بعد أشهر من التفاوض والصراع وقع المجلس العسكري الانتقالي السوداني وقوى إعلان الحرية والتغيير بالأحرف الأولى على وثيقة الإعلان الدستوري المنظم للمرحلة الانتقالية، اليوم الأحد 4 أغسطس/آب 2019، فما هي تفاصيل وثيقة الإعلان الدستوري السوداني وكيف عالجت القضايا الإشكالية مثل وضع الجيش وقوات الدعم السريع والسلطة؟.
وكان القيادي في قوى الحرية والتغيير منذر أبو المعالي قال إنه من المقرر أن يجري التوقيع الرسمي على الإعلان الدستوري أمام كبار الشخصيات الأجنبية في 17 أغسطس/آب الحالي.
وأوضح أنه سُيعلن في اليوم التالي أي يوم 18 أغسطس/آب عن أسماء مجلس السيادة، وبعد يومين سيعلن عن اسم رئيس الوزراء، وفي 28 أغسطس سيُعلن عن أسماء أعضاء مجلس الوزراء.
اتفاق جاء بعد دماء كثيرة ويمهد لانتخابات بعد ثلاث سنوات
ويأتي الاتفاق على الوثيقة -التي توضح سلطات أفرع الحكومة الانتقالية والعلاقة بينها- بعد أسابيع من المفاوضات المطولة التي توسط فيها الاتحاد الإفريقي وإثيوبيا، وسط أعمال عنف متفرقة في العاصمة الخرطوم ومدن أخرى.
وكان أبرز أعمال العنف التي وقعت في البلاد مذبحة فض اعتصام القيادة العامة للقوات المسلحة من قبل عسكريين يعتقد أنهم ينتمون لقوات الدعم السريع.
الوثيقة الدستورية تكل اتفاق قادة الجيش وقادة تحالف قوى الحرية والتغيير في 17 يوليو/تموز الماضي
ويُكمّل الاتفاق على الوثيقة الدستورية اتفاق قادة الجيش وقادة تحالف قوى الحرية والتغيير (الذي يقود الاحتجاجات) في 17 يوليو/تموز الماضي على «الإعلان السياسي» لتشكيل مجلس عسكري مدني مشترك، يؤسس لإدارة انتقالية تقود البلاد لمرحلة تستمر 39 شهراً.
ومع ممارسة الحكومة الانتقالية مهام عملها وفقاً للوثيقة تبدأ فترة انتقالية مدتها ثلاث سنوات من المتوقع أن تقود إلى انتخابات.
إليك أهم بنود الاتفاق
المجلس السيادي صلاحيات تشريفية وسلطات محدودة
من أهم ما ورد في الوثيقة التي نشرتها قوى إعلان الحرية والتغيير قبل التوقيع التالي:
– التأسيس لحكم نظام برلماني غالبية الصلاحيات التنفيذية فيه وإدارة الدولة لدى مجلس الوزراء، الذي ترشحه قوى التغيير، ويعينه المجلس السيادي.
– مستويات السلطة هي: المجلس السيادي، مجلس الوزراء، المجلس التشريعي.
– المجلس السيادي ذو صلاحيات تشريفية وسلطات تنفيذية محدودة.
من يختار رئيس الحكومة والوزراء؟
فيما يتعلق بمجلس الوزراء الذي أعطاه الاتفاق صلاحيات كبيرة فينص الاتفاق على التالي:
– مجلس الوزراء ذو صلاحيات تنفيذية لإدارة الدولة.
– اختيار رئيس الوزراء من جانب قوى والتغيير، ويتم اعتماده من المجلس السيادي.
– يرشح المكون العسكري في مجلس السيادة وزيري الداخلية والدفاع، وهما يتبعان لمجلس الوزراء، ويتولى مراقبة أدائهما.
بدورها قالت القيادية السودانية ابتسام السنهوري إن «الإعلان الدستوري» يؤسس لنظام برلماني بالبلاد، ومعظم الصلاحيات التنفيذية لدى رئاسة الوزراء، عدا بعض الصلاحيات القليلة ستكون بين المجلس السيادي ورئيس الوزراء.
وأوضحت أن مجلس الوزراء سيتكون مما لا يزيد عن 20 وزيراً، وسيقوم رئيس الوزراء بتعيينهم وسيجيزهم المجلس السيادي، مشيرة إلى أن تحديد شكل الدولة سيترك للحكومة المدنية.
المجلس التشريعي وطبيعة الحكم في الأقاليم
ينص الاتفاق على أن من مهام المجلس التشريعي: سن القوانين، ومراقبة أداء الحكومة، والمصادقة على الاتفاقيات، وإعلان الحرب.
وكان هناك خلاف فيما يتعلق بنسب التعيين في المجلس التشريعي.
ونص الاتفاق على أن تكون نسبة قوى التغيير في المجلس التشريعي 67%، والبقية للقوى المساهمة في الثورة والتي لم توقع على وثيقة «قوى إعلان الحرية والتغيير»، على أن يجري التشاور في النسبة المتبقية بين المجلس العسكري وقوى التغيير.
وحسب الوثيقة التي نشرت قبل التوقيع يُترك للحكومة المدنية، عقب إجراء مشاورات، تحديد شكل الدولة، إما أن تكون أقاليم أو ولايات (18 ولاية حالياً).
مسألة الحصانة للعسكريين
وتناولت المفاوضات «الحصانة المطلقة» التي يطالب بها جنرالات الجيش، و»صلاحيات مجلس السيادة» المشترك، و»مظاهر الانتشار العسكري» في مختلف مدن البلاد.
وأفادت مصادر الحرية والتغيير أثناء المفاوضات أنه كان هناك توافق حول حذف فقرة الحصانة المطلقة في الوثيقة الدستورية.
واللافت أن الوثيقة تتضمن بنداً يقول «كل الهيئات والمؤسسات والشخصيات الحكومية تخضع لحكم القانون ضمن مبدأ «سيادة القانون».
ونص آخر يؤكد على إجراء مساءلة في كل القضايا المتعلقة بانتهاك حقوق المواطن.
كما تتضمن الوثيقة بنداً بشأن تكوين 11 مفوضية مستقلة، منها أربع مفوضيات تابعة لكل من المجلس السيادي ومجلس الوزراء، وهي مفوضيات السلام، والحدود، والانتخابات، والدستور.
ومن المفوضيات الأخرى: المرأة، والعدالة الاجتماعية، ومكافحة الفساد، والأراضي، وحقوق الإنسان، وإصلاح الخدمة المدنية.
من يسيطر الجيش والمخابرات والدعم السريع
وكانت هناك نقطتا خلاف رئيسيتان بين الجانبين، هما: دور جهاز المخابرات العامة وقوات الدعم السريع، أقوى قوة شبه عسكرية في السودان.
ويبدو أن الاتفاق انتهى إلى تقسيم السيطرة على الأجهزة العسكرية والأمنية في البلاد.
إذ توزع الوثيقة التي أعلنت عنها قوى إعلان الحرية والتغيير على التالي:
- يخضع جهاز المخابرات العامة (الأمن والمخابرات سابقاً) للسلطة السيادية والتنفيذية.
- تتبع القوات المسلحة وقوات «الدعم السريع» للقائد العام للقوات المسلحة، الخاضعة للمجلس السيادي.
- تُسند عملية إصلاح القوات المسلحة للقوات المسلحة.
- تتبع الشرطة لمجلس الوزراء.
- يرشح المكون العسكري في مجلس السيادة وزيري الداخلية والدفاع، وهما يتبعان لمجلس الوزراء، ويتولى مراقبة أدائهما.
- – يحق لحاملي الجنسيات المزدوجة تولي مناصب في مجلس الوزراء، ما عدا الوزارات السيادية، حيث يتم التشاور حولها بين مجلس السيادة والوزراء.
من يترأس المجلس السيادي؟ ويسيطر على القوة الضاربة؟
وسبق أن اتفق الطرفان على أن يتألف مجلس السيادة من 11 عضواً، هم خمسة ضباط يختارهم المجلس العسكري، وعدد مماثل من المدنيين يختارهم تحالف قوى الحرية والتغيير، إلى جانب شخصية مدنية أخرى بالاتفاق بين الجانبين.
وبحسب الاتفاق، فإن رئيس المجلس الأول سيكون من الجيش، وذلك لمدة 21 شهراً، بداية من توقيع الاتفاق، تعقبه رئاسة أحد الأعضاء المدنيين لمدة 18 شهراً المتبقية من الفترة الانتقالية.
وعندما يتشكل مجلس السيادة، يتم حل المجلس العسكري الحاكم حالياً برئاسة الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان ونائبه الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) رئيس قوات الدعم السريع.
وهذا يعني أن القوة العسكرية الضاربة للبلاد وهي الجيش وقوات الدعم السريع ستخضع لقيادة رئيس المجلس السيادي الذي سيختاره المجلس العسكري خلال المرحلة الأولى للاتفاق.
من جهته، قال القيادي في قوى الحرية والتغيير مدني عباس مدني إن الإعلان عن الشخصيات التي تشكل المجلس السيادي ومجلس الوزراء سيتم بعد التوقيع الرسمي على الوثيقة الدستورية.
وأكد مدني للجزيرة أن اختيار هذه الشخصيات سيراعي معياري التنوع الجغرافي والتمثيل النوعي.
الحركات المسلحة تتحفظ رغم تأكيد الحرية والتغيير على أهمية الحوار معها
وقال المفاوض بقوى الحرية والتغيير ساطع الحاج إن الأولوية الأولى للحكومة الانتقالية خلال شهورها الستة الأولى في السلطة ستكون العمل لتحقيق السلام في ظل نشاط عدد من الجماعات المسلحة في جنوب وغرب السودان.
وتحفظت الجبهة الثورية -التي تضم حركات عسكرية وقوى سياسية- عليه واتهمت لجنة التفاوض باختطاف المشهد.
وقالت الجبهة الثورية السودانية إنها لم تكن ممثلة في جلسة المفاوضات التي جرت الجمعة، وإن مفاوضيها جرى إقصاؤهم من اللجنة التي قالت إنها اختطفت المشهد التفاوضي باسم الحرية والتغيير.
وقالت الجبهة إن «روح الإقصاء ومنهج تجاوز الآخر لا يتسق مع الثورة السودانية، وسيؤدي إلى تعقيد المشهد وسيعيد إنتاج الأزمة وسيُنتج اتفاقات لن تعبّر عن كل السودان».
وأكدت الجبهة أنها ترى ضرورة أن يكون لها ممثّل في اللجنة الفنية ولجنة الصياغة، وأنها تتطلع للإيفاء باتفاق أديس أبابا الذي نجح في صياغة رؤية للسلام اتفق جميع الأطراف على إدراجها كاملة في وثيقة الاتفاق السياسي وفي وثيقة الإعلان الدستوري.
وتضم الجبهة الثورية ثلاث حركات ترفع السلاح في وجه الحكومة، هي حركة تحرير السودان برئاسة أركو مناوي التي تقاتل في إقليم دارفور (غرب)، والحركة الشعبية قطاع الشمال بقيادة مالك عقار وتقاتل في ولايتي جنوب كردفان (جنوب) والنيل الأزرق (جنوب شرق)، والعدل والمساواة التي يتزعمها جبريل إبراهيم وتقاتل في إقليم دافور (غرب).
كما تضم إلى جانب ذلك قوى سياسية تنضوي داخل كيانات تشكلت خلال معاركها مع النظام السابق، أشهرها «نداء السودان» الذي يندرج داخله حزب الأمة (أكبر الأحزاب السودانية) وحزب المؤتمر السوداني.
وسبق أن قال القيادي بالجبهة الثورية (تضم 3 حركات مسلحة) التوم هجو، إن وثيقة السلام ستناقش بعد الفراغ من النقاش حول بقية الوثيقة الدستورية.