أشرف الفلاحي- عربي21
لم تبارح السعودية، قائدة التحالف العسكري في اليمن، دائرة الصمت والسكون إزاء أحداث كثيرة ومعقدة تشهدها مدينة عدن، جنوبا، كان آخرها ترحيلا قسريا لمواطنين يمنيين من أبناء المناطق الشمالية والوسطى على أيدي مليشيات انفصالية تمولها دولة الإمارات.
الموقف السعودي بدا مثيرا لليمنيين، وسط تساؤلات عدة عن أبعاد هذا الصمت، وهل هو تكتيك أم غرق في التيه وفقدان للبوصلة في حرب تقودها المملكة لإنهاء انقلاب الحوثيين المدعومين من إيران على الشرعية، التي تواجه محاولات انقلابية متكررة في عدن الساحلية، بدعم من حكومة أبوظبي، وفقا لتصريحات مسؤولين حكوميين.
كما أن الأكثر غرابة موقف الرياض من التقارب الذي سارعت إليه حليفها في التحالف ضد الحوثيين، النظام الإماراتي، مع طهران، بدت ملامحه تظهر في مدينة عدن والمدن المجاورة لها، وفقا لمراقبين، لطالما كانت حرب السعودية باليمن ترفع شعار "ضرب نفوذ إيران".
وفي ضوء المعطيات السابقة، لم يعد مفهوما النوايا التي تضمرها المملكة، وهل لديها استراتيجية إزاء التقلبات المتسارعة في اليمن، بعدما تركتها أبوظبي وحيدة، عقب إعلانها سحب قواتها كون خيار الحرب انتهى من وجهة نظر الأخيرة، وحان الانتقال لخيار السلام، وفقا لما نقلته الصحافة الفرنسية عن مسؤول إماراتي، الشهر الماضي.
"بلا رؤية وفي ورطة"
من جهته، يرى الكاتب والسياسي اليمني، عبدالناصر المودع، أنه خلال فترة الحرب ظهرت السعودية دون رؤية واضحة ولا استراتيجية منسجمة، وهو الأمر الذي خدم الحوثي وقوى مركزه السياسي والعسكري.
وقال في حديث خاص لـ"عربي21" إن ما يحدث في عدن اليوم هو نتيجة التخبط والعشوائية وغياب التنسيق بين ما يسمى أطراف التحالف وبين ما تسمى الشرعية منذ بداية الحرب.
وأضاف المودع أنه لا يبدو أن هناك استراتيجية جديدة للسعودية، رغم أن النتائج الكارثية للحرب تتطلب أمرا كهذا.
وبحسب السياسي اليمني، فإن الرياض في كل الأحوال في ورطة، فلا هي قادرة على إنجاز أهدافها أو حتى جزء منها، ولا عادت قادرة على الانسحاب، فهي عمليا في مستنقع كثير من الأطراف الإقليمية واليمنية يريدها أن تغرق أكثر فيه، وفق تعبيره.
"أمام خيارين"
من جانبه، قال الصحفي والباحث السياسي اليمني، كمال السلامي، لا بد من أخذ تصريحات وزير الدولة للشؤون الخارجية بالإمارات، أنور قرقاش، على محمل الجد، خصوصا تلك التي أشار فيها إلى أن الإجراءات التي اتخذتها الإمارات، سواء تجاه إيران، أو في ملف اليمن، تمت بالتشاور والتنسيق مع السعودية.
وتابع حديثه الخاص لـ"عربي21": "تلك التصريحات تعني أن المملكة مطلعة على الوضع كاملا، وعلى دراية بتطورات الأحداث في عدن وغيرها من المحافظات المحررة".
فضلا عن ذلك، يبدو أنها منسقة أيضا في كثير من الأمور، ما لم يظهر مسؤول سعودي يتحدث بخلاف ذلك، حسبما ذكره السلامي.
وبحسب الباحث اليمني، فإنه لا يبدو أن للسعودية استراتيجية واضحة في التعامل مع ما يحدث، ثمة ضبابية وتردد، وتخبط ربما في التعامل مع كثير من الملفات، سواء ما يتعلق بالحرب ضد الحوثيين، أو بدرجة أساسية الوضع في المناطق المحررة، وعلى رأسها عدن.
وما يعزز ذلك، يقول الصحفي السلامي: "ما نراه في مؤاثرة الرياض الصمت، والاكتفاء بالحديث عن الإنجازات المتعلقة بإعادة الإعمار في العديد من المناطق المحررة، أبرزها مأرب، والمهرة (شرق اليمن)، والجوانب الإغاثية أيضا، متجاهلة الخوض في الملفات الشائكة".
وأشار إلى أنه لا يبدو أن لدى الرياض استعدادا حاليا لفتح ملف التصعيد في الجنوب مثلا، ذلك أنها لا تريد أن تضيف تعقيدا إلى التعقيد الحاصل. مؤكدا أنها أمام خيارين، أحدهما أكثر صعوبة، إما أن تنحاز لخيار المجلس الانتقالي الجنوبي -مدعوم إماراتيا- وبالتالي تخسر الشرعية وتخسر مبرر الحرب.
أما الخيار الثاني، فهو أن تنحاز لصالح الحكومة الشرعية وخياراتها المتمثلة في إقامة دولة اتحادية، وبالتالي قد يدخلها ذلك في صدام مع المجلس الانتقالي، وقواته التي باتت لا يستهان بها.
وأوضح الباحث السياسي اليمني أن ذروة ما يمكن للمملكة أن تقوم به هو التدخل لإعادة الأمور إلى وضعها الطبيعي قبل التصعيد، كما حدث في كانون أول/ يناير 2018( يقصد بذلك، المواجهات الدامية بين قوات الشرعية وتشكيلات عسكرية انفصالية)، وأيضا كما حدث في سقطرى في مايو من العام ذاته، في إشارة إلى الأزمة الحادة التي اندلعت بين الحكومة الشرعية والإمارات إثر إرسالها قوات تابعة لها سيطرت على مطار وميناء الجزيرة الواقعة في المحيط الهندي.
وأردف بأن "ذلك يشكل عبئا على السياسة السعودية، ويجعلها غير قادرة على المضي قدما في حربها، ولا في تمكين الحكومة اليمنية، التي تبدو هي الأخرى فاشلة، وتوفر لكل خصومها أسبابا كثيرة لرفضها".
"تغيرات ملموسة"
في حين، أفادت مصادر حكومية بأن السعودية بدأت تدرك خطورة مسار الوضع في اليمن، في ظل هرولة الإماراتيين نحو الإيرانيين.
وأضافت المصادر لـ"عربي21" أن هناك حالة من التململ لدى الرئيس عبدربه منصور هادي من استمرار المملكة في مواقفها تجاه العبث الذي تمارسه الإمارات، وسط مخاوف من تطور تلك الحالة إلى عدم ثقة بالحكومة السعودية. مستدركة بالقول إن المرحلة المقبلة ستشهد تغيرات ملموسة، وإن تحركات سعودية مهمة ستظهر قريبا.