الإسلامية تؤكد على ثقافة "اذكروا موتاكم بخير"، وقال إن "من الطبيعي أن أحضر جنازته (هذا واجب)، وسأحمل نعشه على كتفي".
وكان المرزوقي قد تحدث في مرات عديدة عن الخلاف بين الرئيس التونسي الأسبق الحبيب بورقيبة والحركة اليوسفية التي كان يتزعمها صالح بن يوسف.
وفي حديث سابق لبرنامج "شاهد على العصر" في الجزيرة، قال المرزوقي إن الخلاف بين بورقيبة وبن يوسف كان حول شكل الاستقلال وهوية الدولة التونسية.
وأوضح أن الصراع بين بورقيبة صاحب التوجه الغربي الفرنكوفوني، وبين يوسف المتشبع بالهوية العربية والإسلامية ما زال قائما في تونس، ويمثل في الصراع بين الحركة الإسلامية والأحزاب العلمانية.
وأعاد المرزوقي الحديث عن هذه النقاط على قناة الجزيرة، مؤكدا أنه في حضور الموت تحضر المهابة والتذكر بأننا كلنا فانون، وأن هذا ما يشعر به تجاه السبسي الرجل الذي كان خصمه لخمسين عاما.
خلافات منتهية
وذكر المزروقي أن من بين الخلافات الأساسية مع الرئيس الراحل إيمان السبسي -بحكم انتمائه للمدرسة البورقيبية- بأولوية الدولة على الشعب، وإيمانه هو بالعكس.
وعلى مواقع التواصل الاجتماعي لقيت مواقف المرزوقي الكثير من الترحيب والتقدير، خاصة أنه أبدى تعاطفا مع السبسي خلال مرضه، وأرسل له بباقة ورد مع تمنيات بالشفاء العاجل.
يشار إلى أن السبسي كان قد تسلم في 31 ديسمبر/كانون الأول 2014 مهامه رسميا خلفا للمرزوقي، بعد أن أدى اليمين الدستورية أمام مجلس نواب الشعب (البرلمان) خلال جلسة عامة.
وكان السبسي قد انتخب رئيسا إثر حصوله على نسبة 55.68% من الأصوات مقابل 44.32% لمنافسه المرزوقي.
يشار إلى أن جثمان الرئيس الراحل قد نقل من المستشفى العسكري في العاصمة تونس إلى قصر قرطاج بالضاحية الشمالية أمس الجمعة، تمهيدا لتشييع جنازته اليوم السبت بحضور عدد كبير من قادة ورؤساء الدول والوفود الأجنبية.
المصدر : الجزيرة