إعلان الحرس الثوري الإيراني احتجاز ناقلة نفط عراقية بزعم تهريبها الوقود لدول عربية لا يعتبر من الناحية الشكلية تصعيداً كبيراً تجاه الولايات المتحدة، لكنها خطوة تحمل في طياتها كثيراً من الرسائل، فما هي أسباب احتجاز الناقلة وما هي تلك الرسائل؟
ماذا حدث؟
أعلن الحرس الثوري الإيراني أمس الأحد أن السفينة التي احتجزتها قواته بسبب نقل وقود مهرب هي سفينة عراقية، ونقلت وكالة «إيرنا» عن قائد المنطقة الثانية للقوة البحرية للحرس الثوري، الجنرال رمضان زيراهي، أن: «السفينة عراقية، وكانت محملة بالوقود المهرب، وأوقفت قرب جزيرة فارسي بالتنسيق مع المراجعِ القضائية، وعلى متنها 7 بحارة أجانب».
وتابع: «السفينة كانت تأخذ المحروقات من سفن أخرى وتنقلها لدول عربية في الخليج الفارسي».
وأوضح أن: «السفينة كانت تحمل 700 ألف لتر من الوقود المهرب»، وأنه «تم توجيهها إلى محافظة بوشهر، وتم تسليم وقودها إلي الشرکة الوطنية لتوزيع المشتقات النفطية في المحافظة، وذلك بعد التنسيق مع المسؤولين القضائيين».
ماذا يقول العراق؟
العراق من جانبه نفى علاقته بالناقلة المحتجزة، ونقلت وكالة الأنباء العراقية عن متحدث وزارة النفط، عاصم جهاد، أن «الوزارة لا تقوم بتصدير زيت الغاز إلى الأسواق العالمية، وإنما يختصر التصدير على النفط الخام والمنتجات النفطية المعلنة، وفق السياقات والآليات والضوابط المتعارف عليها عالمياً».
وأضاف جهاد أن «الجهات المعنية تقوم بجمع المعلومات عن الناقلة المحتجزة»، مؤكداً أن «هذه الناقلة تعد من الناقلات الصغيرة التي لا تتعامل بها وزارة النفط في عملية تسويق النفط والمنتجات النفطية».
ماذا تقصد إيران إذن؟
السفينة صغيرة طاقمها 7 أشخاص وتحمل 700 ألف لتر من الوقود ويبدو أنها مملوكة لرجل أعمال عراقي، وعلى الأرجح هي ليست المرة الأولى التي تبحر فيها السفينة عبر مضيق هرمز حاملة «الوقود المهرب» إلى «دول عربية» في منطقة الخليج، فلماذا إذن احتجزتها بحرية الحرس الثوري الآن؟ ولماذا الإعلان بداية عن «احتجاز ناقلة نفط أجنبية» قبل الإعلان عن كونها عراقية؟
في ظل الأزمة المشتعلة بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، لا يكاد يمر يوم دون أن يرسل أحد الأطراف رسالة إلى الطرف الآخر، وبالتالي لا يمكن قراءة احتجاز «السفينة الصغيرة» بمعزل عن ذلك السياق.
فمن المتوقع أن يؤدي احتجاز الناقلة الجديدة إلى زيادة حدة التوتر، ويأتي كتذكير بأن إيران قادرة على تعطيل الملاحة في مضيق هرمز إذا ما وجدت أن ذلك هو الحل الوحيد، لكن في نفس الوقت احتجاز ناقلة عملاقة تتبع لدول أوروبية، على سبيل المثال، ربما يفشل بسبب وجود مراقبة عسكرية تصاحب معظم تلك الناقلات أو ربما يؤدي لمواجهة مسلحة قد لا تكون في صالح القوارب السريعة التي يمتلكها الحرس الثوري.
احتجاز سفينة صغيرة لا تحظى بطبيعة الحال بمرافقة سفن حربية -لأنها تقوم بالتهريب- وتتبع لرجل أعمال عراقي يعني إمكانية تنفيذ عملية الاحتجاز بنجاح ومن ثم استخدامها لإرسال رسالة للطرف الأهم دون أن تتوتر الأمور بصورة تخرج عن السيطرة.
تبادل الرسائل سيطول أمده
في هذا السياق، من المنتظر أن تستمر استراتيجية تبادل الرسائل بين طهران وواشنطن فترة ليست بالقصيرة، حيث أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لن يدخل حرباً مع إيران قبل الانتخابات الرئاسية العام المقبل مهما حدث، وإيران تدرك ذلك جيداً وتأمل أن يفشل في إعادة انتخابه.
ترامب يواصل محاولاته خنق إيران بالعقوبات الاقتصادية، وطهران تواصل سياسة إزعاج الجميع باستخدام وكلائها في المنطقة وتهديد الملاحة في الشريان الأهم للتجارة العالمية وهو مضيق هرمز، وبالتالي ليس من المنتظر أن تتوقف عمليات احتجاز السفن وناقلات النفط، ومن يدري كيف سيكون الهدف التالي أو متى.
لكن من الوارد أيضاً أن تخرج الأمور عن السيطرة في ظل الحشد الهائل من البوارج والسفن الحربية التي تجوب مياه المنطقة في الخليج وبحر عمان ومضيق هرمز وخليج عدن وباب المندب، مما يعني تزايد احتمالات وقوع مواجهة مسلحة ولو بطريق الخطأ.