خلود القروي- عربي21
نشر موقع "ميدل إيست آي" البريطاني مقال رأي للكاتبة سيلفيا تشان مالك تحدثت فيه عن تأثير إلهان عمر على الخطاب السياسي الأمريكي الذي يعد بمثابة شهادة على الإرث الدائم لـ"الإسلام الأمريكي الأسود".
وقالت الكاتبة في مقالها الذي ترجمته "عربي21" إنه في شهر تموز/ يوليو الماضي، عقد المئات من المسلمين الأمريكيين اجتماعا في فندق ومركز مؤتمرات في مالفيرن في ولاية بنسلفانيا. لقد سافر الكثيرون لمسافات طويلة لحضور المؤتمر السنوي الخامس لعلم النفس للمسلمين السود، وهو تجمع تتزعمه كميلة رشاد المتخصصة في مجال الصحة العقلية والناشطة في مجال العدالة الاجتماعية، يركز على التجارب المشتركة بين المسلمين السود.
وخلال المؤتمر، كان الحاضرون من المسلمين السود يرتدون تنانير طويلة، وفساتين، وبناطيل، وأثوابا، وحجابات منسدلة، وعمامات ملفوفة بدقة؛ ما جعل نزلاء الفندق الآخرين الذين كان غالبيتهم من البيض والمرتدين لأقمصة مكشوفة وسراويل قصيرة وفساتين صيفية يرمقونهم بنظرات غريبة أثناء تنقلهم عبر الأماكن المشتركة خلال الجلسات.
وأفادت الكاتبة بأنه خلال هذا الأسبوع، تجري محادثات في جميع أنحاء البلاد حول أيديولوجيات تفوق البيض وكيف ألهمت مطلقي النار (على غرار نشر مطلق النار في مدينة إل باسو بيانًا على حساباته على وسائل التواصل الاجتماعي اعتبر فيها هجرة سكان أمريكا اللاتينية "غزوا")، وكيف كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والزعماء من الحزب الجمهوري مصدر إلهام لهذه المعتقدات.
منذ فترة، أجّج ترامب وأنصاره العنصرية ورهاب الأجانب في الخطابات الرنّانة التي تشوه صورة المهاجرين والأمريكيين السود والإسلام والمسلمين. وقد اختصوا بالذكر شخصية التقيت بها لأول مرة في "مؤتمر علم النفس للمسلمين السود" في سنة 2017، عندما كانت هي المتحدثة الرئيسية في المؤتمر، إلهان عمر، التي كانت آنذاك ممثلة ولاية مينيسوتا، وهي الآن عضوة في الكونغرس الأمريكي.
وأشارت الكاتبة إلى أنه في المؤتمر الذي عُقد سنة 2017، أعربت عمر عن فخرها خلال حديثها عن توظيف وجهة نظرها كامرأة أمريكية من أصول صومالية مسلمة في عملها السياسي. وقد أطنبت في الحديث عن هذه المسألة والتقطت صور السيلفي مع الحاضرين في نهاية المؤتمر. تجدر الإشارة إلى أن التشهير الحالي بعمر يعد أمرا حاسما لفهم آفة القومية البيضاء في الولايات المتحدة.
وأضافت الكاتبة أن وصف إلهان عمر بأنها "غير أمريكية" أو السخرية منها من خلال ترديد شعارات من قبيل "عودي من حيث أتيت" كشفت عن كيفية تحول الإسلام والمسلمين إلى جزء من حساب التفاضل والتكامل العرقي في البلاد، مدفوعين بالمشاعر ذاتها التي غذت طرد الشعوب الأصلية من أراضيهم، واستعباد الأمريكيين السود، واعتقال الأمريكيين ذوي الأصول اليابانية خلال الحرب العالمية الثانية.
وذكرت الكاتبة أنه في الوقت الحالي، يمكن رؤية هذا النوع من الأيديولوجية في قرار ترامب المتمثل في حظر دخول الأشخاص من الدول "المسلمة" وإقامة معسكرات اعتقال على الحدود الفاصلة بين الولايات المتحدة والمكسيك. وبالنسبة للرئيس وأنصاره، تواجه البلاد اختبارا عرقيا ودينيا حاسما بشأن كل من لا يعتبر أمريكيًا "حقيقيًا".
في الواقع، تولي البنى الاجتماعية للولايات المتحدة أهمية كبرى لأصحاب البشرة البيضاء باعتبارهم يعكسون هوية البلاد وأيديولوجيتها، هذا بالإضافة إلى استحواذهم على القوة السياسية. أما بالنسبة لأولئك المنتمين إلى الهويات العرقية والدينية غير البيضاء على غرار إلهان عمر، فإنهم يشكلون خطرا كبيرا تماما كما تشير حوادث إطلاق النار التي وقعت خلال الأسبوع الماضي.
ونوّهت الكاتبة بأنه على الرغم من أن إلهان عمر لم تشارك في المؤتمر الخاص بهذه السنة، إلا أنه كان من الممكن الشعور بوجودها. انعقد المؤتمر بعد مرور أيام قليلة على تغريدات ترامب العنصرية التي تنم عن رهاب الأجانب وتستهدف إلهان عمر وغيرها من الديمقراطيات التقدميات وتطلب منهن "العودة" من حيث أتين. وفي وقت لاحق، نُظمت مسيرة حاشدة في كارولاينا الشمالية هتف فيها أتباع ترامب مستخدمين عبارة "أعيدوها من حيث أتت".
بالتالي، من المؤكد أن هذه الأحداث ظلت محفورة في أذهان الحاضرين في المؤتمر، إذ إنها تذكّر بالتحديات التي يواجهها المسلمون الأمريكيون السود في ظل الوضع السياسي الراهن لاسيما أن الرئيس لا يكف عن تهديد إلهان عمر بسبب إصرارها على مواجهة السلطة بالحقيقة، المتمثلة في كونها لاجئة مسلمة أمريكية وذات بشرة سوداء.
وأوردت الكاتبة أنه منذ زمن العبودية، انطلاقا من الوقت الذي مارس فيه العبيد المسلمين في غرب إفريقيا شعائرهم الدينية سرا، مرورا بالأمريكيين السود الذين اعتنقوا الإسلام بشكل جماعي في أوائل القرن العشرين، وصولا إلى المناضلين من أجل الحرية بمن في ذلك مالكوم إكس وبيتي شباز ومحمد علي كلاي، فقد ساهم الإسلام الأمريكي داخل المجتمعات السوداء في ظهور روايات مضادة انتقادية للمزاعم التي تفيد بأن الهوية الأمريكية تعتمد بالضرورة على مفهومي القومية والاستثنائية أو أنها تعمل على تعزيزهما.
ومثلها مثل الحاضرين في مؤتمر الشهر الماضي، تشارك إلهان عمر في هذه الرواية المضادة لتلقي الضوء على هياكل السلطة التي تسببت عبر التاريخ في إنتاج ظروف تشكل خطرا عميقا يحدق بالمجتمعات المسلمة السوداء.
وفي الختام، أكدت الكاتبة أن إلهان عمر تمثّل رمزا للإسلام الأمريكي الأسود عبر الحدودي، وهو المفهوم الذي يعكس الإرث الأمريكي الذي يزخر بالتحرر والنضال، إلى جانب السعي المتواصل للمسلمين الأمريكيين السود لبناء الجسور بدلا من الحواجز.