«إذا أردت أن تأكل طعاماً إيرانياً جيداً فاذهب إلى دبي»، إذ أن العلاقات الإماراتية الإيرانية هي واحدة من أغرب الملفات في الشرق الأوسط.
وجاءت زيارة وفد عسكري إماراتي، لإيران لتعيد للأذهان العلاقات المركبة والغامضة التي تربط البلدين المتخاصمين، ولتثير تساؤلات حول احتمالات تحسين الإمارات لعلاقاتها مع إيران أو على الأقل تخفيف توترها، تاركة السعودية وحدها كما فعلت في اليمن.
فقد أعلنت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية (إرنا) أن وفداً إماراتياً يضم 7 من مسؤولي خفر السواحل الإماراتي وصل إلى طهران، وسيبحثون مع نظرائهم الإيرانيين قضايا التعاون الحدودي المشترك، وتوافد مواطني البلدين وتسريع عمليات نقل المعلومات بينهما، وقضايا التعاون الحدودي بين البلدين.
توقيت هذا الاجتماع يبدو غريباً إذ إن آخر اجتماع مماثل جرى في أكتوبر/تشرين الأول 2013، والعلاقات بين البلدين وصلت حالياً لذروة توترها في ظل استهداف طهران للمصالح الإماراتية في الخليج في إطار ردها على العقوبات الأمريكية الحازمة والتي يعتقد أن الإمارات والسعودية لعبتا دوراً في تحريض حليفهما دونالد ترامب على تطبيقها.
الزيارة تأتي بعد الانسحاب الغريب من اليمن.. شيء ما خلف الكواليس
وتأتي زيارة الوفود الإماراتية إلى طهران تزامناً مع سحب أبوظبي بعض قواتها العسكرية من مناطق يمنية، خلال الفترة الأخيرة، ما أثار تساؤلات حول علاقة الانسحاب بهذه الزيارات، وإذا ما كانت الإمارات تسعى من وراء هذه الخطوة إلى تهدئة الأمور مع إيران.
كما تتزامن الزيارة مع أنباء عن نقل السعودية رسالة لطهران عبر سويسرا لم يفصح عن فحواها.
وقبل أسبوعين، ألمح وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، إلى أن شيئاً ما يتحرك خلف الكواليس بين طهران وأبوظبي، قائلاً: «إن هناك مؤشرات على أن الإمارات بصدد اتخاذ سياسات جديدة في المنطقة، وهذا يصب في مصلحة حكومتها».
وأكد ظريف أن إيران «مستعدة لدعم الإمارات والسعودية في حال انفصلتا عن الفريق باء».
ويقصد ظريف بالمجموعة «باء» كلاً من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، ومستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون.
كما أن المستشار السابق في وزارة الدفاع الإيرانية، أمير موسوي، قد كشف أخيراً أنّ مسؤولين إماراتيين زاروا طهران، وأنّ زياراتهم لا تزال متواصلة، قائلاً إنّ «المباحثات بين الطرفين جارية، وثمة مؤشرات حول احتمال حدوث تقارب ما«.
علاقات ملتبسة.. تلاسن في السياسة وعشق متبادل بالاقتصاد
ورغم أنه يفترض أن الإمارات يجب أن تكون صاحبة أسوأ علاقات بين الدول الخليجية والعربية عموماً مع طهران لأن الأخيرة تحتل جزرها الثلاث، فإن الواقع هو أن العلاقات الإماراتية الإيرانية ملتبسة وفريدة من نوعها.
فالإمارات التي تسب وسائل إعلامها ليل نهار في إيران هي أكبر بلد عربي يربطه مصالح اقتصادية مع إيران ولديه جالية إيرانية كبيرة.
ورغم العلاقات السياسية المتوترة بين البلدين منذ عقود، إلا أن الإمارات تصدّرت قائمة الدول العربية من حيث التبادل التجاري مع طهران خلال عام 2017، بقيمة 13 مليار دولار تقريباً.
وتستحوذ دبي على نحو 90 في المائة من إجمالي حجم التبادل التجاري، بينما بلغت الصادرات الإيرانية نحو خمسة مليارات دولار، فيما بلغت الصادرات الإماراتية إلى إيران نحو سبعة مليارات دولار.
وكان من المفترض أن يصل الرقم إلى 30 مليار دولار بعد توقيع الاتفاق النووي بين طهران والدول الغربية. وبحسب المصادر الرسمية الإيرانية،
وتعد الإمارات هي أكثر دول العالم تصديراً لإيران (أغلبها تجارة ترانزيت) وتشكل صادرتها نحو 30 في المائة من واردات إيران.
إذ توضح بيانات صندوق النقد الدولي أن 29 في المئة من واردات إيران التي بلغت قيمتها 71.5 مليار دولار في عام 2017 مرت عبر دولة الإمارات، غالبيتها العظمى عن طريق دبي.
والمطاعم الفارسية تملأ دبي
ويستثمر مئات من رجال الأعمال الإيرانيين ملايين الدولارات في إمارة دبي، ويهيمن التجار الإيرانيون على سوق مرشد بدبي منذ عشرات السنين.
ويشتهر السوق بمطاعمه الإيرانية ولافتات متاجره المكتوبة باللغة الفارسية وبأنه بمثابة مركز للتجارة على نطاق صغير مع إيران عبر متاهة من الأزقة المتشابكة في دبي القديمة.
ويقول من بقي من الإيرانيين إن تداعيات العقوبات الأمريكية زادت من صعوبة أداء أشغالهم.
العلاقات الإماراتية الإيرانية قديمة ولكنها أصبحت سبباً للخلاف الداخلي
ومنذ عهد بعيد ظلت دبي حلقة من حلقات الوصل الرئيسية بين إيران والعالم الخارجي غير أن حركة التجارة بين الجانبين تباطأت جراء العقوبات الأمريكية.
ويعتقد أن العلاقة مع إيران تعد محوراً لخلاف داخل الإمارات، إذ أن دبي التي تعتبر المركز التجاري الرئيسي في الشرق الأوسط، هي المستفيد الأكبر من هذه العلاقة.
بينما يقود أبوظبي التي تعتمد على النفط بشكل أكبر البلاد الشيخ محمد بن زايد الذي يدير سياسة الإمارات بمنهج جديد يقوم على الطموحات العسكرية والسياسية عكس المسلك التجاري والسلمي الناجح الذي اعتمدته البلاد في عهد والده الشيخ زايد لعقود وأدى إلى ازدهار البلاد وأتاح الفرصة لدبي لتحقيق نجاحها الاقتصادي الذي كان يشار له بالبنان.
والآن تدفع أبوظبي أكثر من أي منطقة في الخليج ثمن تصعيد التوتر مع إيران.
تحريض للآخرين دون مواجهة مباشرة
ولا يميل الخطاب السياسي الإماراتي للتصعيد تجاه طهران مثل السعودية، ويفضل أن يحرض الدول العربية الأخرى عليها، دون ضجة، والاحتفاظ بشعرة معاوية مع طهران.
إذ يعلم الإماراتيون إن موقعهم الجغرافي وطبيعة الاقتصاد الإماراتي المنفتح تجعلهم الهدف الأسهل أمام الإيرانيين.
فعندما تعرضت سفن في ميناء الفجيرة الإماراتي للتخريب، لم توجه الإمارات الاتهام بشكل مباشر للإيرانيين.
وقد تم استهدافُ بئر نفطٍ إماراتية في الخليج، قبل أيامٍ من زرع ألغامٍ بحرية على أربع ناقلات نفطٍ قُبالة ميناء الفجيرة في بداية مايو/أيار الماضي وتكتمت الإمارات عليه.
ويقول نجاح محمد علي، خبير الشؤون الإيرانية وآسيا الوسطى، لموقع دويتش فيليه الألماني «إنه وفقاً لمعلومات حصل عليها من الجانب الإيراني، فإن «دبي ستكون هدفاً أولياً لأي تحرك عسكري إيراني».
ويضيف «الإمارات قائمة أساساً على التجارة وعلى الاستثمارات، وخصوصاً دبي. ومجرد صاروخ أو لغم واحد في منطقة استثمارية في الإمارات سيجعل كافة المستثمرين يفرون بأموالهم وتنهار الدولة اقتصادياً مع الأسف».
الإمبراطورية البحرية التي تركت أرضها محتلة
والغريب أنه في وقت تشيد الإمارات إمبراطوريتها البحرية وتحارب في اليمن وتساهم في إسقاط أنظمة في أرجاء العالم العربي، وتحاول تنصيب رجالها في الحكم مثلما يحدث مع خليفة حفتر في ليبيا، ومحمد حمدان دقلو نائب رئيس المجلس العسكري السوداني، فإنها لا تبذل أي جهد ولو كان سياسياً في استعادة أرضها المحتلة، بل إنها تتعمد عدم التركيز على هذه القضية في الجامعة العربية والأروقة الدولية.
تفضل الإمارات دوماً على أن يكون هناك تعامل عربي ودولي جماعي مع إيران، وألا يتم التركيز على مشكلاتها وحدها.
كما تفضل أن تجعل السعودية تتصدر السجال مع إيران.
ولا يعلم حتى الآن هل الاجتماع الإيراني الإماراتي تم بالتنسيق مع السعودية، أم أنه تم دون اتفاق معها.
فالسياسات الإماراتية تميل لتحريض الرياض ثم تركها وحدها تواجه النتائج، كما حدث في حالة اليمن حيث انسحبت وتركت السعودية وحدها في مأزق.
وكما حدث في ورشة المنامة التي تهدف للتمهيد لصفقة القرن، وبعد أن تورطت البحرين والسعودية بها رغم الغضب العربي والمقاطعة الدولية، أعلنت الإمارات انسحاب رجال أعمالها منها في توقيت حرج قبل سويعات من عقد الورشة التي كانت أحد المحرضين عليها.
فهل قررت الإمارات أن تسلك طريقة التهدئة مع إيران وحدها بعدما سحبت قواتها من اليمن، خاصة أنه لا يوجد خلاف كبير بين أبوظبي وطهران بشأن سوريا، فهي الدولة الخليجية الأكثر احتفاظاً بعلاقات مع بشار الأسد حليف طهران.
أم أن الزيارة تأتي بالتنسيق مع الولايات المتحدة والسعودية وقد تكون بداية لمحاولة لحل الأزمة الإيرانية عبر المفاوضات.