مع اشتداد صراع المضايق البحرية في منطقة الخليج العربي، يطفو على السطح الحديث حول بدائل فعالة تسهّل حركة ناقلات النفط، تجنبها المرور بمضيق هرمز ومنطقة باب المندب مع تزايد التوترات من حين لآخر.
إلا أن خبراء ومحللين يقولون في أحاديث منفصلة للأناضول، إن البدائل المتاحة حالياً غير كافية، ومكلفة على الدول المصدرة أو المستوردة للنفط على حد سواء، وقد يصل التأثير إلى الأسواق العالمية.
ويشغل مضيق هرمز، الواقع بين سلطنة عمان وإيران، ويربط الخليج العربي بخليج عمان وبحر العرب، أهمية استراتيجية في صناعة الطاقة بالعالم.
ومراراً، هددت إيران بتعطيل شحنات النفط عبر مضيق هرمز، ما يحدث تداعيات صادمة للهند والصين وعشرات البلدان الأخرى التي تستورد النفط الخام في الشرق الأوسط بكميات كبيرة.
ويعود تصاعد التوتر إلى ارتفاع حدة القيود المفروضة على تجارة النفط الإيرانية إلى العالم، بفعل عقوبات أمريكية فرضت في نوفمبر/تشرين ثاني الماضي، وضاق الخناق أكثر عليها في مايو/أيار الماضي.
كما تصاعدت حدة التوتر مساء 19 يوليو/تموز المنصرم، بعد إعلان إيران احتجاز ناقلة نفط بريطانية بالمضيق «لخرق لوائح تتعلق بالمرور»، بعد ساعات من إعلان محكمة في جبل طارق تمديد احتجاز ناقلة نفط إيرانية 30 يوماً.
وتعرضت ناقلات نفط لدول مختلفة، وطائرة تجسس أمريكية لهجمات منذ مايو/أيار الماضي، قرب المضيق، وسط توترات متصاعدة بين الولايات المتحدة وإيران.
اتفاق دولي
ولأهميته الاستراتيجية في ضمان أمن الطاقة بالعالم، اتفق وزراء خارجية بريطانيا وفرنسا وألمانيا، على «العمل سوياً من أجل ضمان أمن الملاحة البحرية بمضيق هرمز».
وانضمت الكويت إلى تحذيرات سعودية وقطرية من التصعيد وتعريض أمن الملاحة البحرية في المنطقة لتهديد مباشر، على خلفية احتجاز إيران ناقلة نفط بريطانية في المضيق.
استراتيجية خليجية
الخبير الاقتصادي عضو الجمعية العالمية لاقتصاديات الطاقة، وضاح ألطه، يطالب بالعمل على استراتيجية خليجية موحّدة تساعد في إيجاد بدائل تمكّن من الحفاظ على إمداداتها النفطية بعيداً عن الحلول العسكرية.
ويقول ألطه: «الحلول العسكرية مكلفة وغير مستدامة، وتُبقي حالة التوتر الجيوسياسي قائمة وقد تقود للتصعيد، وبالتالي يتأثر النمو الاقتصادي لدول المنطقة».
وأشار إلى أن الإمدادات إلى أوروبا مؤمنة بعيداً عن «هرمز»، لأنها يمكن أن تسلك طريق شمال البحر الأحمر مروراً بقناة السويس وعبر البحر المتوسط.
ويشدد على أن الأهم هو الحفاظ على الإمدادات لدول آسيا (أكبر مستوردي النفط الخليجي خصوصاً الصين) الذي يجب أن يمر بمضيق هرمز.
أما مضيق باب المندب الذي يتأثر بالقلاقل من حين لآخر بسبب جماعة الحوثي عبر هجمات بطائرات مسيّرة، فيقول ألطه إنه يمكن السيطرة عليه بشكل أسهل من مضيق هرمز عبر تأمينه بالاتفاق مع الدول المطلة عليه بالجانب الإفريقي مثل جبيوتي وإريتريا.
ويفيد بأن التوسع بخطوط الأنابيب، هو الحل الأمثل إذا طال أمد التوترات بمضيق هرمز، «فمثلاً الإمارات لديها خط يربط حقول أبوظبي بميناء الفجيرة ثم بحر العرب متجاوزاً المضيق بطاقة مليون برميل يومياً».
ويوجد فقط لدى السعودية والإمارات خطوط أنابيب يمكنها شحن النفط الخام خارج الخليج، ونهاية 2018 بلغ إجمالي طاقة أنابيب النفط الخام المتاحة من البلدين مجتمعين 6.5 مليون برميل يومياً.
المعضلة الحقيقية
المحلل الكويتي لأسواق النفط العالمية أحمد حسن كرم يرى أن المعضلة الحقيقية تكمن في العراق والكويت، إذ سيتعذر عليهما تصدير النفط عبر السفن، وستضطر الدولتان إلى نقل النفط بشاحنات برية للموانئ العُمانية، وهو أمر شبه مستحيل.
ويذكر كرم أن السعودية والإمارات وسلطنة عُمان، لديها بديل حال تعطل الملاحة في «هرمز»، من خلال استخدام بحر العرب أو استغلال الأنابيب الممتدة.
أما بخصوص باب المندب، فيفيد المحلل الكويتي بأن من السهل غلق المضيق من قبل الحوثيين باليمن، ويمكن مواجهة ذلك عبر تواجد قوات بحرية تحميه. ويتابع: «هرمز وباب المندب من أهم المضايق البحرية للأسواق النفطية، حيث يعبر خلالهما حوالي ثلث الإنتاج العالمي من النفط، ويعد هرمز هو الممر الوحيد لبعض دول الخليج كالكويت وقطر».
وبلغ معدل التدفق اليومي للنفط في المضيق 21 مليون برميل يومياً في 2018، ما يعادل حوالي 21% من استهلاك السوائل البترولية على مستوى العالم، وفقاً لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية، ما يجعله أكبر ممر مائي في العالم. وقدرت الطاقة الأمريكية أن 76% من النفط الخام والمكثفات التي مرت عبر المضيق، ذهبت إلى الأسواق الآسيوية في 2018.
حلول سلمية
ويقول جاسم عجاقة، الخبير الاقتصادي والأستاذ في الجامعة اللبنانية، إن مد أنابيب لنقل النفط إلى بحر العرب تمر من الكويت والسعودية والإمارات وقطر إلى سلطنة عُمان حتى تسير إلى البحر مباشرة، حل سليم للأزمة الراهنة. ويضيف عجاقة أن وجود مثل هذه الأنابيب مهم للمنطقة، وسيحدث تأثيرات إيجابية على أسواق النفط العالمية، ويسهم في تحقيق التكامل وأمن الطاقة في المنطقة.
وتابع قائلاً: «استمرار التوترات الجيوسياسية يجعل الاقتصاد العالمي في وضع غير مستقر، نظراً لتأثيراتها على رفع الأسعار، التي بدورها تزيد الكلفة بشكل عام، فالحل الأمثل هو مد الأنابيب وتوصليها إلى سلطنة عُمان».
بدائل غير كافية
ويقول محمد رمضان، الخبير الاقتصادي، إن البدائل المتاحة غير كافية لتفادي دول الخليج الآثار الناجمة عن غلق مضيق هرمز، وسيكون التأثير واضح على اقتصادات المنطقة التي تعتمد بشكل أساسي على النفط.
ويرى رمضان أن أفضل الحلول يكمن في توفير الحماية الدولية للمياه البحرية بالمضايق، ما يزيد التكاليف والتي يمكن أن تتحمل الدول المستوردة والمصدرة على حد سواء للحفاظ على إمدادات النفط دون انقطاع.
ويتابع: «الأمر مشابهة لهجوم الناقلات في ثمانينيات القرن الماضي، ما سبب في زيادة تكلفة التأمين والحماية». ويلفت إلى أن ثلاث دول خليجية (السعودية، الإمارات، عُمان) لديها بدائل تجنبها المرور بمضيق هرمز عبر خطوط الأنابيب إضافة إلى موقعها الجغرافي إذ تطل على بحري العرب والأحمر كما في السعودية.
ولدى السعودية خط أنابيب «بترولاين» بسعة 3 ملايين برميل يومياً، وهناك خطط لزيادته لـ 5 ملايين، ويمتد مساره إلى مدينة ينبع على البحر الأحمر، ويوفر إمدادات إلى أوروبا والولايات المتحدة.
هجمات محتملة
وأوردت وكالة بلومبرغ، الأسبوع الماضي، أن توجهات السعودية لتغيير مسار صادراتها النفطية من مضيق هرمز إلى باب المندب لن ينهي المخاطر بشأن هجمات محتملة.
وذكرت الوكالة في تقرير لها أن تصدير النفط السعودي غرباً عبر البحر الأحمر ومنه إلى مضيق باب المندب، متجهاً لأسواق شرق وجنوب شرق آسيا، قد يكون جاذباً للوهلة الأولى.
إلا أن مخاطر تعرّض ناقلات النفط السعودية لأية هجمات قرب مضيق باب المندب قد تكون قائمة من خلال طائرات مسيّرة لجماعة الحوثي في اليمن.
ويبلغ متوسط الصادرات السعودية اليومية قرابة 6.9 مليون برميل، معظمها يتجه صوب أسواقها الرئيسة في الشرق، كالصين والهند وباكستان واليابان وكوريا الجنوبية.
وترى بلومبرغ أن خيار تعرّض الناقلات لهجمات طائرات مسيّرة ليس مستبعداً، «لأن الطائرات المسيّرة وصلت أطراف الرياض في هجمات سابقة».