تنفس قطاع كبير من الرأي العام العربي والسعودي الصعداء بعد قرار تأجيل محاكمة الشيخ سلمان عودة بعد أن كان هناك مخاوف كبيرة من صدور حكم بإعدامه في هذه الجلسة.
وكان عبدالله العودة، نجل الداعية السعودي البارز قد قال اليوم الأحد 28 يوليو/تموز 2019، إن محكمة سعودية أرجأت محاكمة والده لعدة شهور.
وكتب العودة أن والده لم يحضر إلى المحكمة، اليوم الأحد، مشيراً أن محاكمته المقبلة التي يطالب فيها النائب العام بإعدامه ستكون في ديسمبر/كانون الأول المقبل.
مخاوف من إعدامه
وقبل جلسة محاكمة العُودة، حذرت منظمات حقوقية من أن يكون الإعدام هو مصير الداعية الإسلامية البارز، ووجهت منظمة العفو الدولية طلباً إلى السعودية بضرورة الإفراج عنه.
وقالت لين معلوف، مديرة البحوث للشرق الأوسط في «العفو الدولية»: «تعقيباً على مطالبة المدعي العام السعودي بإعدام العُودة قبل محاكمته المقرر إجراؤها اليوم الأحد 28 يوليو/تموز 2019، إن العُودة منذ اعتقاله قبل ما يقرب من عامين، «مرّ بظروف مروعة، من بينها الاحتجاز المطول قبل المحاكمة، والحبس الانفرادي شهوراً، والاحتجاز بمعزل عن العالم الخارجي، وغيره من ضروب المعاملة السيئة، وكلها تعد انتهاكات صارخة لحقه في محاكمة عادلة».
وأضافت أن السلطات السعودية تستمر «في ادعاء أنها تحارب الإرهاب، في حين تجري هذه المحاكمة، وكذلك محاكمة الناشطين الآخرين، ومن بينهم الرجال الـ37 الذين أُعدموا في أبريل/نيسان الماضي، بدوافع سياسية بشكل واضح، وتهدف إلى إسكات الأصوات المستقلة في البلاد».
وأكدت معلوف أن الشيخ العُودة يدعو إلى «مجتمع من شأنه وضع حد لتهميش المواطنين الشيعة السعوديين. لهذا السبب، فهو يعاقَب. وبالطريقة نفسها، فإن النساء والمدافِعات عن حقوق المرأة اللاتي طالبن بمزيد من الحقوق، يتعرضن للعقاب بالمثل».
هل أرجئت المحاكمة بسبب السخط الشعبي؟
ونشبت حرب تغريدات على تويتر بسبب المخاوف من إعدام العودة، الذي يعد من أعلى الدعاة شعبية في المملكة ويوصف من قبل الباحثين المتخصصين في الشأن السعودي بالاعتدال، وله ملايين المتابعين على وسائل التواصل الاجتماعي.
واتخذت محاكمة العُودة صدىً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي منذ مساء أمس السبت، وتصدَّر هاشتاغ «سننقذ سلمان العُودة» قائمة التغريدات الأكثر تداولاً في المملكة.
وقال نجل العُودة إن «وسم #سننقذ_سلمان_العودة وصل إلى التريند في السعودية رغم ما وصفه بحشود الذباب الإلكتروني والمجندين الأمنيين في أوكار البغي والاستبداد.. ويدل هذا على التعاطف الشعبي الضخم والانحياز إلى قيم العدالة في المجتمع والحمد لله».
وأعرب المشاركون في الهاشتاغ عن تضامنهم الواسع مع الشيخ العُودة، ووصفوا محاكمته بأنها «غير نزيهة»، كما طالبوا المملكة بالإفراج الفوري عنه.
وفي مقابل دعوات التضامن مع الشيخ العُودة، انتشرت تغريدات مناهضة للعُودة على موقع تويتر تحت هاشتاغ «الإرهابي سلمان العودة»، لتبرير محاكمته السرية.
وقال حساب «معتقلي الرأي» في تعليقه على انتشار هذا الهاشتاغ: «(#الارهابي_سلمان_العوده) موجود فقط في مخيلة الذباب الإلكتروني.. أما في الواقع فهو الدكتور سلمان العودة الذي يخشى شعبيتَه وليُّ العهد، لأن له متابعين على تويتر أكثر بمرتين من الملك نفسه، كما قال نجله عبدالله العودة، عين الحقيقة لا تخفيها تغريدات ذبابية».
"#الارهابي_سلمان_العوده" موجود فقط في مخيلة الذباب الإلكتروني ..
أما في الواقع فهو الدكتور سلمان العودة الذي يخشى شعبيتَه وليُ العهد لأن له متابعون على تويتر أكثر بمرتين من الملك نفسه، كما قال نجله عبدالله العودة ..
عين الحقيقة لا تخفيها تغريدات ذبابية#سننقذ_سلمان_العودة pic.twitter.com/aTuhQ4pKT0
— معتقلي الرأي (@m3takl) 28 يوليو 2019 ">http://
"#الارهابي_سلمان_العوده" موجود فقط في مخيلة الذباب الإلكتروني ..
— معتقلي الرأي (@m3takl) 28 يوليو 2019
أما في الواقع فهو الدكتور سلمان العودة الذي يخشى شعبيتَه وليُ العهد لأن له متابعون على تويتر أكثر بمرتين من الملك نفسه، كما قال نجله عبدالله العودة ..
عين الحقيقة لا تخفيها تغريدات ذبابية#سننقذ_سلمان_العودة pic.twitter.com/aTuhQ4pKT0
وتَعتبر العائلة الحاكمة في السعودية الجماعات الإسلامية «أكبر تهديد داخلي لحكمها»، بحسب تقرير لـ«بي بي سي»، التي أضافت أنه في التسعينيات من القرن الماضي طالبت حركة الصحوة، التي يعد العُودة أحد رموزها، بتطبيق إصلاحات سياسية، من شأنها إضعاف سلطات العائلة الحاكمة في السعودية.
وسُجن العُودة خلال الفترة من عام 1994 وحتى 1999، لمطالبته بتغييرات سياسية، وتسببت انتقاداته للعائلة الحاكمة في إشادة أسامة بن لادن به، لكن العُودة أعلن رفضه لأفكار بن لادن.
تصدى للتطرف وذنبه الأكبر الديمقراطية
ولعب العودة دوراً في التصدي للأفكار المتطرفة في السعودية، ولكنه لم يخف تعاطفه مع الربيع العربي وفكرة الإصلاحات السياسية تحت مظلة الدولة السعودية وقد يكون هذا ذنبه الأكبر.
إذ كان العودة لا يلين في دعمه للديمقراطية العربية، حسب وصف تقرير لشبكة شبكة CNN الأمريكية.
وانقلب عليه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بعد تقاربه مع مصر والإمارات وابتعاده عن دولة قطر، ومناصبته الحركات الإسلامية المعتدلة العداء بعد أن كان منفتحاً عليها، بل كان مقتنعاً على ما يبدو بأفكار العودة الإصلاحية في مرحلة من المراحل.
فقد سبق أن زار بن سلمان العودة في منزله
ففي عام 2012، استقبل الشيخ سلمان العودة، في منزله بالرياض، الأمير محمد بن سلمان ذا الـ27 عاماً آنذاك.
وحسب تقرير لشبكة CNN الأمريكية، يتذكر نجل «العودة»، عبدالله العودة، وهو باحث قانوني بجامعة جورج تاون في واشنطن، هذه الزيارة: «لم نعتقد أن هنالك أمراً كبيراً». وأضاف: «لقد كان مجرد أمير عادي».
ويقول تقرير الشبكة الأمريكية إنه على الرغم من طموحه الواضح، كان بن سلمان يُعتبر مبتدئاً سياسياً. وكان والده حاكماً للرياض ولم يصبح ملكاً بعد، وفي نظر الطبقة السياسية بالبلاد هو مجرد عضو آخر في العائلة المالكة الكبيرة والقوية بالمملكة العربية السعودية.
الأمير بدا متحمساً لأفكار «العودة» للتغيير في المملكة العربية السعودية، وفقاً لما ذكره عبدالله العودة.
ولكن اليوم يعاقبه بسبب نفس هذه الأفكار
وقد قضى رجل الدين بالفعل قرابة عامين في الحبس الانفرادي.
يقول عبدالله العودة: «خلال الأشهر القليلة الأولى من اعتقاله، كُبِّلَت ساقاه وقُيِّدَت يداه. كان حراس السجن يرمون بالوجبات عليه».
احتُجِزَ «العودة» بمعزل عن العالم الخارجي خلال الأشهر الستة الأولى من اعتقاله. وأضاف عبدالله أنه عندما سُمِحَ لعائلته أخيراً بزيارته، أخبرهم بأنه كثيراً ما كان يُحرَم من النوم والطعام.
وفي النهاية وقَّع على وثائق، كانت على الأرجح اعترافاتٍ قسرية، لكنه لم يعُد بإمكانه فهْم فحواها، بسبب حالته العقلية والبدنية السيئة، وفقاً لعبدالله. فقد أخبر والده الأسرة بأنه «وقَّع بعض الوثائق، لكنه لم يكن لديه أدنى فكرة عما تحويه».
وعندما عبَّرت الأمم المتحدة عن قلقها في عام 2017 من أن التعذيب قد استُخدم كوسيلة للحصول على الاعترافات، ردَّت الحكومة السعودية برسالة رفضت فيها هذه المزاعم.
وبحسب ورقة الاتهام، تتعلق اعترافات «العودة» بنشاطه في سبيل الملكية الدستورية، وارتباطه المزعوم بأعضاء بارزين في جماعة الإخوان المسلمين.
وكان لافتاً إلى أن اعتقال العودة جاء بعد تغريدة أشاد فيها باتصال جرى بين الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي وبين الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر رغم أن الاتصال أعلن عنه رسمياً وبدا في وقتها أنه قد يكون مقدمة للمصالحة بين البلدين بعد الحصار الذي تقوده السعودية على قطر.
وجاء هذا الاتصال بعد ثلاثة أشهر من الحصار الذي فرضته السعودية والإمارات والبحرين ومصر على قطر في يونيو/حزيران 2017 بدعوى دعمها للإرهاب، وهو ما نفته الدوحة.
بن سلمان يختار الإمارات
ويمكن فهم ما حدث للعودة في إطار تقلبات ولي العهد السعودي السياسية بين الأحلاف في المنطقة.
فبعد وصول الملك سلمان للسلطة بعد وفاة أخيه عبدالله وظهور الأمير محمد باعتباره الرجل القوي في النظام بدا أنه على استعداد للانفتاح على تركيا وقطر والحركات الإسلامية المعتدلة في المنطقة وفي السعودية، وهي الحركات التي استبشرت بإصلاحاته خاصة أن الجانب القمعي لم يكن قد ظهر منها.
ولكن يبدو أن الأمير محمد سلمان قد اختار الانحياز لصف الإمارات، ومصر وقبل نظرتهما للمنطقة القائمة على العداء للديمقراطية والإسلاميين المعتدلين، وهكذا بدأ بن سلمان يطارد المفكرين الذين استبشروا به خيراً ويقلص مجال الحرية السياسية في البلاد مع توسيع مجال الحرية الاجتماعية.
علماً بأن المفكرين الديمقراطيين والإسلاميين المعتدلين والليبراليين لم يكن ليعترضوا كثيراً أو إطلاقاً على تخفيف جرعة المحافظة الاجتماعية في البلاد، حتى لو كان بعضهم محافظاً.
فهذا النوع من المفكرين والنشطاء والعلماء معني أكثر بالحريات السياسية، ولكن ليس لديه تزمت السلفيين تجاه الإصلاحات الاجتماعية.
ولكن يبدو أن الأمير محمد اختار وجهة نظر الإمارات وهي توسيع الحريات الاجتماعية تدريجياً مع تضييق غير مسبوق على الحريات السياسية وحرية الكلام والتعبير.
واليوم هناك أزمة مكتومة بين الطرفين
واليوم يأتي قرار تأجيل محاكمة العودة في وقت تمر فيه العلاقات السعودية الإماراتية بأزمة مكتومة بعد انسحاب أبوظبي من اليمن وتركها السعودية وحيدة في حرب تواجه فيها مأزقاً حتى قبل انسحاب القوات الإماراتية المشهورة بكفاءتها والتي تحملت الجزء الأكبر من القتال.
وجاء توقيت إعلان الإماراتيين عن سحب أغلب قواتهم من اليمن في توقيت حساس، إذ تكررت هجمات الحوثيين على الأهداف السعودية، في وقت بدا واضحاً أن احتمال الانتصار في معركة الحديدة، التي خصص لها التحالف، وفي مقدمتهم الإماراتيون، موارد كبيرة قد تبدد.
وبالنظر إلى التحدي الحوثي الخطير على الحدود مع السعودية، فهذا التحرك الإماراتي يعد تطوراً سلبياً بالنسبة للمملكة.
وأثار قرار الإمارات سحب قوات لها من اليمن استياءً لدى السعودية.
ويُقال إن المسؤولين السعوديين خاب أملهم، وإنهم «توسطوا لدى الزعماء الإماراتيين في محاولةٍ لإثنائهم عن الانسحاب».
وذكرت صحيفة The New York Times الأمريكية، الخميس 11 يوليو/تموز 2019، أن دبلوماسيي السعودية شعروا بخيبة أمل عميقة إزاء القرار الإماراتي.
ونقلت الصحيفة عن دبلوماسي غربي مطلع على الأمر، قوله إن كبار المسؤولين في البلاط الملكي تدخّلوا شخصياً مع الزعماء الإماراتيين لمحاولة ثنيهم عن الانسحاب.
الأمر الذي دفع المسؤولين الإماراتيين للتقليل مما حدث ووصفه بأنه إعادة للانتشار وليس انسحاباً كاملاً.
فهل هناك علاقة بين الأزمة المكتومة بين الدولتين وبين تأجيل محاكمة العودة، وهل تؤدي هذه الأزمة إلى ابتعاد الرياض ولو قليلاً عن منهج أبو ظبي الذي يروج للقمع واستئصال المعارضة في المنطقة والذي يؤمن في الوقت ذاته على الانفتاح على اليمين الغربي وحتى إسرائيل والتحالف مع السلفيين المدخليين وحتى الجهاديين على الأرض مقابل تركيز العداء على الإسلاميين الذين يؤمنون بالديمقراطية.
أم يأتي هذا التأجيل خوفاً من ردود أفعال خارجية بعد أزمة اغتيال خاشقجي، علماً أن العالم لم يتحرك عندما أعدمت السلطات السعودية 46 شخصاً أغلبهم من الشيعة أو أعدمت مصر عدداً كبيراً من المتهمين في قضية اغتيال النائب العام رغم الشكوك الكبيرة في محاكمتهم، ولم تمنع الانتقادات الحقوقية الدولية زعماء أوروبا من المشاركة في القمة العربية الأوروبية في شرم الشيخ التي عقدت في فبراير/شباط 2019.
إن تأجيل محاكمة العودة قد لا يعني بالضرورة نجاة الرجل، ولكن يعني أن الباب مازال مفتوحاً أمام الدولة السعودية لتجنب سخط الملايين السعوديين والعرب الذين كانوا يتابعون الرجل ويعلمون أنه لا يمكن اتهامه بالتطرف والإرهاب.
وإذا كانت الدولة السعودية قد تبرأت من اغتيال خاشقجي بحجة أنه اغتيال خطأ أو أن الفريق المكلف بالتعامل معه تعدى حدوده، فكيف ستتبرأ في حال إعدام العودة من دم الرجل الذي عزاه الملك سلمان في وفاة زوجته وزاره الأمير محمد طلباً للنصيحة.