يواصل الحوثيون دفع الأحداث في محافظة الحديدة، في اتجاه معاكس للتهدئة التي دخلت حيز التنفيذ (نظرياً فقط) في 18 من ديسمبر 2018، وباتت الاحداث اليومية في المدينة الساحلية، تبتعد أكثر عن أجواء السلام وتنفيذ اتفاق ستوكهولهم، رغم محاولة المبعوث الأممي مارتن غريفيث، تصويرها بشكل مغاير في أحاطته الأخيرة لمجلس الأمن الأخيرة، والذي أكد فيها استمرار التهدئة ووقف اطلاق النار بشكل واسع في المدينة.
وكثفت جماعة الحوثي خلال الاسبوعين الماضيين، من هجماتها على مواقع القوات المشتركة التي تضم ألوية العمالقة وحراس الجمهورية وألوية تهامة، واستهدفت بالمقذوفات والصواريخ مناطق سكنية في الدريهمي والتحيتا وبأطراف المدينة.
وتعرضت مواقع للقوات المشتركة ومنازل المواطنين في التحيتا وحيس، لقصف مكثف من مليشيات الحوثيين الليلة الماضية، وفق ما ذكر موقع الوية العمالقة.
وشن مسلحو الجماعة الاثنين الماضي، هجوماً واسعاً وعنيف، محاولين اختراق الخطوط الأمامية للقوات المشتركة جنوب مدينة الحديدة، واستمرت المعارك حتى مساء الثلاثاء، استخدم الطرفان فيها اسلحة متوسطة وخفيفة ، ومقذوفات صاروخية.
وقالت القوات المشتركة إنها تمكنت من كسر الهجوم، واعتبرته تصعيداً خطيراً باتجاه خرق الهدنة، فيما زعم الحوثيون أن ما حدث ليس تصعيداً وإنما كسر لمحاولات تقدم للقوات الموالية للتحالف متهمين القوات المشتركة بخرق الهدنة بشكل متكرر.
وأمس الخميس، أعلن الحوثيون مقتل عقيد في قواتهم، يدعى معصار شوعي السالمي ويكنى "أبو سليم"، زاعمين أن الرجل قتل في الدفاع عن الأرض بأطراف الحديدة.
وأفادت مصادر بالقوات المشتركة أن معصار، والمنتمي لمحافظة عمران، كان قائد الهجوم الانتحاري الذي نفذه الحوثيون الإثنين والثلاثاء، محاولين اختراق خطوط التماس في شارع صنعاء بأطراف مدينة الحديدة.
وبحسب المصادر التي تحدثت لمراسل "المصدر أونلاين"، فالقيادي معصار، هو رابع قيادي تخسره المليشيات الحوثية خلال تصعيدها الاخير، منذ تقديم المبعوث الأممي مارتن غريفيث احاطته لمجلس الأمن في 18 يوليو الفائت.
فقد لقي قائد المحور المتحرك للمليشيات في الساحل الغربي سفيان طالب السفياني، مصرعه في محاولة هجومية فاشلة شرق المدينة قبل نحو أسبوعين، وجرح رئيس عمليات المحور، محمد محمد الفقيه، أثناء قيادته لمجاميع مسلحة حاولت اختراق خطوط التماس جنوب المدينة.
وقتل قيادي رابع يدعى نجيب الرازحي، وهو مشرف عام الميليشيا بمدينة الحديدة، وتشير المعلومات إلى ان مقتله جاء نتيجة لخلافات بينيه داخل صفوف الجماعة، حيث اقدم مشرف أخر على قتله ورمي جثته في الشارع لتتكشف بعد ذلك الحادثة وتقول الجماعة انه قتل في مواجهات مسلحة.
تغييرات وتعزيزات للمليشيات
ولتعويض خسائرها، عينت المليشيات الحوثية مشرفاً جديد لقواتها في الحديدة، ينحدر من منطقة مران ويدعى أبو عبدالرحيم، كما عينت مشرفاً وقائياً على جبهات الساحل من صنعاء يدعى أبو مالك الخولاني، وجاء تعيين الأخير خلفاً لمشرف الأمن الوقائي (جهاز مخابرات داخلي) حمزة الغرباني والذي قتل مطلع الشهر الماضي.
واتهمت القوات المشتركة المليشيات الحوثية باستقدام تعزيزات عسكرية جديدة تضم اسلحة ثقيلة ومعدات متنوعة ومئات المقاتلين والدفع بهم باتجاه مديرية حيس جنوب شرقي مدينة الحديدة عاصمة المحافظة التي تحمل الاسم ذاته.
وقال المركز الإعلامي لألوية العمالقة الموالية للتحالف العربي، إن "الحوثيين دفعوا بعشرات الآليات والعربات العسكرية الثقيلة وعربات "بي إم بي "والمدفعية الثقيلة، ومئات المقاتلين المدججين بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة صوب مديرية حيس".
وأضاف المركز في بيان نشر على صفحته بالفيسبوك أن "دفع الحوثيون بعشرات الآليات العسكرية تحمل مئات المسلحين من المناطق المحاذية لمنطقة الجبلية في مديرية التحيتا جنوب الحديدة، صوب أطراف المنطقة".
واعتبر "استقدام الحوثيين التعزيزات العسكرية تصعيداً خطيراً، في إطار خروقاتهم للهدنة الأممية".
وعلى مدى اليومين الماضيين استمرت المليشيات في قصفها المدفعي والصاروخي على مواقع متفرقة شرق مديرية حيس وفي منطقة الجبلية بالتحيتا، ووفق المركز فأن تكثيف القصف بالتزامن مع وصول تعزيزات للمليشيات مؤشراً على نسف الحوثيين للهدنة بشكل نهائي.
مجازر شارع موسى ومصنع الابان
في يوم السبت 27 يوليو، أعلن الحوثيون ارتكاب القوات المشتركة مجزرة بقصفها منازل ثلاثة مواطنين في شارع موسى المكتظ بالسكان والباعة المتجولين.
لكن شاهد عيان من سكان الحي روى قصة مغايرة لمزاعم الحوثيين، مؤكداً أن القصف متعمد ومن مكان قريب بهدف إسقاط اكبر عدد من الضحايا المدنيين.
وأضاف "أصابت القذيفة الأولى - كان صوتها خفيف- منزل عائلة من خمسة اشخاص وتم إسعافهم إلى المستشفى من قبل المواطنين، فيما أصابت قذيفة ثانية -صوتها قوي- منزل بيت الذماري بالشارع ذاته وتناثرت الشظايا في المنازل المجاورة متسببة في تضررها، لكن دون حدوث اصابات.
وأوضح وبينما كان المواطنون متجمعين في مكان القصف والباعة المتجولين، جاءت القذيفة الثالثة، وكان مراسل المسيرة والطاقم الاعلامي قد حضر مسبقاً للتصوير، "جاءت القذيفة لتصيب مكاناً قرب تجمعنا وكأنها كانت تستهدفنا بشكل مباشر لولا لطف الله".
في الوقت الذي كان الحوثيون يخططون لارتكاب مجزرة بحق المواطنين ونسبها للقوات المشتركة – وفق شهادة أحد سكان حي موسى – كانت المليشيات تقصف بالمدفعية مجمع اخوان ثابت، مستهدفة مصنع الألبان بالمجمع الصناعي والتجاري والواقع في المناطق الخاضعة لسيطرة القوات الحكومية.
أدى القصف إلى اضرار متوسطة وإصابة أحد العمال في المصنع.
وأسفرت الهجمات والقصف المتكرر للحوثيين على مواقع القوات المشتركة والتجمعات السكنية في المناطق الخاضعة لها، خلال الاسبوعين الماضيين، عن مقتل وإصابة ما يزيد عن 30 شخصاً، جلهم من المدنيين (اطفال ونساء) وفق تأكيد مصادر ميدانية.
تسويق الوهم
منتصف الشهر الماضي، اجتماعات اللجنة المشتركة لإعادة الانتشار في الحديدة، على متن سفينة بعرض البحر، بحضور ممثلي الحكومة وممثلي جماعة الحوثي الذين وصلوا متأخرين عن موعد الاجتماع بساعات.
ويعد الاجتماع الأول منذ أشهر، حيث كان أخر اجتماع مشترك للجنة المشتركة في فبراير، لتتوقف الاجتماعات المنفربدة بعد ذلك بشهرين.
لم يخرج الاجتماع بجديد، سوأ تعليق عمل اللجنة وإحالة ملفات الأمن المحلي وإيرادات الموانئ والرقابة الثلاثية إلى المبعوث الأممي للبت فيها، مع التوافق على ما تم أن توافق عليه الطرفين بخصوص مراحل إعادة الانتشار، إضافة إلى تعزيز آلية الرقابة على تطبيق وقف اطلاق النار.
لكن الاجتماع بحد ذاته، اعتبره المبعوث الأممي مارتن غريفيث إنجاز وتقدم في سبيل تنفيذ اتفاق الحديدة الذي وصفه في احاطته بمجلس الأمن أن تنفيذه مفتاح لاتفاق سلام شامل في اليمن.
وأكد غريفيث في إحاطته اتفاق الطرفين "على التفاصيل التشغيلية لجميع عمليات إعادة الانتشار المشار اليها في محادثتنا في ستوكهولم"، لكنه أقر بوجود خلافات وتحدي حول "على قوات الأمن المحلية بشكل خاص وكذلك الاهتمام بقضية الإيرادات".
وإضافة إلى اسهاب المبعوث الأممي في الحديث عن التقدم في ملفات كفك الحصار عن تعز ووصول المساعدات، اعترف بتفاؤله المفرط.
لكن عاد ليؤكد أن التهدئة في الحديدة مستمرة ووقف إطلاق النار مستمر وعلى نطاق واسع ، مبدياً قلقه من تصاعد القتال في الحدود.
وفي الوقت الذي كان فيه المبعوث الأممي يسوق الوهم ويظلل مجلس الأمن وفق متحدث القوات المشتركة في الساحل الغربي، كانت المليشيات تكذب إفادته وتنقلب على ما اتفقت عليه "من آليات لضبط وقف إطلاق النار" في اجتماعات اللجنة المشتركة، لتبدأ تصعيداً هو الأعنف منذ دخول الهدنة حيز التنفيذ، وذلك بنشر قناصين في خطوط التماس واستقدام آليات ومدرعات جديدة وفق ما ذكر العميد صادق دويد متحدث حراس الجمهورية.
ويرى مراقبون أن تصعيد مليشيات الحوثيين، للهجمات، بعد انعقاد جلسة مجلس الأمن منتصف الشهر الفائت، يعزز الرأي القائل بأن المليشيات انقلبت على اتفاق السويد، وتسعى لإفشاله بشكل هادئ، بما لا يؤدي إلى استئناف الحكومة والتحالف عملية تحرير المدينة.
ووفق المراقبين فقد استغل الحوثيون، الجهود الأممية، وتفاؤل المبعوث الأممي الزائد بإمكانية الحل وتنفيذ الاتفاق، في تعزيز مواقعهم على الارض وتحصينها وزراعة الالغام.